اتفاق سلام تاريخي بين رواندا والكونغو بعد ثلاثة عقود من الصراع
كتبت بسمة هاني
في تطور تاريخي بعد ثلاثة عقود من الصراع الدموي، وقّعت رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية اتفاق سلام يُعد منعطفًا حاسمًا في مسار الاستقرار الإقليمي.
ويأتي هذا الاتفاق وسط آمال واسعة بإنهاء واحدة من أعقد الأزمات الأمنية والإنسانية في إفريقيا.
قال الدكتور رامي زهدي، خبير الشؤون الإفريقية ومساعد رئيس حزب الوعي للشؤون الإفريقية، في تصريح خاص لموقع نافذة الشرق، إن توقيع رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية على اتفاق سلام تاريخي بعد نحو 30 عامًا من الصراع الدموي، يُمثل تحولًا مفصليًا في مستقبل منطقة البحيرات الكبرى، التي ظلت ساحة للتوترات والنزوح الإجباري والدمار الإنساني لعقود طويلة.
طبيعة الصراع: جذور عرقية وأطماع اقتصادية
وأوضح زهدي أن جذور الصراع تعود إلى عام 1994، في أعقاب الإبادة الجماعية في رواندا، حيث فرّ أكثر من مليوني رواندي إلى شرق الكونغو، من بينهم عناصر متهمة بارتكاب جرائم إبادة. وأضاف أن رواندا استخدمت هذه الهجرة ذريعة لشن عمليات عسكرية داخل الأراضي الكونغولية، بحجة ملاحقة متمردي الهوتو.
وأشار إلى أن جماعة “قوات تحرير رواندا” (FDLR)، التي تتكون من فلول الهوتو، اتخذت من شرق الكونغو معقلًا لها، وظلت تشكل تهديدًا مستمرًا لرواندا، التي بدورها طالما اتهمت الكونغو بتوفير حاضنة لهذه الجماعة.
في المقابل، نوه زهدي إلى أن ميليشيا “M23″، المكونة من متمردين من قومية التوتسي، كانت سببًا آخر للتصعيد، حيث تتهم الكونغو رواندا بدعم هذه الجماعة لوجستيًا وعسكريًا، وهو ما تنفيه كيغالي باستمرار.
وشدد على أن الصراع لا يقتصر فقط على الأبعاد الأمنية والعرقية، بل يمتد إلى بعد اقتصادي عميق، إذ أن إقليم شرق الكونغو غني بالموارد الطبيعية كالكولتان والذهب والماس، ما جعله مطمعًا للعديد من الأطراف الإقليمية والدولية التي يُتهم بعضها بالسعي إلى perpetuate الفوضى للاستفادة من غياب الدولة.
بنود الاتفاق: وقف القتال وإعادة الإعمار
وعن أبرز ما ورد في اتفاق السلام، أشار زهدي إلى أن التفاصيل الرسمية لم تُعلن بالكامل، لكن ما تم تسريبه من الدوائر الدبلوماسية الإفريقية يُفيد بأن الاتفاق يتضمن:
وقفًا دائمًا لإطلاق النار بين الجيش الكونغولي وميليشيا M23.
انسحاب جميع المقاتلين الأجانب، لا سيما المجموعات المسلحة الرواندية مثل FDLR وM23.
نزع سلاح الميليشيات، ودمج عدد من عناصرها في الجيش الوطني الكونغولي وفق ترتيبات أمنية واضحة.
ضمانات متبادلة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من الطرفين.
برنامج لإعادة الإعمار وتعويض المتضررين، مع تسهيلات لعودة اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم الأصلية.
تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة تنفيذ الاتفاق، تضم رواندا والكونغو والاتحاد الإفريقي.
التزام بتفعيل التعاون الاقتصادي والتنمية الحدودية المشتركة، كجزء من تعزيز الاستقرار المستدام.
جهود الوساطة: رعاية إفريقية ودعم دولي
وأكد زهدي أن الاتفاق جاء نتيجة مساعٍ دبلوماسية مكثفة، كان للاتحاد الإفريقي دور محوري فيها، لا سيما عبر مفوضية السلم والأمن. كما لعبت أنغولا دور الوسيط الرئيسي من خلال الرئيس جواو لورينسو، الذي قاد مفاوضات مباشرة بين الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي ونظيره الرواندي بول كاغامي.
وأضاف أن كينيا استضافت جولات حوار أمني غير معلنة، بينما قدمت الأمم المتحدة، عبر بعثتها “مونوسكو”، دعمًا فنيًا ولوجستيًا للمفاوضات. في المقابل، شجع كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الطرفين على التوصل إلى اتفاق عبر تقديم حوافز اقتصادية ودبلوماسية.
انعكاسات الاتفاق: مستقبل أكثر استقرارًا للمنطقة
وشدد خبير الشؤون الإفريقية على أن هذا الاتفاق يحمل دلالات عميقة لمستقبل منطقة البحيرات الكبرى، إذ يُعد خطوة مهمة نحو طي صفحة الدماء والنزوح، التي خلفت أكثر من 6 ملايين قتيل منذ التسعينيات، وقرابة 7 ملايين نازح ولاجئ.
وأضاف أن الاتفاق يُسهم في تقليص احتمالات اندلاع حرب إقليمية مفتوحة، ويُعزز من فرص التنمية والاستثمار، خاصة في المناطق الحدودية المهملة، التي يمكن أن تتحول من بؤر نزاع إلى محاور تنمية اقتصادية إقليمية.
واختتم زهدي حديثه بالتأكيد على أن الاتفاق يعزز مكانة الاتحاد الإفريقي كراعٍ لحلول إفريقية خالصة، ويدعم التوجه نحو “إفريقيا قادرة على حل مشاكلها بنفسها”، بعيدًا عن التدخلات الخارجية المباشرة..
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.