إحياء سيناريو التوطين: خطة إسرائيلية لنقل فلسطينيي غزة إلى جنوب السودان

5

كتب : أحمد سمير

الصراع السياسى والإنسانى , أعاد الأوساط الإسرائيلية طرح ما أسمته بـ ” خيار الهجرة الطوعية ” لسكان القطاع فى محاولة تسويق مشروع , يقوم على توطين الفلسطينيين فى دول إفريقيا وعلى رأسها ” جنوب السودان ” وعلى الرغم من نفى الأخيرة رسمياً هذا الأمر إلأ أن هناك تقارير أشارت إلى رغبة إسرائيل فى إستغلا ل موقع ” جنوب السودان ” الإستراتيجى خاصة وأن له علاقة جيدة وناشئة مع تل أبيب .

هل هى خطة بالفعل ولها تفاصيل أم مجرد إقتراحات لن تدخل حيذ التنفيذ ..؟
فى الثانى عشر من أغسطس الجارى ووفق تقارير لوكالة الأنباء الأمريكية ” ap” ذكرت أن إسرائيل تجرى مباحثات سرية مع جنوب السودان حول إحتمالية إعادة توطين الفلسطينيين فى غزه هناك كجزء إستراتيجى يتمحور حول الهجرة الطوعية لسكان غزة , تل أبيب تروج للفكرة لكونها خيار تطوعى , الجانب السودانى نفى هذا الأمر بشكل قاطع واصفاً إياه ” إدعاءات لا اساس لها ولا تعكس موقع الحكومة ” ومع ذلك لم يتم التوصل إلى أى إتفاق رسمى حتى الآن ولم يذكر إلى أى مدى تطورت المباحثات فى الوقت الحالى.
الثالث عشر من أغسطس الجارى زيارة الرسمية التى قامت بها نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية ” شارن هاسكل ” إلى جوبا , أكدت فيها أن المحادثات لم تتناول موضوع التوطين بل كان تركيز الحوار على جوانب من السياسة الخارجية والأزمة الإنسانية فى جنوب السودان .
فى الخامس عشر من أغسطس الجارى أكدت وكالة رويترز الإخبارية نقلا عن ثلاث مصادر قالت أن المحادثات حول هذا الأمر مستمرة ” رغم النفى ” , ملامح الخطة إذا ما وضعت حيذ التنفيذ قد تشمل نقل سكان غزة إلى دول تشهد صراعات داخلية ومشاكل إنسانية مزمنه كـ ” جنوب السودان , إندونيسيا , ليبيا , الصومال إثيوبيا ” مع عرض تمويل لإقامة المخيمات المؤقته .
جنوب السودان يسعى إلى تعزيز علاقاته الدولية والحصول على دعم دولى وقد إستفاد مسبقا من علاقات غير رسمية مع إسرائيل فى عدة مجالات منها الزراعه والتنمية , المقترح يتماشى مع سياسات سابقة منها ما قد طرحه ترامب بأنه ” خيار الهجرة الطوعية ” الإ أن الأمر قد نال العديد من المعارضه الشديدة من الدول العربية والمنظمات الحقوقية .
الموقف الفلسطينى على المستويين القيادى والشعبى سواء من حركة حماس , فتح فقد أعربوا عن رفضهم التام لأى توطين واصفين إياه ” نكبه جديدة ” تهدد حق العودة والسيادة الفلسطينية .
المنظمات الدولية والحقوقية , ودول عربية , وأروبية قد إعتبروا هذا الأمر إنتهاك للقانون الدولى وتهديد لإستقرار المنطقة , مع كل هذا الزخم من المواقف الدولية والمحادثات الغير رسمية الإ أن الواقع الفعلى يؤكد عدم إتخاذ أى خطوات تنفيذيه أو إتفاقيات رسمية , وأن المشروغ لا يزال قيد الإستكشاف , ولم يتعد مرحلة التفكير , أو الضغوط الدبلوماسية .
لماذا ذُكر جنوب السودان بالتحديد .. ؟
نظرا ً لكونه بلد حديث الإستقلال , له علاقات علنية مع إسرائيل منذ 2011 يحتاج إلى شبكات دعم وإستثمارات ما يجعله نظريا متطلع لعقد صفقات سياسية وإقتصادية كبرى مقابل التوطين , تل أبيب قدمت للجنوب دعما سياسيا ً ولوجيستيا ً مما يجعل من الجنوب بيئة تسمح بإقامة المشروع على أرضها.
عمليا ً الجنوب فقير ويعانى من صراعات إثنية وهو ما يجعله عرض لقبول أى إغراءت تتعلق بالمساعدات الدولية مقابل الدخول في ترتيبات حساسة مثل هذه , وإختيار دولة بعيدة نسبيا ً عن الصراع العربى الإسرائيل يقلل من حساسية إستقبال الفلسطينيين مقارنة بدول الجوار , مصر, والاردن .
ولكن يبقى الأمر غير محسوم في كونه مؤكداً أو قيد الإدعاء .. في حالة التأكيد نرى ذلك في خطابات وتصريحات رئيس الوزراء “نيتنياهو ” خلال الأشهر الماضية حول هذا الأمر , قابلة نفى رسمى من جنوب السودان , بخصوص هذا الأمر إستناداً لعدم وجود إتفاقيات موقعة , أو أرقام لأعداد تمويل , مواقع إستضافة , فالجميع غير معلن .
أما عن كون الأمر قيد الإدعاء فمزاعم المحادثات السرية مستمرة على الرغم من النفى كما أكدتها تسريبات وكالة رويترز للأخبار , دون إفصاح رسمى من الطرفين عن المضمون .
أما عن الموقف المصرى والدول العربية..
مصر إعتبرت أن أى مشروع نقل خارج غزة تهديداً مباشراً للأمن القومى المصرى كونه من الممكن إستخدامه كخطوة تهديد لإفراغ القطاع من سكانه ودفعهم بالتدريج تجاه سيناء .
الدول العربية ” الأردن ” : رفض أى خطط مشابهه بسبب التخوف من إعادة إنتاج الوطن البديل .
جامعة الدول العربية : رفضت في خطاب عام سياسة التوطين القسرى مع إدراكها مدى الضغوط من الجانب الإسرائيلى والغربى المتواصله في الكواليس .
الموقف الفلسطينى : سيتكرر سيناريو لبنان والأردن مرة أخرى فالتجارب أثبتت أن الفلسطينيون يرفضون التوطين بإعتباره مساس بحث العودة , كما كان هناك رفض قاطع من الفصائل والقيادات الفلسطينية , وتخوفات فلسطينيه شديدة من ذلك الأمر أدت إلى من يفكر في الخروج المؤقت يعتبر هذا تهديداً لحق العودة وفتح الباب لضم إسرائيل لجزء من غزة بدون مقاومة , وقد أكد عدد من القادة الفلسطينيون عن رفضهم القاطع لأى فكرة نقل جماعى .

