أوكرانيا بين خرائط جديدة وضغوط ترامب
كتب :أحمد سمير
أوكرانيا اليوم أمام معادلة صعبة، فبينما تضغط واشنطن نحو تسوية سريعة تتيح لترامب أن يقدم نفسه كـ”صانع سلام”، تسعى موسكو لترسيخ مكاسبها على الأرض عبر صيغة تبادل أراضٍ وشروط سياسية تُبقي أوكرانيا خارج الناتو وترفع العقوبات تدريجياً.
في حين يصر زيلينسكي على أن أي تفريط في السيادة خط أحمر يهدد شرعية الدولة والدعم الغربي لها. على الورق تبدو التسوية مخرجاً لحرب استنزفت الجميع، لكن واقع السياسة والتاريخ يؤكد أنها أقرب إلى فخ روسي يعيد سيناريو “الاسترضاء” في ثلاثينيات القرن الماضي.
في الداخل الأمريكي يستخدم ترامب الملف ورقة انتخابية، مقدماً نفسه كمن أنهى حرباً أوروبية كلفت بلاده أكثر من 200 مليار دولار، بينما تظل أوروبا ممزقة بين دعم كييف رسمياً وتعزيز قوتها العسكرية تحسباً لتراجع الدور الأمريكي، وبين ضغوط اقتصادية داخلية تدفع بعض الأصوات للمطالبة بإنهاء الحرب بأي ثمن
هكذا تبقى القارة العجوز ممسكة بالعصا من المنتصف، رافضة التسويات على حساب أوكرانيا لكنها في الوقت نفسه تدرك أن أي صفقة بين واشنطن وموسكو لن تمر من دون أن تصيب مصالحها في العمق
وفى تصريح خاص للكاتب والمحلل السياسي ” رضا سعد ” مدير مركز جينف للدراسات السياسية بسويسرا لموقع نافذة الشرق ..
أكد فيه أن بعد اللقاء الذى جمع ترامب وزيلينسكى والقادة الأوروبيين قد أصبح من الواضح بأن شروط روسيا المطروحه في قمة الاسكا , بوجود قبول من الجانب الأوكرانى في موضوع تبادل الأراضى على وجه الخصوص , ووقف الحرب لما إجتمع الرئيس الأوكرانى والقادة الأوربيون مرة أخرى في البيت الأبيض , كل هذه الأمور تؤكد على تفوق واضح لكافة الميزان للجانب الروسى على حد تعبيره , وأنها ربحت الحرب الى حد كبير .
مشيرا : إلى أن إقتراح تبادل الأراضى هو إعتراف بتفوق روسيا في الحرب وحضور الجانب الأوروبى هو دعم معنوى وسياسى وإقتصادى, ودفاع عن أمن أوروبا بالدرجة الأولى , وأن الأوروبى كان شريك أساسى في الحرب بالدعم العسكرى والسياسى, واللوجيستى , والإجتماعى , أيضا في تحمله لأعباء اللاجئين , وتحمله أيضا عبء إعادة الإعمار في أوكرانيا .
مضيفا : أن ترامب جاد في تنفيذ خطة إنهاء الحرب الأوكرانية الروسية نظرا لسعيه لتنفيذ وعده للناخب الامريكيى قبل وصوله للبيت الأبيض بأنه سوف يوقف الحرب في 24 ساعه , وأن هذه الحرب ليست حربه وإنما حرب ” جو بايدين ” الرئيس الأسبق للولايات المتحده الأمريكية وبالتالى هو يسعى للحصول على جائزة ” نوبل للسلام ” ويريد أن يظهر للعالم أنه قد أوقف الحروب في العالم وسعيه الدائم للسلام .
معتبرا أن : ترامب في حقيقة الأمر هو رجل الصفقات , والإقتصاد فهو يحاول الإستثمار في كل شىء حتى في الحرب الأوكرانية قد إستثمر في إتفاقية المعادن مع أوكرانيا , وبيع صفقة الأسلحة الأخيرة إلى حلف الناتو ودفعت الدول الأوروبية ثمنها كى تصل إلى أوكرانيا .
موضحا ً : الضمانات التى طالب بها زيلينسكى والأوروبيين قال أنها ” ضمانات أوروبية بمشاركة أمريكية وأن الأوروبيون هم سوف يكونوا في المقدمة وبالتالى سوف يعطيهم ضمانات أمنية مقابل دفع المال من إقتصادهم وقدراتهم العسكرية , والأمنية والسياسية أيضا .
مبيناً أن : ترامب رابح في كل هذه المفاوضات مستفيدا من أوكرانيا بإتفقيات المعادن , إستفاد بإستثمارات داخل روسيا كما أغراه الرئيس الروسي ” بوتين ” على حد تعبيره , الإستفادة من بيع السلاح مجددا إلى حلف الناتو وقيام الدول الأوروبية بدفع ثمنه , بالتالى كل هذا يصب في مصلحة الرئيس الأمريكى ترامب .
