إقليم أرض الصومال والمطامع الاقليمية والصهيونية

13

أرض الصومال هي دولة صومالية انفصالية لا تعترف حكومة مقديشو باستقلالها، ولطالما كانت محط اهتمام العديد من القوى الإقليمية بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي. حيث تُطل أراضيها على خليج عدن، وبالتالي على مقربة من مضيق باب المندب، والذي يمر عبره حوالي 12% من التجارة العالمية. وتقع على بُعد كيلومترات قليلة من ساحل اليمن، والذي تسيطر عليه بشكل كبير ميليشيات الحوثي الشيعية الموالية لإيران. ولذلك فإنه هذا ليس من المصادفة أن يشهد الإقليم في الآونة الأخيرة محاولات متزايدة للسيطرة عليه. حين سُلِّطت الأضواء في الأشهر الأخيرة بسبب مذكرة التفاهم المثيرة للجدل، التي وُقِّعت في  يناير2024، بين سلطات هرجيسا وحكومة إثيوبيا، والتي ستسمح للأخيرة بالحصول على منفذٍ إلى البحر الأحمر من خلال امتيازٍ يمتد على طول 20 كيلومترًا من الشريط الساحلي حول منطقة ميناء بربرة. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل أصبحت أرض الصومال مؤخرًا محط أنظار إسرائيل، بالإعلان عن استعدادها لاستضافة أراضيها لمهاجري غزة ضمن خطة ترامب بتهجير أهلها من أجل خطة الاعمار.

  ويبدو أن طموحات رئيسها موسى بيهى في استقلال أرض الصومال عن جمهورية الصومال قد أوقعته في شرك اثيوبيا ومطامع إسرائيل على حد سواء. حيث لعبت التدخلات الإقليمية الاثيوبية دوراً بارزاً في استمرار أزمة الدولة الوطنية الصومالية، فكان لها شروط سياسية وصلت لحد دعم المطالب الانفصالية لجمهورية أرض الصومال، وهو ما قاد جامعة الدول العربية إلى سماع شكوى الصومال الرسمية في مارس 2018، على خلفية سعي احدى الدول العربية لإدارة ميناء بربرة وإقامة قاعدة عسكرية في أرض الصومال بالتنسيق مع إثيوبيا، ومنح الأخيرة ممراً آمناً داخل الأراضي الصومالية بمقتضى اتفاق ميناء بربرة بقيمة 442 مليون دولار. وحينما أوقفت الجامعة العربية هذا الأمر راحت إثيوبيا تمارس التهديد الأكبر للصومال، عبر اختراقها عسكرياً من خلال وجود غير رسمي لقواتها في الصومال، بجانب قيادتها لاميصوم، وهى قوات الاتحاد الأفريقي. بل ان إثيوبيا كانت ترى دوما مستقبل الصومال كدولة هشة مخترقة من جهة أرض الصومال، كونها تتمتع معها بعلاقات ودية واستراتيجية، وتخترقها القوات العسكرية الإثيوبية بالتوافق مع حكومة الولاية، لكونها بحاجة مستمرة لوصاية إثيوبية لتقويم الأوضاع بها.

   ونظرا لطبيعة العلاقة مع إقليم أرض الصومال اشترت اثيوبيا في عام 2019 حصة قدرها 19% في ميناء بربرة، واحتفظت أرض الصومال بنسبة 30%، وامتلكت شركة موانئ دبي العالمية 51%، مقابل تمويل التطوير المستمر، على أن تدير موانئ دبي العالمية الميناء لمدة 30 عاما. وأثار الاتفاق وقتها جدلا في الصومال، وصوت البرلمان بالموافقة على قرار بإلغاء الصفقة وبطلانها. لكن القرار لم يوقف المشروع. وفي الأول من يناير 2024 أعلن رئيس أرض الصومال  ورئيس الوزراء الإثيوبي التوصل إلى اتفاق تمنح بمقتضاه جمهورية أرض الصومال إثيوبيا مرفأ على البحر الأحمر يطل على خليج عدن. وتسمح مذكرة التفاهم لإثيوبيا غير الساحلية باستئجار 20 كيلومترا حول ميناء بربرة على خليج عدن، تتيح لها إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر، لمدة 50 عاما لأغراضها البحرية والتجارية، مقابل الاعتراف بأرض الصومال دولة مستقلة.

