إنذار بحرب عالمية بعد الرد الروسي على «شبكة العنكبوت» الأوكرانية.. السلاح النووي يدق أجراسه
كتب : محمود أحمد
تشهد الحرب الروسية الأوكرانية تصاعدا غير مسبوق في الفترة الحالية، فبعدما كان الجميع يدعو للتهدئة ووقف إطلاق النار، وبدأ كلا الجانبان بالجلوس وجها لوجه على مائدة التفاوض، تغيرت كافة التوقعات، وانقلبت الطاولة الفكرية لجميع الدول العالمية، التي تنتظر السلام وتدعو له باستمرار، حيث نفذت أوكرانيا «عملية شبكة العنكبوت» التي كانت ضربة قاتلة لروسيا والتي كبدتها خسائر فادحة، ولكن عند النظر بعدسة أوسع إلى مجال الحرب وأبعادها، ستتأكد أن ذلك ليس إلا تصعيدا جديدا للمشكلة، ومفجرا لها، لن يعيد التفاوض إلى نقطة الصفر فقط، وإنما ستنعكس أرقام التقدم وتتجه لما تحت الصفر بمراحل، فحتى وإن تمت المرحلة الأولى من عملية تبادل الأسرى، فالجميع متأكد أن موسكو لن تتخلى عن حقها ولن تغض الطرف عن إرجاع هيبتها كقوة عالمية وضاربة في شرق العالم، ولذلك تكمن التساؤلات المستقبلية في: هل ستستخدم روسيا السلاح النووي ضمن ردودها على «شبكة العنكبوت»؟، هل ذلك إنذار بحرب عالمية على الأبواب لا سيما بعد الدعم البريطاني لأوكرانيا؟ هل غير ذلك أسلوب الحرب والأسلحة المستخدمة؟
بعد «شبكة العنكبوت» كان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يأمل ألا تتوقف المفاوضات الروسية الأوكرانية بشأن تسوية النزاع، ليحذر من جديد بأن عجلة المفاوضات إذا توقفت سترتفع احتمالات اندلاع حرب نووية.
وأجرى ترامب بعدها مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، استمرت لمدة ساعة و15 دقيقة، طلب ترامب فيها من بوتين الهدوء وعدم الرد على أوكرانيا مع أنه يعلم أنه لن يتوقف ولن يهدأ، كان رد بوتين أن روسيا لن تتوقف ولن تهدأ إلا عندما ينتهي ردها القوي.
عندما بدأ الرد الروسي، خرج الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، ليصرح لقناة «إيه بي سي» الأميركية، ويقول أن بوتين يريد الهزيمة الكاملة لأوكرانيا ولا يريد وقف إطلاق النار.
وأوضح زيلينسكي أن الضغط القوي من الولايات المتحدة وأوروبا فقط هو من يمكن أن يجبر بوتين على التراجع، مضيفا: «حينها سيتوقفون عن الحرب».
للإجابة على التساؤلات، تواصلت «نافذة الشرق» مع اللواء الدكتور رضا فرحات، أستاذ العلوم السياسية، الذي أكد أن تطورات الأحداث في الحرب الروسية الأوكرانية تمثل تصعيدا غير مسبوق، يحمل في طياته إنذارا جديا بإمكانية انزلاق العالم إلى مواجهة نووية أو حتى حرب عالمية ثالثة إذا لم تتم السيطرة على إيقاع المواجهة وضبط أدوات الصراع، لا سيما بعد إعلان أوكرانيا تنفيذ ما سمي بـ«عملية شبكة العنكبوت»، والرد الروسي القاصم على هذه العملية في 7 يونيو، والذي تشير التوقعات إلى أنه لم ينتهي بعد.
تجاوز الخطوط الحمراء
وعن عملية شبكة العنكبوت، أوضح «فرحات» أن هذه العملية – التي تشير التقارير إلى أنها جمعت بين هجمات سيبرانية دقيقة على منظومات القيادة والتحكم الروسية، بالتوازي مع عمليات نوعية داخل العمق الروسي – تعد نقلة نوعية في طبيعة الصراع وإذا ثبت أن هناك دعما غريبا مباشرا في هذه العملية، سواء استخباراتيا أو تقنيا، فإن هذا يعني أن الخطوط الحمراء التي وضعتها موسكو قد تم تجاوزها، مما يدفع روسيا إلى تفعيل ما يسمى بعقيدتها النووية الردعية، خاصة في ظل تصريحات الكرملين الأخيرة التي أكدت أن أمن الدولة الروسية أصبح في خطر وجودي.
هل سترد روسيا بالسلاح النووي؟
وأضاف «فرحات» أن السيناريو المتداول بشأن استخدام روسيا للسلاح النووي التكتيكي لا يزال مستبعدا من الناحية الاستراتيجية، لكنه لم يعد مستحيلا فكلما شعرت موسكو بأنها تحاصر عسكريا وسياسيا، وأن الداخل الروسي بات مكشوفا أمام هجمات خارجية، زادت احتمالية لجوئها إلى خيارات أكثر تطرفا وهو ما يفسر بعض التحركات العسكرية الأخيرة، مثل نشر أنظمة «إسكندر» النووية وتحريك الغواصات النووية ضمن ما وصفته القيادة الروسية بأنه استعداد للردع غير التقليدي.
