اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل.. هدنة مرحلية أم بداية مسار سلام؟

3

كتبت: هدير البحيري

رغم أن سوريا وإسرائيل ما زالتا رسميًا في حالة حرب منذ عام 1948، إلا أن التحركات الدبلوماسية الأخيرة تكشف عن احتمال الدخول في مرحلة جديدة من التفاهمات الأمنية بين الجانبين. فالمفاوضات الجارية، برعاية أمريكية، تحمل في طياتها تساؤلات كبرى: هل تمثل هذه الخطوة بداية مسار نحو اتفاق سلام دائم يطوي صفحة الصراع، أم أنها مجرد هدنة مرحلية لخفض التصعيد وإعادة ترتيب موازين القوى في المنطقة؟

أبرز ملامح اتفاق التسوية

وفي هذا السياق، كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان عن أبرز ملامح اتفاق تسوية أمنية يجري التفاوض حولها بين سوريا وإسرائيل، في خطوة وُصفت بأنها غير مسبوقة منذ إعلان حالة الحرب بين البلدين عام 1948.
وتشمل التفاهمات المرتقبة نزع السلاح من منطقة الجولان السوري ومحيطها حتى السويداء، وحظر نشر الأسلحة الاستراتيجية بما في ذلك الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي، إضافة إلى فتح ممر إنساني للطائفة الدرزية في السويداء لأسباب إنسانية وطائفية.
وتُلزم بنود الاتفاق دمشق بعدة خطوات أساسية لضمان الامتثال للتفاهمات، أبرزها: منع أي تهديدات محتملة لإسرائيل عبر تجريد الجولان ومحيطه من السلاح، والامتناع عن إعادة بناء الجيش السوري بالاعتماد على تركيا، إلى جانب تأمين حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي ومنظومات الدفاع الجوي المتقدمة.
وفي المقابل، تحصل دمشق على مساعدات مالية ضخمة لإعادة الإعمار من الولايات المتحدة ودول إقليمية، في خطوة تهدف أيضًا إلى تعزيز استقرار الحكومة السورية.

سوريا وإسرائيل.. جولات سرية تتحول إلى اعتراف علني

كما نقل موقع “أكسيوس” عن المبعوث الأمريكي إلى سوريا توم براك قوله إن “إسرائيل وسوريا تجريان مناقشات بنية صادقة”، لكنه شدد على أن الطرفين “ما زالا بعيدين عن التوصل إلى صياغة نهائية”.
وأضاف: “الحوار البناء بين الجانبين يشكل مدخلًا لفهم طويل الأمد سيكون بمثابة تمهيد للاستقرار والازدهار في المنطقة”.
ومن جانبه، أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع أن الوفدين السوري والإسرائيلي يحققان “تقدمًا” في المباحثات الجارية، مشددًا على أن دمشق “لن تتردد في قبول أي اتفاق يخدم المصلحة الوطنية”.
وأوضح الشرع أن جوهر أي تفاهم مستقبلي يقوم على العودة إلى خط الفصل بين القوات السورية والإسرائيلية في مرتفعات الجولان المحتلة، وفق ما تم تحديده في اتفاق عام 1974.
كما شدد على أهمية “التكامل الاقتصادي بين دول الشرق الأوسط”، معتبرًا أن أي اتفاق يحقق مصالح سوريا والمنطقة “لن يكون محل تردد من جانب دمشق”.

وكانت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) قد أقرت لأول مرة هذا الشهر بوجود مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، مشيرة إلى لقاء جمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مع وزير التخطيط الاستراتيجي الإسرائيلي رون ديرمر في باريس، بوساطة أمريكية.

وأوضحت الوكالة أن اللقاء ناقش ملفات تتعلق بـ”خفض التصعيد في الجنوب السوري، وعدم التدخل بالشأن الداخلي، وتعزيز الاستقرار في المنطقة”، بالإضافة إلى إعادة تفعيل اتفاق فض الاشتباك الموقع عام 1974 بين الطرفين.

من جانبها، ذكرت القناة الإسرائيلية “12” أن المفاوضات باتت في مرحلة متقدمة، مؤكدة أن توقيع اتفاق تسوية أمنية بين دمشق وتل أبيب يقترب أكثر من أي وقت مضى، رغم أن هذا السيناريو كان يُعتبر حتى وقت قريب “خياليًا”.

وفي الأيام الأخيرة، تداولت تقارير إعلامية احتمال توقيع اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل في سبتمبر المقبل، مشيرةً إلى أن الرئيس السوري أحمد الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد يلتقيان في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بوساطة أمريكية. ومع ذلك، نفى مدير إدارة الشؤون الأمريكية في وزارة الخارجية السورية، قتيبة إدلبي، صحة هذه الأنباء، مؤكدًا عدم وجود أي ترتيبات لعقد لقاء بين الشرع ونتنياهو.

وأشار الإعلام الإسرائيلي إلى أن الجانب الإسرائيلي سعى لفتح معبر يربط إسرائيل بالسويداء، وهو ما رفضته سوريا، مؤكدة أن السويداء جزء لا يتجزأ من أراضيها، وأن المواطنين الدروز يشكلون جزءًا أصيلًا من النسيج الوطني، موضحين أن اللقاء جاء في إطار الجهود الرامية لاحتواء التوتر في الجنوب السوري.
وبحسب تقارير محلية، يسيطر الجيش الإسرائيلي منذ سبعة أشهر على جبل الشيخ وشريط أمني بعمق يصل إلى 15 كيلومترًا في بعض مناطق جنوب سوريا، حيث يفرض نفوذه على نحو 40 ألف سوري داخل المنطقة العازلة.
وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل تحتل منذ عام 1967 معظم مساحة هضبة الجولان، وقد وسعت رقعة سيطرتها عقب الإطاحة بالنظام السوري السابق أواخر عام 2024.