 وبطبيعة الحال أثار إعلان اتفاق موسى بيهى مع اَبى أحمد حول بربرة في يناير 2024 غضب دول شرق أفريقيا. حيث وضح الهدف الحقيقي من الاتفاق بما أعلنه رئيس أرض الصومال حينها، موسى بيهي عبدي. فقد عبر يوم التوقيع بأن الاتفاقية تتضمن بندا ينص على أن إثيوبيا ستعترف بأرض الصومال دولة مستقلة في وقت ما في المستقبل. وعلى هذا فإن اعتراف اثيوبيا باستقلال أرض الصومال يمثل اعتداء على السيادة الوطنية للصومال الفيدرالي وتهديدا له. بل إن تعبير عبدي بأن إثيوبيا تسعى إلى استئجار جزء من الخط الساحلي لأرض الصومال لإقامة قاعدة بحرية، وليس للقيام بأنشطة تجارية كما كان يعتقد في السابق، يعد عذرا أقبح من ذنب، لأنه صرح بانتهاك سيادة بلاده وسيادة الدولة الام دون التشاور معها.

 ولعل انقسام مواطني إقليم ارض الصومال بشأن الاتفاق، يعد ضربة شديدة لموسى بيهى ومغامرته السياسية. فمع أن البعض يرى فيه فوائد اقتصادية محتملة، بينما يخشى البعض الآخر المساس بسيادتهم، وهو ما يثبت بأن شرح الرئيس موسى بيهى عبدى لطبيعة الاتفاقية مع اثيوبيا لا يكفى لاطمئنانهم ولا يستشعرون الأمان معها. وفى نفس السياق واجه الرئيس بعض المعارضة المحلية، بما في ذلك معارضة وزير دفاعه بيحي عبدي الذي استقال احتجاجًا على الاتفاقية. وقيل بأن التركيز المتجدد لآبي أحمد على وصول إثيوبيا إلى البحر قد أدى غايته بتحريض المجتمعات الساحلية بالقرب من زيلع في أرض الصومال ضد بعضها البعض، لكنه في نفس الوقت قد أدى إلى تأجيج التنافس بين بلاده وجيبوتي واريتريا والصومال الفيدرالي ومصر. هذا وستعمل الدولة الأم على إشعال الانقسامات السياسية والعرقية في أرض الصومال من خلال دعم المعارضة، وتأجيج الانتفاضة الشعبية في منطقة لاس عانود وأودال بالقرب من جيبوتي، واستغلال مظالم العشائر المعارضة لعشيرة إسحاق، التي تهيمن تقريبًا على حكم أرض الصومال.

  ولعل الرفض المحلى داخل أرض الصومال وانقسام المجتمع حولها، تشى بأن مقايضة الاعتراف الدولي بالاستقلال قد سقطت. حيث وضع الرئيس بيهى نفسه فى دائرة الشكوك وصدر الانقسام بين شعب الإقليم. وربما كان تعبيره لصحيفة فاينانشال تايمز بأن الاتفاق مع إثيوبيا سيسمح لأرض الصومال بدعم الجهود الدولية لتأمين حرية الملاحة في خليج عدن والبحر الأحمر، حيث تعرضت السفن لهجمات متكررة من المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، لم يلفت النظر، بل عد هروبا من مأزق وقع فيه. بل إن اشارته بأن مخطط إثيوبيا للأرض المحيطة ببربرة يتضمن ميناء وأسطولًا من شأنه أن يساعد في صد التهديدات البحرية، وأن إثيوبيا ستبنى قاعدة عسكرية بحرية، وتمتلك سفنًا تجارية مقابل الاعتراف لأرض الصومال، يقطع بأن الرجل قد أساء تقدير الموقف، ونسى تماما بأنه يعلن صراحة وصاية اثيوبية على أرض الصومال دون الوعى بماَلات ما يقول.