حال ما حدثت عملية توطين فعلية هل هذا الأمر ينذر بنكبه جديده ..؟؟
قانونيا وسياسيا فأى نقل جماعى للسكان تحت ظرف الحرب أو حصار يكون نقل شديد الخطورة وقد يندرج تحت مصطلح الترحيل القسرى وهو محظور دوليا إلى توافرت عناصر الإكراه المباشر أو غير المباشر , لذلك تأتى تحذيرات من ” نكبه معاد تدويرها ” حتى لو كانت تحت مسمى ” طوعية ” , عدم قبول الجانب الفلسطينى لهذا الأمر والممانعه العربية الواسعة يجعلان الأمر ذات كلفة سياسية عالية من الجانب السياسى والأمنى .
هل هناك مكاسب إسرائيلة كى تسعى وراء هذه الفكرة ..؟؟
على المستوى الداخلى ترحيل جزء من سكان غزة قد يسهل عمليات عسكرية واسعة وبسمع بإسلوب فرز للسكان ثم القضاء على الباقين كما جاء في تصريح مسبق لرئيس الوزراء الإسرائيلى , على المستوى الإقليمى بناء علاقات جديد مع دول مثل جنوب السودان وجذب دعم دولى أمريكى , ومن الممكن معه إستثمارات وعلاقات جديدة مع دول إفريقية فقيرة تبحث عن حلفاء وموارد .

وحول هذا الشأن وفى تصريح خاص للواء ” ممدوح الإمام ” مساعد مدير المخابرات الحربية الأسبق والخبير الإستراتيجى لموقع نافذة الشرق حول هذا الموضوع .