والعقيدة النووية الروسية تقول أن هناك 4 حالات فقط ستكون هي الدافعة لاستخدام السلاح النووي الروسي، الحالة الأولى تقول أن روسيا إذا تلقت معلومات مؤكدة وموثوقة تفيد بانطلاق صواريخ باليستية اتجاه روسيا أو أي من حلفائها، أما الثانية فتقول أنه في حالة تعرض روسيا أو أي من حلفائها لهجوم بأسلحة الدمار الشامل فالرد وقتها لن يكون إلا بالسلاح النووي.
والحالة الثالثة هي تعرض الدولة الروسية للهجوم بأسلحة تقليدية لكنها تشكل تهديدا لوجودها، أما الحالة الرابعة فتقول أنه إذا كانت هناك معلومات تفيد باستهداف مواقع حكومية أوعسكرية حيوية، والحالة الأخيرة تؤكد أن الرد الروسي القوي والذي يتوقع أنه لم ينتهي بعد لا زال مستمرا ولا يمكن التوقع بدقة هل يستخدم السلاح النووي أم لا؟
تغير شامل في أسلوب الحرب
وأشار «فرحات» إلى أن التحول الأكبر في هذه الحرب، بعد عملية «شبكة العنكبوت»، لا يتعلق فقط بالجانب العسكري، و إنما بامتداد المعركة إلى الفضاء السيبراني والمعلوماتي، وهو ما يجعل الحروب الحديثة بلا حدود واضحة وأخطر ما في هذا التطور هو أنه يضع الاستقرار العالمي تحت رحمة أخطاء حسابية، أو تقديرات خاطئة من طرف ما، قد تؤدي إلى كارثة يصعب احتواؤها.
وشدد أستاذ العلوم السياسية على أن المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة والقوى الكبرى، عليه أن يتحرك بشكل عاجل لإعادة فتح قنوات الاتصال بين موسكو وواشنطن، وفرض تهدئة سياسية عاجلة، قبل أن تتجاوز الأمور قدرة الأطراف على السيطرة والهجمات النوعية التي تستهدف بنية الدولة – خصوصا دولة نووية بحجم روسيا – قد تفتح الباب أمام ردود فعل غير محسوبة.
إلى أين يتجه العالم؟
وأكد «فرحات» أن العالم الآن أمام لحظة فارقة، والرهان يجب أن يكون على الحكمة والردع المتبادل، لا على التصعيد فالتحولات الأخيرة تؤكد أن استمرار الحرب بهذا النمط سيؤدي إلى تآكل أدوات الردع التقليدية، ومن ثم فإن خطر استخدام السلاح النووي، وإن كان محدودا، سيصبح واردا إذا غابت لغة العقل وتغلب منطق الانتقام.
هل الحرب العالمية على الأبواب؟
وفي النهاية أكد «فرحات» أن الخوف من اندلاع حرب عالمية لازالت تتصاعد احتمالاته في الوقت الحالي، لا سيما بعد قرار بريطانيا ببناء 12 غواصة نووية و6 مصانع أسلحة، والذي يظهر أنها ربما تريد أن تكون على أهبة الاستعداد لحرب شرسة في القوت القريب.
وفي مسألة الدعم الأوروبي خصوصا «لندن» التي تعتبرها روسيا رأس الحربة المزعج، يرجع المراقبون إلى أن دعمها القوي لأوكرانيا يؤكد أن لها يد في عملية شبكة العنكبوت، وأنها لم تعد مجرد داعم سياسي.
إلى متى سيستمر الرد الروسي؟
بعد عملية شبكة العنكبوت أكد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن أوكرانيا منحت الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الدافع والذريعة لمواصلة القصف المكثف ضدها.
لم يتفاجأ المراقبون بالرد الروسي على عملية «شبكة العنكبوت» الأوكرانية، الذي جاء تحديدا في يوم 7 يونيو 2025، وعلى إثره تم إلحاق خسائر فادحة بالقوات الأوكرانية، فوفقا لـ «المتحدث باسم مجموعة قوات «المركز» الروسية ألكسندر سافتشوك » تكبدت القوات الأوكرانية أكثر من 455 قتيلا بمنطقة مسؤولية المجموعة خلال 24 ساعة، بالإضافة إلى تدمير 82 مسيرة أوكرانية، ولكن الغريب هو تفاجئ «كييف» بهجوم الجيش الروسي الذي وصفته بـ «أعنف هجوم ليلي» و«أقوى هجوم منذ بداية الحرب الشاملة» بالصواريخ والطائرات المسيرة على «خاركيف».
في منطقتي كوبتيفو وديميتروف ومناطق أخرى، خسرت أوكرانيا 8 مدرعات و7 مركبات و3 مدافع، وسقط عدد من التشكيلات المسلحة التابعة لها والتي تتكون من لواء من الحرس الوطني الأوكراني، ولواءين هجوميين محمولين جوا، 3 مشاة آلية ووحدات حراسة، ولواءين من مشاة البحرية.
