اتهامات لأردوغان بالفساد المالي ومطالبات بمحاكمته ماذا يجرى فى أنقرة؟
كتبت: هدير البحيري
عاد ملف خط أنابيب النفط العراقي إلى الواجهة بعد اتهامات المعارضة التركية للرئيس رجب طيب أردوغان بمخالفات مالية وغسيل أموال بمليارات الدولارات، ليصبح الصراع على إدارة صادرات النفط محور جدل سياسي وقانوني محتدم.
فقد اتهم نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة)، دينيز يافوز يلماز، أردوغان بارتكاب مخالفات مالية جسيمة بين 2014 و2018 تتعلق بنقل نفط إقليم كردستان العراق، عبر شركة ” Turkish Energy Company (TEC)” المسجلة في جزيرة جيرسي.
وجدير بالذكر أن جزيرة جيرسي تقع بين فرنسا وبريطانيا، وتُعرف بكونها ملاذًا ماليًا للأوفشور، أي الحسابات والشركات الخارجية التي تُستخدم للتهرب الضريبي أو لإخفاء الملكية الحقيقية للأموال.
وأوضح يافوز يلماز أن الحكومة التركية تلقت من حكومة الإقليم 2.32 مليار دولار رسوم نقل النفط، لكنها استلمت 904 ملايين فقط، فيما اختفى نحو 1.416 مليار دولار في حسابات مرتبطة بجزيرة جيرسي عبر شبكة مالية معقدة.
وأشار إلى أن الشركة لم تخضع لرقابة ديوان المحاسبة التركي، فيما اقتصرت تقارير 2021–2023 على متابعة أنشطة الشركة في أنقرة فقط، دون التطرق للأموال المثيرة للجدل.
وفي هذا السياق، وصف يافوز يلماز القضية بأنها “ملف يستدعي محاكمة الرئيس أردوغان أمام المحكمة العليا”، مطالبًا بتحمل الحكومة والأطراف المسؤولة الخسائر بدلًا من المواطن التركي.
تركيا تنهي اتفاق 1973 وسط خلافات قانونية وسياسية
في يوليو الماضي، أعلنت تركيا رسميًا انسحابها من اتفاقية خط أنابيب النفط العراقي الموقعة عام 1973 والمجددة عام 2010، على أن يسري القرار اعتبارًا من 27 يوليو 2026.
ونفت الرئاسة التركية كل الاتهامات الموجهة، مؤكدة أن التحكيم الدولي لا يزال مستمرًا ولم تُفرض أي عقوبات، وأن جميع الوثائق متاحة للعامة.
وأعلنت الرئاسة التركية، عبر بيان رسمي، رفضها لتصريحات نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري بشأن الاتفاق والتحكيم الدولي، ووصفتها بأنها لا تستند إلى أي أساس قانوني أو فني.
اتهامات المعارضة: اقتصاد متضرر أم دعاية انتخابية؟
قال الخبير في الشؤون التركية، والباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية شعبان عبدالفتاح، في حديث خاص لـ”نافذة الشرق” إن الاتهامات التي وجهتها المعارضة التركية للرئيس أردوغان في ملف خط النفط العراقي تحمل بُعدين متداخلين.
البعد الأول واقعي، يرتبط بخسارة أنقرة قضية التحكيم الدولي لصالح بغداد، وما ترتب عليها من إلزامها بدفع نحو 1.5 مليار دولار، إضافة إلى توقف خط كركوك–جيهان منذ مارس 2023 وما خلفه من خسائر اقتصادية، وهو ما يمنح المعارضة أرضية للتشكيك في كفاءة إدارة الحكومة للملف.
أما البعد الثاني فهو سياسي بالأساس، حيث تعمل المعارضة على استثمار هذه القضية لتأجيج الاستقطاب الداخلي وتقويض صورة الحكومة قبيل الاستحقاقات الانتخابية.
وأوضح عبدالفتاح أن الهدف الرئيس هو تحويل الملف إلى ورقة ضغط داخلي أكثر منه مسعى لإثبات مخالفات قانونية مثبتة حتى اللحظة.
ويرى عبدالفتاح أن انعكاس هذه الاتهامات سيظهر أساسًا في تصاعد الضغط الإعلامي والسياسي على الحكومة، بما يدفعها إلى تسريع خطواتها نحو بلورة اتفاق جديد مع العراق.
وأشار عبدالفتاح إلى أن هذه الاتهامات، رغم صداها الكبير داخل تركيا، لا تقوم على أدلة قانونية واضحة حتى الآن، بل تحمل طابعًا سياسيًا تستخدمه المعارضة للنيل من صورة الحكومة، مؤكدًا أن القضية في جوهرها تجمع بين حقائق واقعية يصعب تجاهلها، وبين استغلال سياسي تسعى المعارضة إلى تضخيمه في إطار صراعها الداخلي.
