أزمة تتفاقم: العلاقات الجزائرية الفرنسية في مهب التصعيد
كتبت بسمة هاني
لا تزال العلاقات الجزائرية الفرنسية تعاني من توترات متصاعدة، دخلت مؤخرًا منعطفًا حادًا بعد إعلان الجزائر طرد 12 موظفًا دبلوماسيًا فرنسيًا، في خطوة وُصفت بالتصعيدية، ردًا على ما اعتبرته “اعتقالًا استعراضيًا” لمسؤول قنصلي جزائري في باريس.
وفي حديث خاص لموقع نافذة الشرق، قال الدكتور أحمد يونس، الباحث الأكاديمي والمحلل السياسي، إن القرار الجزائري يعكس إحساسًا متناميًا داخل دوائر صنع القرار في الجزائر بأن باريس تتعامل بعقلية استعمارية قديمة، رغم كل محاولات التجميل الدبلوماسي.
الرد الفرنسي: بين التهديد والتمسك
وقد ردت باريس على الخطوة الجزائرية بنبرة حادة، حيث وصف وزير الخارجية جان نويل بارو التصرف بـ”الاستفزازي”، رغم تأكيده في ما بعد على تمسك بلاده بالعلاقة مع الجزائر.
وهنا أوضح د. يونس أن “فرنسا تعيش حالة ارتباك استراتيجي في التعامل مع الجزائر، فهي تريد الاحتفاظ بنفوذها، لكنها ترفض تقديم تنازلات جوهرية في ملفات حساسة.
اجتماع سري في الإليزيه: مؤشر على عمق الأزمة
وفي تطور لافت، كشف د. يونس أن قصر الإليزيه احتضن قبل أيام اجتماعًا رفيع المستوى لم يُعلن عنه رسميًا، وجمع الرئيس ماكرون بعدد من كبار مستشاريه الأمنيين والدبلوماسيين. الهدف: مناقشة المأزق المتجدد في العلاقات مع الجزائر.
ولفت يونس إلى أن الاجتماع تخلله توتر داخل دوائر القرار الفرنسي، بين جناح يتزعمه وزير الخارجية ويدعو إلى التهدئة، وآخر أكثر تشددًا يقوده وزير الداخلية، المعروف بقربه من التيارات اليمينية.
الملفات الشائكة: من الهجرة إلى المعارضين
وأشار يونس إلى أن الاجتماع ناقش ملفات معقدة، أبرزها الهجرة غير النظامية، الناشط أمير دي زاد وقضية الوزير السابق عبد السلام بوشوارب، إضافة إلى مقترحات بإعادة النظر في العلاقة مع الجزائر، تشمل استدعاء السفير أو تجميد التعاون الأمني.
فرنسا بدأت تتعامل مع الجزائر كشريك غير مضمون كما يؤكد أحد مستشاري ماكرون بحسب التسريبات، وهو ما يراه د. يونس انعكاسًا لتراجع الثقة المتبادل بين الطرفين.
ماكرون في مأزق: المصارحة لم تُثمر
وشدد يونس على أن الرئيس ماكرون يشعر بخيبة أمل كبيرة، إذ أن مقاربته التي قامت على المصارحة دون تقديم اعتذار كامل، لم تقابل بأي تجاوب فعلي من الجزائر، بل زادت من حدة الانتقادات ضده من اليمين المتطرف الفرنسي.
جراح الماضي: التاريخ لا يزال حاضرًا
وأكد يونس أن العلاقة بين البلدين مثقلة بعبء التاريخ الاستعماري، حيث لم تقدّم باريس حتى اليوم اعتذارًا رسميًا عن الحقبة الاستعمارية، مما يترك الجراح مفتوحة في الذاكرة الجزائرية.
كما أشار إلى أن ملف الهجرة يمثل أزمة ثقة متبادلة، إذ ترى فرنسا أن الجزائر لا تتعاون في استعادة رعاياها غير النظاميين، بينما تعتبر الجزائر أن باريس توظف ورقة الترحيل كأداة ضغط.
تنافس الشركاء: تراجع النفوذ الفرنسي في الجزائر
ونوّه يونس إلى أن التحولات الجيوسياسية الأخيرة، خاصة توجه الجزائر نحو الصين وتركيا، تشير إلى تقلص تدريجي في النفوذ الفرنسي التقليدي، سواء في الاقتصاد أو في التأثير الثقافي والسياسي.
هل تتجه الأزمة نحو التصعيد أم التهدئة؟
وحول السيناريوهات المحتملة، قدم دكتور يونس قراءة تحليلية شاملة:
- تصعيد دبلوماسي متبادل: “احتمال وارد إذا استمر الضغط الداخلي على ماكرون، وقد نرى طرد دبلوماسيين جزائريين أو تعليق ملفات اقتصادية.
- وساطة إقليمية أو أوروبية: قد تدخل أطراف مثل إسبانيا أو إيطاليا على خط الأزمة لتخفيف التوتر، بحسب يونس.
- قمة رئاسية لإنقاذ العلاقات: “لقاء مباشر بين ماكرون وتبون بات ضروريًا، لكنه يتطلب تحضيرًا دبلوماسيًا غير تقليدي.”
- الجمود المرحلي: ربما تستقر العلاقة على حالة من التوتر المنخفض، بلا تصعيد واضح، ولكن أيضًا بلا تقدم.
وختم الدكتور يونس حديثه بالتشديد على أن “العلاقة بين فرنسا والجزائر ليست مجرد علاقات بين دولتين، بل اختبار لهوية وتاريخ، وصراع بين ذاكرة استعمارية لم تُحل، ونزعة فرنسية لفرض الهيمنة الناعمة”.
وأكد أن تجاوز الأزمة يتطلب رؤية شجاعة من الجانبين، فـالجزائر مطالبة بعدم تحويل التاريخ إلى أداة ابتزاز، وفرنسا مطالبة بالتخلي عن عقلية التفوق”، متسائلًا: “هل ينجح ماكرون في تفكيك عقدة الجزائر قبل نهاية ولايته، أم يُورّثها كغيره لمن يخلفه؟
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.