وفي المقابل كانت أوكرانيا تهاجم أيضا بقواتها ولكن اتضح أن عمليتها الهجومية فشلت، حيث أعلن رئيس بلدية موسكو، سيرجي سوبيانين، تدمير 6 طائرات مسيرة كانت متجهة نحو العاصمة.
كما ألحقت القوات الروسية الهزائم بالجيش الأوكراني في مناطق كوبتيفو، وديميتروف، وكراسنوارميسك، وسيرغييفكا، وأوداتشني، وأليكسييفكا.
ويرى المراقبون أن الرد الروسي على شبكة العنكبوت لم ينتهي إلى الآن، وأن الوصول إلى نتيجة جيدة ووضع أساس قوي في ملف المفاوضات لن يتحقق الآن، فوفقا لرويترز، يرى عدد من المسؤولين الأمريكيين أن التهديد الذي وجهه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالانتقام من أوكرانيا ردا على «شبكة العنكبوت» لم يكتمل بعد.
وحتى الآن لازالت القوات الروسية تتقدم في عمق دفاعات الجيش الأوكراني، حيث ذكرت وزارة الدفاع الروسية في بيانها، أن وحدات من قوات مجموعة «الشمال» الروسية أنها أوقعت عدد كبيرا من العساكر الأوكرانيين، ودمرت عددا من المركبات المدرعة القتالية، وعدد من المدافع الميدانية، ومستودع ذخيرة في مناطق عدة من مقاطعة سومي.
وأضاف البيان: «تمكنت وحدات من مجموعة قوات الغرب، من السيطرة على خطوط ومواقع أكثر تفوقا، ألحقت بالقوات الأوكرانية خسائر بشرية ومادية، في مناطق عدة من جمهورية دونيتسك الشعبية وفي مقاطعة خاركوف، وخسرت القوات الأوكرانية أكثر من 220 عسكريا، ومركبات مدرعة قتالية، وعدد من المدافع الميدانية، وتم تدمير محطة حرب إلكترونية من طراز أوكتافا-إس، و3 مستودعات ذخيرة».
تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا
في يوم الاثنين الموافق 9 يونيو 2025، تمت أول عملية تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا شملت الشبان الذي تقل أعمارهم عن 25 عاما، لتؤكد وكالة «ريا نوفوستي» بعدها بدقائق قليلة أنه في إطار اتفاقيات إسطنبول، عادت أول مجموعة من أسرى الحرب الروس من الأراضي التي تقع تحت سيطرة كييف.
في المقابل تم نقل عدد مماثل من أسرى الحرب من القوات المسلحة الأوكرانية.
من جانبه، أكد زيلينسكي أن عملية تبادل الأسرى مع روسيا ستتواصل على مراحل في الأيام المقبلة.
وفي يوم الثلاثاء، تمت تم تنفيذ عملية ثانية لتبادل الأسرى ضمت أكثر من ألف أسير حرب، حيث ذكرت وزارة الدفاع الروسية في بيانها: «بموجب الاتفاقات الروسية-الأوكرانية التي حصلت في الثاني من يونيو في إسطنبول، عادت المجموعة الثانية من الجنود الروس، وفي المقابل سُلمت مجموعة من أسرى الحرب الأوكرانيين».
كيف أثارت شبكة العنكبوت القلق لدى بتركيا؟
مع أن عملية شبكة العنكبوت ربما تكون ظلاما دامسا على أوكرانيا إلا أنها لفتت نظر الكثير من الدول خصوصا تركيا، التي بدأت في التفكير مليا في التأكد من قوة أسطول الطائرات المسيرة لديها على الرد على أسراب الطائرات الصغيرة منخفضة التكلفة، خصوصا أن تركيا في الوقت حاليا تعد من أبرز موردي الطائرات المسيرة في العالم.
والطائرات التي تصدرها تركيا التي هي من طرازات Bayraktar TB2 وAkinci، مصممة للوصول إلى الأهداف بعيدة المدى، ولكن ليس لديها القدرة على التعامل مع الهجمات المباغتة والخفيفة من الطائرات الصغيرة كالتي استخدمتها أوكرانيا.
لدى الطائرات الصغيرة كـ Kargu وSongar القدرة على تنفيذ ضربات انتحارية أو إطلاق نيران خفيفة، ويرى المراقبون أن القلق الحقيقي بالنسبة لـ تركيا هو الخبرة التي اكتسبها حزب العمال الكردستاني في هذا النمط من القتال.
جدير بالذكر أن عملية شبكة العنكبوت التي نُفذت باستخدام 117 طائرة مسيّرة من نوع FPV، والتي تم تهريبها داخل شاحنات مزودة بأسقف قابلة للسحب، وأُطلقت من داخل الأراضي الروسية نتج عنها ضرر اقتصادي يقدر بحوالي 7 مليارات دولار، وضربة قوية للعسكرية الجوية الروسية.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.