موضحاً : أن هذه المحاولة لتهجير الفلسطينيين لم تكن الأولى بل كان هناك عدد من المحاولات في الماضى ففى عام 1982 بعد إنسحاب إسرائيل من سيناء قام ” أريل شارون ” بزيارة إلى مصر مجتمعاً بالرئيس الراحل ” محمد حسنى مبارك ” وذكر أن الحدود الدولية التى ستنسحب إليها إسرائيل وفقاً لإ تفاقية 1906, مما سيؤدى إلى تقسيم مدينة رفح إلى جزئين فلسطينى ومصرى , الأمر الذى سيشجع على عمليات الإرهاب والتهريب مقترحاً أن السيادة بأكملها يجب أن تكون تحت جهه واحده إما مصرية أو إسرائيلية , على الرغم من كون هذا الإقتراح كان أمنيا صحيح وثبت ذلك بمرور الاحداث إلا أن الرئيس الراحل مبارك قد رفضه .
مضيفاً : أن في تقديره الشخصى لرفض الرئيس الراحل مبارك هذا الأمر كان إعتمادا على الأ تكون هناك سابقة في تعديل الحدود من الممكن لإسرائيل أن ترتكز عليها مستقبلا , بداية التسعينيات عرضت إسرائيل إقتراح تبادل الأراضى الذى كان يقضى بحصول إسرائيل على جزء من سيناء ومصر تحصل على جزء من صحراء النقب , أيضا المقترح تم رفضه .
مشيراً : إلى أن الفرصة الذهبيه أتت إلى إسرائيل عند إعتلاء الإخوان حكم مصر , والتصريح بفتح الحدود مع غزة وإقامة مخيمات داخل سيناء للفلسطينيين , الامر الذى جعل القوات المسلحة المصرية تقوم بإصدار التشريعات اللازمة والتى قضت بعدم تملك الأراضى لغير المصريين .
مبيناُ : أن إسرائيل في الوقت الحالى تتعامل مع غزة بسياسة الأرض المحروقه التى لا تصلح للعيش حتى يتمكن اليأس من السكان ويغادروها حال عرض الأمر عليهم طمعاً في الحياة لهم ولأطفالهم ونسائهم , وفى سبيل هذا الأمر تنتهج قوات الإحتلال سياسة إستهداف المخيمات والمدراس والمستشفيات ويساعدهم في ذلك إختباء مقاتلى حماس بين المدنيين مثل” إغتيال محمد الضيف في موقع قيادة أسفل المستشفى الأوروبى , وإغتيال إسماعيل برهوم في غارة على مستشفى ناصر ” .
لافتاً الإنتباه إلى : مخطط التهجير الذى تسعى إسرائيل إليه مقلقا ً للغاية في الوقت الحالى , ولا لوم على أهل غزة الذين يعانون من إنعدام سٌبل الحياة حال إستجابتهم عمليا لهجرة توفر لهم الحياة الآمنة في أى مكان فظل غياب موقف عربى موحد يقف في وجه الولايات المتحده الداعم للمشروع مع الأخذ في الإعتبار تبعية الرئيس الأمريكى ونسبه من أعضاء الكونجرس , والقيادات الأمريكية للكنيسة ” الإنجفليكانية ” والتى تؤمن بضرورة تجمع يهود العالم في إسرائيل حيث سيتحولون بعد تجميعهم الى الديانية المسيحية , بالتالى مواقفهم السياسية تتبع مع المعتقد الدينى .
مختتماً : أن المسرح العالمى والإقليمى مهيأ لذلك روسيا منشغله في الحرب الأوكرانية , الصين تقدم نفوذ إقتصادى فقط وليس لها حلول أمنية أو عسكرية , أيضا إنهيار النظام السورى , وهزيمة حزب الله , وقطع خطوط الإمداد عنه , التهجير ينعكس على إنهاء القضية الفلسطينية إلى الأبد وإلغاء جميع قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181الخاص بتقسيم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى يهودية , ستسيطر إسرائيل على كافة الأراضى الفلسطينية التاريخيه تحت الإنتداب البريطانى ولن تكون هناك دول عربية .

