أزمة دبلوماسية غير مسبوقة: الجيش الأوغندي يقطع علاقاته العسكرية مع ألمانيا

14

كتبت بسمة هاني
في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات في الأوساط الإفريقية والدولية، أعلن الجيش الأوغندي قطع علاقاته العسكرية مع ألمانيا، متهمًا السفير الألماني المعتمد في كمبالا بالضلوع في أنشطة تخريبية تمس السيادة الوطنية.

وفي حديث خاص لموقع نافذة الشرق، قال الدكتور رامي زهدي، خبير الشؤون الإفريقية، إن القرار يعكس تراكمات ممتدة في العلاقة بين البلدين، وليس مجرد رد فعل آني، فالاتهامات الموجهة للسفير الألماني تتعلق بتجاوزه للدور الدبلوماسي، وقيامه بلقاءات مع معارضين، ودعمه منظمات مجتمع مدني تُتهم بالتورط في تحريض سياسي داخلي.

التصعيد لم يكن مفاجئا: مؤشرات سبقت الانفجار

ولفت زهدي إلى أن سلسلة من الأحداث ساهمت في تأزيم الوضع قبل اتخاذ القرار، أبرزها الزيارات غير المنسقة التي قام بها دبلوماسيون أوروبيون لمواقع عسكرية حساسة داخل أوغندا، وتسريبات عن نية برلين تقليص الدعم اللوجستي للجيش، إضافة إلى خلافات حول آليات الرقابة على برامج الدعم الألماني، والتي رفضتها المؤسسة العسكرية الأوغندية.

وأكد أن هذه المؤشرات، مجتمعة، عكست حالة انعدام ثقة متزايدة، ودفعت الجيش الأوغندي لاتخاذ موقف راديكالي.

ردود الفعل الدولية: ترقب وحذر

أشار زهدي إلى أن المواقف الدولية حتى اللحظة تتسم بالحذر، موضحًا أن “الاتحاد الأوروبي عبّر عن قلقه، بينما تتابع الولايات المتحدة المشهد عن كثب، وقد ترى في الأزمة فرصة لتعزيز حضورها العسكري والسياسي في أوغندا على حساب النفوذ الألماني.

وأضاف أن الاتحاد الإفريقي يلتزم الصمت حتى الآن، كالعادة في مثل هذه القضايا الحساسة التي تمس سيادة الدول، لكنه بلا شك يتابع التطورات خشية تداعيات إقليمية أوسع”.

تداعيات مباشرة: تعاون عسكري واقتصادي على المحك

وأوضح زهدي أن قرار قطع العلاقات سيترك أثرا بالغا، خاصة في ملفات التعاون الدفاعي.

وقال إن الجيش الأوغندي كان يستفيد من برامج تدريب ودعم لوجستي ألمانية، خصوصًا في إطار عمليات حفظ السلام الإقليمية، كما أن هناك تأثيرًا منتظرًا على مشاريع تنموية كانت برلين تمولها.

وشدد على أن أوغندا ستضطر لتعويض الفراغ عبر الانفتاح على شركاء جدد، من بينهم روسيا وتركيا، في وقت تتراجع فيه قدرة ألمانيا على فرض رؤيتها في شرق إفريقيا”.

خلفيات أعمق: بين السيادة وصراع المحاور

وأكد زهدي أن الأزمة تعكس ما هو أعمق من خلاف دبلوماسي عابر، قائلًا: أوغندا، مثل كثير من الدول الإفريقية، بدأت تتجه نحو استعادة سيادتها الكاملة على القرار السياسي والعسكري، وترفض ما تعتبره تدخلاً غربيًا مشروطًا.

ونوه إلى أن الصراع على النفوذ في إفريقيا بين ألمانيا والصين وروسيا بات ينعكس على الدول المحلية، التي تسعى لإعادة التموضع بما يخدم مصالحها بعيدًا عن الإملاءات.

تحليلات متباينة: بين الرد المبالغ والتعامل الفوقي

وحول التباين في تقييم الموقف، أشار زهدي إلى أن بعض التحليلات ترى أن الجيش الأوغندي بالغ في رد الفعل، فيما يرى آخرون أن ألمانيا فقدت بوصلة التوازن في تعاملها مع شركائها الأفارقة، وتتبنى خطابًا فوقيًا لم يعد مقبولًا في القارة.

وأضاف أن ما يجري هو جزء من عملية إعادة تشكيل للعلاقات الإفريقية-الأوروبية، قد تمتد آثارها إلى دول أخرى في الإقليم.

السيناريو المقبل: احتواء مشروط وتحولات محتملة

أما عن المسار المستقبلي للأزمة، فاعتبر زهدي أن السيناريو الأرجح هو محاولة احتواء الأزمة دبلوماسيًا، لكن دون عودة الأمور إلى سابق عهدها.

وأوضح أن أوغندا ستتجه نحو تنويع شراكاتها الدفاعية، فيما ستُجبر ألمانيا على مراجعة أدواتها في إفريقيا، لا سيما مع تراجع نفوذها لصالح قوى غير غربية أكثر مرونة وواقعية في مقاربتها.

شرق إفريقيا على أعتاب تحوّل استراتيجي

واختتم زهدي تصريحه بالتأكيد على أن أزمة أوغندا وألمانيا ليست استثناءً، بل تعكس تحوّلاً أوسع في طبيعة العلاقة بين إفريقيا والغرب، حيث لم تعد لغة الشروط والتوجيهات مجدية أمام دول تبحث عن معادلات أكثر استقلالًا وسيادة.

وأكد أن المشهد الإقليمي يشهد تغيرًا في قواعد اللعبة، وأوغندا ستكون في صدارة هذا التحول، سواء على مستوى تحالفاتها أو خياراتها الاستراتيجية في المستقبل.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.