إسماعيل تركي لـ”نافذة الشرق”: زهران ممداني يعبر عن جيل رقمي ساخط ويهدد النخبة السياسية التقليدية في نيويورك

6

عبد الله عمارة
اعتبر الدكتور إسماعيل تركي، الخبير في العلاقات الدولية، أن صعود السياسي الأمريكي من أصول أوغندية-هندية زهران ممداني يمثل تحولًا جوهريًا في المشهد السياسي الأمريكي، خاصة في مدينة نيويورك، مشيرًا إلى أن هذا الصعود يعكس حالة من التغيير الاجتماعي والسياسي يقودها جيل جديد من الشباب الغاضب من السياسات التقليدية، مستندًا إلى أدوات العصر الرقمي وتأثير الإعلام الجديد.
وأوضح تركي في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، أن فوز ممداني في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق الأوسع لتحولات الرأي العام الأمريكي، خاصة في ظل “تنامي السخط تجاه المؤسسة السياسية التقليدية، سواء الديمقراطية أو الجمهورية، بالإضافة إلى انكشاف الدور الحزبي الموجه للإعلام الرسمي، وهو ما أثر بشكل كبير على الثقة الشعبية، خصوصًا من جانب الجيل الجديد”.
وأشار الخبير في العلاقات الدولية إلى أن زهران ممداني، وهو نجل الأكاديمي والمفكر الأوغندي المعروف محمود ممداني، يمثل صوتًا مختلفًا عن الخطاب السائد في الحزب الديمقراطي، ويتبنى مواقف “تقدمية وجذرية” تتجاوز الطرح الليبرالي التقليدي، مؤكدًا أن نشاطه السابق كمنظم مجتمعي منحه قاعدة شعبية حقيقية قبل دخوله المعترك الانتخابي.
وفي تحليله لقوة الدفع التي تقف خلف ممداني، ركز تركي على الدور المركزي الذي لعبه جيل Z، موضحًا أن هذا الجيل الذي نشأ بالكامل في بيئة رقمية، يمثل قوة انتخابية صاعدة لا يمكن تجاهلها. وقال: “يمثل جيل Z الفئة السكانية المولودة بين منتصف التسعينيات ومنتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. يتميز هذا الجيل بأنه الأكثر دراية بالتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، مما يجعله قادرًا على الوصول الفوري لمصادر متعددة للمعلومات، وبالتالي تشكيل رأي عام أكثر استقلالية وأقل تقيدًا بالخطوط الحزبية التقليدية.”
وأضاف أن هذه الفئة الشابة “تتميز بنشاطها على الإنترنت ودعمها للقضايا الاجتماعية والسياسية من خلال المنصات الرقمية، وهو ما يمنح حملات مثل حملة ممداني زخمًا كبيرًا، يمكن أن يتحول من تعبئة افتراضية إلى مشاركة فعلية في صناديق الاقتراع”.
ونوّه تركي إلى أن جيل Z يميل لتبني مواقف أكثر تقدمية تتعلق بقضايا العدالة الاجتماعية والمناخ والاقتصاد، مؤكدًا أن هؤلاء الشباب “أكثر انفتاحًا على الأفكار الجديدة وأقل تمسكًا بالوضع القائم، مما يجعلهم الفئة الأنسب للمرشحين الذين يتحدون المؤسسة السياسية”.
واعتبر أن قدرة ممداني على “توظيف هذه التوجهات” كانت نقطة فارقة في حملته، إذ “تبنى خطابًا نقديًا صريحًا تجاه الفساد المؤسسي وعدم استجابة الدولة لمطالب المواطنين، وهو خطاب يلقى صدى واسعًا بين الشباب الساخط على الوضع الراهن”.
وأشار كذلك إلى أن حملة ممداني ركزت على قضايا محورية تمس حياة الشباب بشكل مباشر، مثل “الإسكان الميسر، والتعليم العالي المجاني، والرعاية الصحية الشاملة، والعدالة المناخية”، وهي قضايا اعتبرها تركي “مرآة لتحديات الشباب اليومية، وبالتالي حشدت تأييدًا حقيقيًا في أوساطهم”.
وتابع الخبير السياسي قائلًا إن ممداني وفريقه أتقنوا استخدام المنصات الرقمية مثل تويتر وإنستجرام وتيك توك، وقدموا محتوى مباشرًا وجذابًا استطاع بناء “مجتمع رقمي من المؤيدين المتحمسين”، وهو ما سمح له “بتجاوز الإعلام التقليدي والوصول بشكل مباشر إلى فئاته المستهدفة”.
وأكد الدكتور إسماعيل تركي أن ماضي ممداني كناشط مجتمعي قبل دخوله عالم السياسة كان أحد أبرز أسباب نجاحه، حيث منحه هذا الخلفية “مصداقية حقيقية بين الشباب الباحثين عن قادة يعبرون عنهم، لا عن النخب”. مضيفًا أن ظهوره كشخص “من الشارع وللشارع” ساعد في ترسيخ صورته كصوت أصيل غير مصطنع.
وشدد على أن دعم ممداني لم يقتصر على الوسائط الرقمية فقط، بل “امتد إلى فعاليات ميدانية وتنظيم مظاهرات ومبادرات مجتمعية حقيقية”، ساهمت في ترجمة الحضور الإلكتروني إلى حراك فعلي على الأرض.
وفي ختام تحليله، رأى الدكتور إسماعيل تركي أن زهران ممداني “يمتلك بالفعل المقومات التي تؤهله لإحداث تغيير حقيقي في المعادلة السياسية داخل نيويورك”، لافتًا إلى أنه مدعوم بثلاثية مؤثرة: جيل Z، وسائل التواصل الاجتماعي، وحالة الغضب من النخبة السياسية القائمة.
لكنه حذر من أن النجاح المستدام ليس مضمونًا، قائلًا: “مدى هذا التغيير سيعتمد على قدرته على توسيع قاعدته الانتخابية خارج هذه الفئات الشابة، وعلى كيفية تعامله مع القوى التقليدية التي ترى في صعوده تهديدًا مباشرًا لبقائها”.
وختم قائلاً: “مع فارق القياس، أرى أن صعود ممداني يشبه إلى حد كبير صعود ريشي سوناك في بريطانيا، الذي وصل سريعًا إلى رئاسة الوزراء، ثم خسر الثقة بسرعة أمام كير ستارمر زعيم حزب العمال. فهل يصبح ممداني ظاهرة عابرة؟ أم ينجح في تثبيت أقدامه كرمز سياسي جديد في أمريكا؟”.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.