  ولعل تصريح وزير مالية أرض الصومال حينها، بأنهم يعولون على اعتراف اثيوبيا بالاستقلال ليكون لديهم صوت في المنصة السياسية الدولية، ويتمكنون من الاتصال بالنظام المالي الدولي، وبالتالي اقتراض الأموال من المؤسسات المالية الدولية، يشير الى أن حلم الاستقلال الكامل والاعتراف الدولي هو الذى مكن اثيوبيا من اللعب على ذهنية رئيس أرض الصومال وأعوانه في السلطة حينها لإعطاء اثيوبيا ما تسعى اليه. ولعل تأكيد رئيس أرض الصومال خلال مقابلة مع التلفزيون الحكومي المحلي في 24 يناير2024 بأن الوثيقة النهائية ستتطلب صراحة اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال، وسوف يحدث هذا الاعتراف بالتزامن مع توقيع الاتفاق أو بدء تنفيذه، يدلل على أن السعي وراء الاعتراف الدولي قد ربط هذا بذاك، وأن اثيوبيا لن تتراجع أيضا عن حلمها في الوصول للبحر مقابل هذا الاعتراف. مع أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تتطلب إعادة تشكيل سياساتها وتحالفاتها داخل أرض الصومال، بما في ذلك مع الدول الإقليمية مثل بونتلاند، التي تتنازع مع أرض الصومال على منطقتي سول وسناج ومنطقة عين جنوب شرق الأخيرة. بل إن إصرار الرئيس عبدى خلال خطابه السنوي في يونيو 2024 بأن الاتفاق مع إثيوبيا يعطي الأولوية للمساواة والمنفعة المتبادلة، وأن أرض الصومال ستكتسب من خلاله اعترافًا دوليًا مقابل وصول إثيوبيا إلى قاعدة بحرية في ميناء بربرة، يشى بأن الرجل يستسهل الأمر ويظنه في صالح بلاده.

ومما سبق يتضح بأن اتفاق أرض الصومال قد خلق آثارًا جسيمة على المستقبل السياسي والاقتصادي لأرض الصومال. فقد هيمنت هذه القضية على الخطاب السياسي حول أرض الصومال خلال الانتخابات الرئاسية، بل كانت هي احدى الأوراق التي لعبت عليها المعارضة وأسقطته في انتخابات نوفمبر 2024. ولعل انتقاد بيهى لجيبوتي لاستضافتها مجموعة من أعضاء المعارضة في أرض الصومال الذين يدعون إلى انفصال منطقة أودال عن أرض الصومال، يصب في ترسيخ الانقسام والتفتت. الأمر الذى جعله يركز على دعوته بوجوب الوحدة بين سكان أرض الصومال. واذا نظرنا لتصريحات الرئيس بيهى خلال افتتاح متحف أرض الصومال الجديد في هرجيسا وانتقاده قرار الصومال بوصف الانفصال بأنه تهديد للأمن القومي، طارحا بأنه إذا كانت الصومال تنوي محاربة أرض الصومال، فإن المجال مفتوح، لوجدنا الرجل واضحا في ابتعاده الشديد عن إمكانية العودة الى الصومال. فإشارته بأن رفض الصومال المستمر لاستقلال أرض الصومال والسماح بوجودها هو أحد القضايا التي تعمق الكراهية بين الجانبين، فكل هذا يدلل على أن بيهى على استعداد للدخول في حرب مع الصومال الفيدرالي دفاعا عن استقلاله واتفاقيته، ولا يمكن التهديد بشيء إلا إذا كان ضامنا لمساعدة اثيوبية في حالة وقوع مثل هذه الحرب. وعلى هذا فإن تسارع موسى بيهى عبدى على اثيوبيا والبعد عن العالم العربي انما هو لحسابات سياسية محضة، ولإدراكه بأن اثيوبيا هي الدولة الوحيدة في منطقة القرن الإفريقي التي يمكنها تحقيق مصالحها وغاياتها بغض النظر عن الوسائل المستخدمة. وهو الأمر الذى أسقطه في انتخابات نوفمبر 2024 حيث فاز زعيم المعارضة عبد الرحمن سيرو. وبدأ صفحة جديدة فيها نوع من التقارب مع العالم العربي.

  وفيما يتعلق بالمطامع الاسرائيلية فى أرض الصومال، فقد برزت بوضوح في أكتوبر2024، حينما تم الترويج الاعلامى حول اهتمام إسرائيل بأرض الصومال، كاشفًا عن جهود سرية تبذلها الدولة اليهودية لإنشاء قاعدة عسكرية في المنطقة المؤيدة للاستقلال، والتي ستسمح لإسرائيل بشن ضربات استباقية على أهداف الحوثيين وردع المزيد منها، مقابل الاعتراف الرسمي بهرجيسا وزيادة الاستثمار المالي في المنطقة. وأكدت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية هذا الخبر وقتئذ. حيث ذكرت أن القدرات العملياتية التي أظهرها الحوثيون أجبرت إسرائيل على إيجاد حلول مضادة لدحر تهديد الميليشيات الشيعية اليمنية، نظرًا لعدم جدوى إرسال طائراتها المقاتلة في غارات طويلة ومكلفة على اليمن كلما انفجرت طائرة مسيرة داخل البلاد. فاستراتيجية إسرائيل العسكرية، في نهاية المطاف، تركز منذ فترة طويلة على ضمان عمق استراتيجي في المناطق غير المستقرة. ففي البحر الأبيض المتوسط، اعتمدت الدولة اليهودية على قبرص للدعم العملياتي. ومن هذا المنطلق، تُمثل أرض الصومال فرصة مماثلة في البحر الأحمر، مما يسمح لإسرائيل برصد التهديدات القادمة من اليمن والرد عليها.