أنقرة وبغداد في مواجهة قانونية معقدة
رفعت الحكومة العراقية دعوى أمام محكمة التحكيم الدولية في باريس (ICC) ضد أنقرة، متهمة إياها بشراء النفط من إقليم كردستان دون موافقة بغداد بين عامي 2014 و2018، في خرق لاتفاقية خط كركوك–جيهان المبرمة عام 1973.
وأقرت المحكمة بأن تركيا حققت مكاسب غير مشروعة قاربت ملياري دولار (1.997 مليار)، وألزمتها بدفع نحو 1.471 مليار دولار صافي تعويض لصالح بغداد، بعد خصم 526 مليونًا لصالح أنقرة. ورغم ذلك، أعلنت تركيا استئناف القرار أمام محكمة في واشنطن، مؤكدة أن الملف لم يُحسم بعد.
الخلاف يستند إلى نصوص الدستور العراقي التي تعتبر النفط والغاز ملكًا لجميع أبناء الشعب، وتوجب إدارة الموارد بالتنسيق بين الحكومة الاتحادية والأقاليم. غير أن إقليم كردستان، وبعد تعرضه لعقوبات اقتصادية منذ 2010، اتجه لتصدير النفط بشكل منفرد عبر تركيا، وأبرم عقودًا مع شركات كبرى مثل إكسون موبيل وشيفرون وتوتال، إضافة إلى شركات تركية منها TPAO وجنيل إنرجي. وهو ما اعتبرته بغداد انتهاكًا مباشرًا لسيادتها، لتلجأ عام 2014 إلى التحكيم الدولي ضد تركيا.
بعد حكم باريس.. أنقرة تعيد الحسابات
شكل الحكم الصادر في 2023 محطة فارقة، إذ دفع أنقرة إلى إعادة النظر في اتفاقية 1973. فاقتصاديًا، كانت تركيا تتقاضى نحو 16 دولارًا على كل برميل من نفط الإقليم، مقابل أقل من دولارين على النفط العراقي الرسمي، ما منحها حافزًا للاستمرار في التعامل مع أربيل.
في المقابل، يعتمد العراق على النفط لتغطية أكثر من 90% من موازنته، ما جعله أكثر تمسكًا بسيادته على الصادرات.
في هذا السياق، جاء قرار أنقرة بإلغاء الاتفاقية القديمة كخطوة لإعادة صياغة علاقتها النفطية مع العراق وفق معطيات جديدة، ليس فقط لضمان مكاسب اقتصادية أكبر، بل أيضًا لامتلاك أوراق ضغط أوسع مرتبطة بملفات مثل المياه وأمن الطاقة ووجود حزب العمال الكردستاني شمال العراق.
خطوة تركيا نحو اتفاق جديد
بعد إعلانها إلغاء اتفاقية 1973، سارعت أنقرة إلى فتح قنوات تفاوض مع بغداد لصياغة اتفاق جديد يراعي مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية. فتركيا تنظر إلى خط كركوك–جيهان باعتباره عنصرًا محوريًا في مشروع “طريق التنمية”، الذي يهدف إلى تحويل العراق إلى ممر تجاري للطاقة يربط الخليج بأوروبا عبر أراضيها.
وفي هذا السياق، يشير الخبير في الشؤون التركية شعبان عبدالفتاح إلى أن أنقرة تطرح اتفاقًا موسعًا بديلًا للاتفاق القديم، فيما تراجع بغداد تفاصيله بدقة.
وأضاف عبدالفتاح أن ملامح الاتفاق المرتقب تقوم على الاعتراف بدور شركة “سومو” كجهة تسويق مركزية، ووضع آليات شفافة لقياس الكميات وتوزيع العوائد، إلى جانب تحديث رسوم النقل والصيانة، وإدراج بند تحكيمي لتسوية أي نزاع محتمل تجنبًا لتكرار أزمة 2023.
أما السيناريو الأكثر ترجيحًا، وفق تقديرات عبدالفتاح، فيتمثل في التزام تركيا بضمان التدفق والشفافية، مقابل التزام العراق بوحدة التسويق عبر “سومو” مع ضمان مستحقات الشركات العاملة في الشمال. هذا الترتيب قد يفتح الباب لاستئناف تدريجي للتصدير بنحو 400–500 ألف برميل يوميًا، مع إمكانية زيادتها لاحقًا بحسب متطلبات الصيانة والاستثمار.
في المقابل، استمرار التعطيل يعني خسائر مشتركة وضغطًا متزايدًا على أنقرة وأربيل وبغداد على حد سواء.
ويخلص عبدالفتاح إلى أن أي اتفاق جديد سيعتمد بالضرورة على موازنة دقيقة بين السياسة والقانون والاقتصاد لضمان استدامة تدفق النفط، وتفادي الأزمات التي كبّدت الطرفين خسائر باهظة في الماضي.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.