“اعتراف فرنسا بدولة فلسطين.. خطوة تاريخية بين الترحيب الفلسطيني والتحركات المصرية لإنجاح التسوية”
فتح لـ نافذة الشرق: اعتراف فرنسا بدولة فلسطين خطوة شجاعة تعزز فرص الحل السياسي العادل
عبد الرحمن السيد
يشهد مسار القضية الفلسطينية تحولاً نوعياً مع إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عزمه الاعتراف رسمياً بدولة فلسطين خلال أعمال الشق رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل. القرار الذي وصفه مراقبون بـ”التاريخي” يعكس التزام فرنسا بحل الدولتين كخيار استراتيجي لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. هذه الخطوة لاقت ترحيباً واسعاً من القيادة الفلسطينية، فيما تواصل مصر جهودها الدبلوماسية المكثفة لضمان نجاح المسار السياسي وإنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة.
خطوة تاريخية ودلالات الاعتراف الفرنسي
القرار الفرنسي يمثل تطوراً سياسياً وقانونياً كبيراً، خاصة أنه صادر عن دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، ويمتلك ثقلاً سياسياً واقتصادياً على الساحة الدولية. الرئيس ماكرون أكد في بيانه على منصة “إكس” أن “السلام ممكن”، محدداً ستة مسارات رئيسية لإنهاء النزاع: وقف إطلاق النار، الإفراج عن الرهائن، تقديم مساعدات إنسانية عاجلة، نزع سلاح حماس، إعادة إعمار غزة، وإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف بإسرائيل.
الاعتراف الفرنسي يتجاوز البعد الرمزي إلى بعد استراتيجي، إذ يطلق دينامية سياسية جديدة مع مؤتمر نيويورك المزمع عقده في 28 و29 يوليو، والذي تشارك مصر والمملكة المتحدة في رئاسته، بهدف إعادة إعمار غزة والضفة الغربية، وتثبيت أسس الحل السياسي.
الموقف الفلسطيني.. ترحيب وتأكيد على الحل السياسي
المتحدث باسم حركة فتح في تصريح خاص لـ”نافذة الشرق” وصف القرار بأنه “شجاع ومسؤول”، مؤكداً أنه يعكس التزام فرنسا بمبادئ العدالة والقانون الدولي. وأشار إلى أن الاعتراف ليس مجرد مكسب سياسي بل خطوة نحو تجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس، باعتبارها الحل الوحيد لتحقيق السلام.
كما أكد أن هذه الخطوة ستشجع دولاً أخرى على حذو المسار الفرنسي، مشيراً إلى أن القيادة الفلسطينية ستواصل التنسيق مع الأطراف الدولية لضمان تحويل الاعتراف إلى واقع عملي عبر ضغوط سياسية وقانونية على إسرائيل لوقف الاستيطان والعدوان.
التحركات المصرية.. دعم سياسي ومبادرات عملية
مصر، التي تقود وساطة مستمرة لوقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين في غزة، رحبت بمبادرة ماكرون. وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في اتصال هاتفي مع نظيره الفرنسي أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية “خطوة في إطار الجهود الفرنسية لتنفيذ حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق السلام”.
الاتصال تناول كذلك دعم مصر للمبادرة الفرنسية السعودية لتنظيم مؤتمر دولي رفيع المستوى في نيويورك حول التسوية السلمية، والمقرر عقده نهاية يوليو. هذه المبادرة تأتي ضمن مساعي القاهرة لإحياء عملية السلام بالتوازي مع الجهود الإنسانية لإدخال المساعدات إلى غزة، رغم العقبات التي تفرضها سلطات الاحتلال.
ماكرون من جانبه، ثمّن الجهود المصرية قائلاً: “شكرتُ الرئيس السيسي على مساهمة مصر في إنجاح المؤتمر، وأجدد له تقديري”.
التحديات أمام تطبيق الاعتراف
رغم الأهمية الرمزية والسياسية للقرار الفرنسي، إلا أن العقبات أمام تنفيذه عديدة، أبرزها:
الرفض الإسرائيلي الصريح لقيام الدولة الفلسطينية واستمرار سياسات التهجير والتوسع الاستيطاني.
الموقف الأمريكي المنحاز الذي قد يستخدم الفيتو في مجلس الأمن لتعطيل أي مسار قانوني يترتب على الاعتراف.
غياب آلية إلزامية لإجبار إسرائيل على الانصياع لقرارات الشرعية الدولية.
انقسام الساحة الفلسطينية وما يفرضه من تحديات أمام تشكيل حكومة موحدة قادرة على إدارة الدولة في حال تجسيدها.
المتحدث باسم فتح أشار إلى أن بعض الدول تعترف بفلسطين نظرياً دون ضغوط فعلية على الاحتلال، مؤكداً أن “الاعتراف ليس غاية في حد ذاته، بل خطوة نحو إنهاء الاحتلال”.
البعد الدولي.. بين التحالفات والتحركات المنتظرة
ماكرون أكد أنه يعمل منذ أشهر لإقناع دول أخرى بالانضمام للمبادرة الفرنسية، مشيراً إلى أن العمل سيتواصل في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر لإعطاء زخم أكبر للقضية الفلسطينية. من المتوقع أن يؤدي هذا الاعتراف إلى تعزيز موقف السعودية وفرنسا في تشكيل تحالف دولي يهدف إلى فرض تسوية سياسية شاملة.
لكن الموقف الأمريكي يبقى حجر العثرة الأساسي، إذ يرى مراقبون أن واشنطن لن تتخلى عن دعم إسرائيل في المدى القريب، وإن كانت قد تبدي بعض المرونة تحت ضغط الرأي العام الدولي.
مصر بين الاعتراف والميدان
بينما تتصاعد الأصوات الدولية المؤيدة للاعتراف بفلسطين، تواصل مصر دورها المحوري في الميدان السياسي والإنساني. من إدخال المساعدات إلى غزة، مروراً بالتوسط لوقف إطلاق النار، وصولاً للمشاركة في مؤتمر إعادة الإعمار، تؤكد القاهرة أن الحل السياسي لا ينفصل عن معالجة الكارثة الإنسانية التي تعصف بالقطاع.
هذا الموقف عززه الرئيس السيسي خلال اتصاله بماكرون، حيث شدد على أن “الحل العادل والشامل وفق قرارات الشرعية الدولية هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام الدائم”.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.