خطوة نحو سلام دائم أم هدنة مؤقتة؟

قال الباحث في الشؤون السياسية والدولية، محمد بكر البدور في حديث خاص لـ”نافذة الشرق”* إن الحديث عن توقيع اتفاق سلام شامل بين سوريا وإسرائيل ما زال سابقًا لأوانه، لأسباب عدة، أبرزها الوضع السياسي الانتقالي في سوريا.
وأوضح أن الإقدام على مثل هذه الخطوة يتطلب انتهاء المرحلة الانتقالية ووجود نظام سياسي مستقر يتمتع بالشرعية الكاملة ومؤسسات حكم ممثلة للشعب السوري قادرة على اتخاذ هذا الخيار.
وأضاف البدور أن ما يجري حاليًا يُعد مسعى لخفض التصعيد في الجنوب السوري، وإتاحة المجال أمام الحكومة السورية لبسط نفوذها على كامل الأاراضي السورية والانطلاق نحو إعادة الإعمار.

انعكاسات محتملة على الوضع العسكري في سوريا
حول تأثير الاتفاق المرتقب على الوضع العسكري داخل سوريا، خصوصًا في الجنوب والجولان، يرى البدور أن أي تفاهمات أو صيغة اتفاق، بما في ذلك العودة لاتفاق 1974، ستنعكس إيجابًا على الوضع الأمني والعسكري بشكل عام، وعلى الجنوب السوري بشكل خاص.
ومن المتوقع أن تنتهي الهجمات العسكرية الإسرائيلية على الأراضي السورية، ما يتيح الفرصة أمام قوات الأمن السورية لتوسيع انتشارها في محافظة السويداء، والانتشار مجددًا عند خطوط فض الاشتباك وفق الاتفاقات السابقة، إلى جانب تخفيض الوجود العسكري الإسرائيلي عند خطوط التماس وفي هضبة الجولان.

تأثير محتمل على العلاقات السورية الإيرانية

قال البدور إن العلاقات السورية الإيرانية وصلت منذ سقوط نظام الأسد إلى أسوأ حالاتها، بعد أن كانت في السابق تصل إلى حد التحالف الاستراتيجي.
وأوضح البدور أنه لا يوجد أي مؤشر على إمكانية تحسن هذه العلاقات في المدى المنظور، خاصة مع موقف إيران الرافض للحكم الجديد في سوريا واصطفافها طيلة العقد الماضي إلى جانب نظام الأسد، ودعمها له في مواجهة الثورة الشعبية، وزجها بعشرات الآلاف من منتسبي الميليشيات المسلحة لحماية النظام.
وأضاف البدور أن إيران فقدت جزءًا من نفوذها العسكري في سوريا، كما فقدت الامتيازات الاقتصادية التي كان يمنحها لها نظام الأسد مقابل مساهمتها في حمايته.
وبالتالي، فإن مثل هذه التفاهمات الأمنية بين سوريا وإسرائيل لن تؤثر كثيرًا على الوضع القائم بين دمشق وطهران.
ورأى البدور أن صانع القرار السوري لا يمكنه التخلي بشكل كامل عن الورقة الإيرانية، لأنها تمثل أداة مهمة لخلق توازن أمام الضغوط الأمريكية والإسرائيلية.
وأكد أن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تسعى لتطبيع العلاقات بين سوريا وإيران بأي نسبة، لذلك فإن أي تقارب بين دمشق وطهران يبقى ورقة قوية يمكن استخدامها للضغط في الاتجاه الآخر.

ردود الفعل المتوقعة من الحلفاء التقليديين

وبالنسبة لردود الفعل المحتملة من حلفاء دمشق التقليديين، مثل إيران وحزب الله وروسيا، أكد البدور أن هناك رفضًا متوقعًا من قبل إيران وحزب الله لمثل هذه الاتفاقات.
فقد حذر الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، السوريين من الانخراط في مسار التطبيع مع إسرائيل، معتبرًا أن تل أبيب العدو المشترك لسوريا ولبنان، وأن على دمشق استعادة موقعها في محور المقاومة بما يتوافق مع دورها التاريخي.
أما الجانب الروسي، فلا يتوقع البدور انزعاج موسكو من أي تفاهمات سورية إسرائيلية، مشيرًا إلى تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف التي ألمح فيها إلى إمكانية لعب دور الوساطة بين الطرفين بعد أن أعرب عن رفضه للهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية.

تأثير الاتفاق على الأمن والاستقرار الإقليمي

وختم البدور حديثه بالتأكيد على أن تحقيق الأمن والاستقرار في سوريا يمثل خطوة أساسية نحو استقرار المنطقة بأسرها.
وأضاف أن سوريا تسعى للتركيز على إعادة الإعمار، وتحقيق المصالحة الوطنية، وبناء مؤسسات الدولة، وضمان العدالة للمتضررين من الحرب، وإعادة المهجرين إلى ديارهم، والخروج من دوامة الحرب التي امتدت لأكثر من عقد ونصف.
وأشار البدور إلى أن الجانب الإسرائيلي لا يزال يشكل القلق الأكبر، من خلال الهجمات المتكررة على المواقع السورية ومحاولات النفخ في ملف التقسيم تحت ذرائع حماية الدروز، ما يستلزم العمل على إلزام إسرائيل بالالتزام بأي تفاهمات جديدة أو العودة إلى اتفاق عام 1974 لضمان الأمن والاستقرار في سوريا والمنطقة.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.