فى سياق متصل تصريح خاص للخبير العسكرى والإستراتيجى اللواء \ أحمد كامل لموقع نافذة الشرق
أكد فيه بأن حلم إسرائيل واليهود المتطرفين هى إقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات كما ذكر ذلك الإسبوع الماضى وذلك على حساب دول الجوار , ولتحقيق هذا الهدف لابد من تنفيذه على عدة مراحل وتنفيذه فى ظروف إقليمية ودولية مناسبة , المرحلة الأولى والتى يسعى لها اليمين المتطرف والتى قد بدأت بضم القدس عام 1981 , وزيادة الإستيطان ومصادرة الأراضى وإطلاق إسم اليهودا والسامره على الضفة الغربية مرورا بالإنتفاضة الأولى عام 1987 , وبعدها إعلان الدولة الفلسطينية من الجزائر ومفاوضات أوسلو ثم الإتفاق بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية برعاية أمريكيه عام 1993 وهو ما أطلق عليه إتفاق غزة أريحا .
مشيرا إلى أن : منذ تاريخ إغتيال إسحاق رابين على يد اليمين المتطرف قد ظهر بقوته وسيطرته على مقاليد الحكم فى إسرائيل عدا مرات قليلة تمكن فيها اليسار من تولى الحكم خاصة عام 2000 يهودا براك ورفض ياسر عرفات إتفاق كامب ديفيد2 , برعاية الرئيس الأمريكى بيل كلينتون , أعقبها زيارة أريل شارون للمسجد الأقصى لتبدأ الإنتفاضة الثانية .
مضيفا ً : أنه منذ تولى شارون الحكم , وإغتيال ياسر عرفات وإقامة الجدار العازل , وقطع أواصل الضفة الغربية , وبعد أن تقدم جورج بوش الإبن بخريطة طريق لحل الدولتين بدأت مفاوضات جديدة برعاية أمريكية تحت إشراف رئيس وزراء بريطانيا تونى بلير , لم تتوقف عمليات مصادرة الأراضى الفلسطينية وإقامة العديد من المستوطنات اليهوديه
مؤكدا : أن اليمين المتطرف قد رفض جميع المبادرات الخاصه بحل الدولتين وذلك بيت الفرقة والخصومة بين السلطة الفلسطينية بالضفة , وحماس بغزة وبعد أحداث طوفان الأقصى والتأييد الأمريكى المطلق لإسرائيل , بدأت الأحلام الإسرائيلية فى إقامة دولتهم المنشودة أن تتحقق أولا بدولة يهودية نقية من النيل إلى الفرات , وأن ذلك لن يتم بدون تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزه وهذا ما تسعى إلية حاليا إسرائيل بمعاونة أمريكا وبعض الدول الغربية .
مبيناً : أن تم تشكيل إدارة خاصة لتهجير الفلسطينيين طوعا أو قسما , من هنا يأتى دور أمريكا بفرض قبول الدول للإستضافة المؤقته لسكان غزة لحين بناء القطاع ثم العودة , ومن خرج لن يعود ملوحاً بمزيد من المنح المالية والصفقات التجارية والتأمين والحماية .
مختتما : أن فلسطين هي حجر الزاوية فى المشكلة وأن ما نراه على مدار 687 يوم من حرب الإبادة على غزة وأكثر من ستة أشهر بالضففة لن يترك شعب فلسطين أرضه إلا قليل منهم , وأن إسرائيل بدأت الدخول إلى النفق المظلم من العزلة الدولية والجميع فى إنتظار حلول سبتمبر 2025 لنرى الإعتراف بالدولة الفلسطينية بالجمعية العامة للأمم المتحدة.

فى النهاية كما تبدوا الصورة أن مشروع التوطين وإن تم صياغته تحت شعار الهجرة الطوعية فهو يحمل فى طياته أبعاد سياسية وأمنية لا تتعلق فقط بغزة وإنما جوهر الصراع الفلسطينى الإسرائيلى , الأخيرة ترى أن فيه وسيلة لتخفيف الضغط عليها من عدة جوانب أهمها السياسى على المستوى الداخلى والإقليمى , بينما ترى مصر والدول العربية أن أى محاولة لتصفية القضية الفلسطينية خطاً أحمر لا يمكن لأحد تجاوزه , فى مقابل رفض شعبى وسياسى من الجانب الفلسطينى يقف كعقبة فى وجه أى مخطط من هذا النوع الامر الذى يجعل السيناريو المطروح صعب التحقيق على أرض الواقع.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.