وبنا على ما طرحناه فإن مطامع اسرائيل في أرض الصومال تسبق مشروع ترحيل الفلسطينيين اليها، كونه مشروع غير عملي ونفته قيادات أرض الصومال الجديدة، وقالت بأنه لم يعرض عليها من الأساس. لكن مشروع الوجود الإسرائيلي هناك هو مشروع قائم. وقد يحظى بدعم كبير من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فهناك شائعات كثيرة تفيد بأن ترامب سيكون على استعداد للاعتراف باستقلال هرجيسا. ويعتقد العديد من المسؤولين السابقين وأعضاء مراكز الأبحاث المقربة من الجمهوريين الأمريكيين ذلك، ومنهم المبعوث السابق إلى أفريقيا خلال ولاية ترامب الأولى، والذي يرى أن حسن سير العملية الديمقراطية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في أرض الصومال قد “أظهر جاذبيتها كشريك للولايات المتحدة ودول أخرى. وبعدها صرّح وزير الدفاع البريطاني السابق، جافين ويليامسون، بأن على ترامب النظر في الاعتراف رسميًا باستقلال أرض الصومال، على أمل أن تُعالج الإدارة الأمريكية الجديدة هذه القضية. وقد اتُخذت خطوة أولى ملموسة في هذا الاتجاه في 12 ديسمبر2024، عندما قدّم النائب الجمهوري سكوت بيري، عضو مجلس النواب الأمريكي، مشروع قانون في الكونجرس يدعو الحكومة الأمريكية إلى تمديد الاعتراف الرسمي باستقلال أرض الصومال. وهو ما يمثل الخطورة بعينها على عالمنا العربي والإسلامي وينتهك سيادة دولة عربية هي جمهورية الصومال الأم. ولابد من التقارب والتحرك والتنسيق واحتضان الرئيس الجديد حتى لا يضطر الى تكرار ما فعله موسى عبدى.

 أما قضية اللاجئين الفلسطينيين وبعد التصريحات المنسوبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب حول احتمال استقبال أرض الصومال لمهجرين من قطاع غزة، فقد أوضح رئيس أرض الصومال الجديد عبد الرحمن محمد عبد الله، بأن الولايات المتحدة تقدم دعمًا سياسيًا وعسكريًا لأرض الصومال، وأن بلاده ترغب في تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع واشنطن. ومع ذلك، أوضح بأن أرض الصومال لم تتشاور بعد مع الولايات المتحدة بشأن استقبال لاجئين فلسطينيين، لكنها تتوقع أن يتم التشاور حول هذا الأمر قبل اتخاذ أي قرار. وأضاف بأن بلاده تتعاطف مع الفلسطينيين وتدعم حقوقهم، مشددا على أهمية التشاور الدبلوماسي قبل اتخاذ أي موقف نهائي بشأن هذه القضية. مؤكدا على انتماء أرض الصومال للعالم العربي، مشيرًا إلى أن بلاده تمتلك علاقات دبلوماسية قوية مع عدة دول عربية، ولديها سفارات في بعض العواصم العربية. وأن أرض الصومال مستعدة للتشاور مع الدول العربية حول مختلف القضايا الإقليمية، بما في ذلك قضية اللاجئين الفلسطينيين، لضمان موقف مشترك يتماشى مع المصالح العربية. وعلى هذا لا يجب أن نترك أرض الصومال تغريه هذه التسريبات بإمكانية منح الاستقلال، دون أن نمد يد العون والتنسيق للقاء الشقيقين الصوماليين، رئيس الجمهورية الام مع الرئيس الجديد لإقليم أرض الصومال، أملا في تثبيت قواعد الوحدة والاتحاد بين الطرفين، ومساعدتهما في التنمية وإعادة الاعمار في كلا البلدين. 

الكاتب / د. أحمد عبد الدايم، أستاذ التاريخ السياسي والعلاقات الدولية بجامعة القاهرة

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.