متابعا : أن المشهد السياسى قد تغير هناك رجل صفقات , رجل لا يقيم وزنا لأى إعتبارات أخرى , غير المصلحه المباشرة المالية والإقتصادية لأمريكيا , وأن هذه هى سياسته وأن مازال أمامه الكثير من الوقت يستطيع فعل الكثير , وأن الضمانات الأمنية لا تنطبق على حلف الناتو والمادة الخامسه ولكن الاوروبيون يحاولون الإيحاء بأنها قريبه من ذلك .
لافتنا الإنتباه إلى : أن ترامب يستطيع الإنسحاب من هذه الضمانات كيفما يشاء , عندما يرى أن المصلحة الأمريكية في ذلك , وقد حدث ذلك في عدد من الإتفقيات مثل إنسحابه من اتفاقية المناخ والصحه وإتفاق النووى مع إيران , وإنه يستطيع أن ينقلب على أى إتفاقية يقوم بها , فهو شىء معروف عن الرئيس الأمريكى سواء في ولايته السابقة أو الحالية , وأن ترامب يغلب المصلحة الأمريكية على أى مصلحة أخرى حتى على حلفائه الأوروبيون , وأنهم سيكونوا خط الدفاع الأول عن أوكرانيا , وأن ترامب لن يقدم دعم عسكرى أو مادى من الخزينة الأمريكية بل سيدفعها الأوروبيون مرة أخرى.
مكملا : أن المشهد السياسى أصبح واضحا هناك تبادل لأراضى , وأنها ليست رغبة أوروبيه أو أوكرانية ولا أمريكية , ولكن تفوق عسكرى روسى واضح وأن روسيا تريد حفظ أمنها القومى وبالتالى الشروط الروسية منذ بداية الحرب التى قد أعلنتها بأنها لن تتراجع , وبقاء الرئيس الروسى على موقفه الرافض لأى تنازلات في هذا الموضوع وقد حصل على ما قد أراده من الحرب إلى حد كبير , وأى محاولة لتغيير في عملية المفاوضات أصبحت بعيدة المنال خاصة بعد اللقاء الذى جمع بين بوتين وترامب ولقاء الأخير بزيلينسكى والقادة الأوروبيين .
مختتما : بأن كل هذه المفاوضات يسبقها تحضير مسبق وأن بالكواليس هناك توافق على الخطوط العريضة التى قد رسمها الجانب الروسى لإنهاء الحرب , مع وجود عقبات في بعض التفاصيل لكن القرار الإستراتيجى بين أكبر قوتين عظمتين في العالم روسيا وأمريكا , سيأخذ حيذ التنفيذ الجاد وأن الحرب ستتوقف وأن المفاوضات ستأخذ طريقها نحو النجاح سواء بالمفاوضات أو إعطاء اوكرانيا دعم إقتصادى , أو ضمانات سياسية , وأن أوكرانيا سوف تصبح مخزنا للسلاح الأمريكى والأوروبى في مواجهة الروس , حتى في وجود أى إتفاق سلام سيكون هناك شروط منها عدم دخول أوكرانيا في الناتو عدم تهديد الأمن القومى , عدم حصول الأخيرة على أسلحه تهدد العمق الروسى .
وفى النهاية مايجرى اليوم بين كييف وواشنطن وموسكو ليس مجرد جدل حول خرائط أو تبادل أراضى بل معركة أوسع على صياغة التوازنات الدولية المقبلة , زيلينسكى يقف أمام معضلة وجودية أى تنازل عن الأرض يعتبر خيانة داخلية وخارجيا إعلان للهزيمة .
بوتين يدرك بدوره أن إثبات أى مكاسب للحرب يعنى إعتراف دولى غير مباشر بالضم وهذا ما يسعى إليه عبر الإنفتاح على مبادرات ترامب .
ترامب يتعامل مع هذا الملف كصفقة إنتخابية داخليه تتيح له غلق جبهه مكلفة ليعيد تركيزه على الصراع الإستراتيجى مع الصين , ومشاكل الإقتصاد .
الدول الأوروبية , تظهر بدور اللاعب المتردد فهى بين نارين الدفاع عن أمنها الجيوسياسى ودعم الجانب الأوكرانى وبين التكييف مع الواقع السياسى الجديد الذى قد فرضته الإدارتين الأمريكية والروسية , وفى النهاية التسوية المطروحة حاليا والقائمه على خرائط جديدة قد تبدوا حتى الآن أقرب إلى فخ سياسى من كونها حل نهائى , نظرا لكونها تثبت سابقة الإعتراف بالقوة فى رسم الحدود .
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.