اعتراف متأخر أم حيلة انتخابية؟ ترامب يغازل 5 دول إفريقية بعد اجتماع مغلق مع قادتها
كتب / أحمد سمير
فى مشهد غير معتاد جلس الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” على طاولة الحوار مع قادة إفريقيا، متحدثًا بنبرة تودد أكثر من الهيمنة والتوجيه، في اجتماع مغلق جرى على هامش قمة دولية في “جينيف” ، وقد أثار حديثه العديد من علامات الاستفهام حول توقيت اللقاء ودوافعه، والسؤال المطروح: هل يُمثل هذا اللقاء تحولًا حقيقيًا في السياسة الأمريكية تجاه القارة السمراء؟
اعتراف نادر من ترامب: “أفريقيا كانت مهمشة”
خلال اللقاء، أقر ترامب بأن إفريقيا لم تكن أولوية في سياسات الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية، معترفًا أن “لهم كل الحق في الغضب”. وأكد أن الوقت قد حان “لتصحيح المسار”، في خطاب اتسم بقدر من الواقعية على غير العادة من ترامب.
مغازلة انتخابية أم مراجعة سياسية؟
رغم التناقضات التي حملتها خطابات ترامب السابقة، يرى البعض أن هذا التحول قد يكون محاولة لمغازلة الناخبين الأفارقة داخل أمريكا، خاصة في ولايات مهمة مثل جورجيا وميشيغان، ضمن مسعاه لإعادة تقديم نفسه بوجه أكثر انفتاحًا واتزانًا، بعد الانتقادات الواسعة التي طالته بخصوص سياساته الخارجية.
ضغوط داخلية: الجمهوريون لا يريدون خسارة إفريقيا
اللقاء لم يكن وليد اللحظة، بل جاء بعد ضغوط من أعضاء جمهوريين في الكونجرس، نصحوه بعدم تجاهل القارة الإفريقية بالكامل، محذرين من فراغ يمكن أن تملأه قوى منافسة.
بين خطاب 2018 والعهد الجديد: تناقض صارخ
يُذكر كثيرون بخطاب ترامب عام 2018، حين وصف بعض الدول الإفريقية بـ”الحثالة” – بحسب ما نقلته صحيفة “واشنطن بوست” – مما أثار غضبًا دوليًا، طوال ولايته الأولى، لم يزر إفريقيا ولو لمرة واحدة، وقلّص المساعدات وأوقف عدة برامج إنمائية تحت شعار “أمريكا أولًا”.
الصين… الفيل الموجود في الغرفة
يبدو أن ترامب أدرك مؤخرًا أن استعادة النفوذ الأمريكي داخل القارة لا يمكن أن يتم بالشعارات، بل بمنافسة الصين الفعلية، والتي ضخت مئات المليارات في مشاريع البنية التحتية والاتصالات والموانئ داخل أكثر من 40 دولة إفريقية
في المقابل، تراجع الاستثمار الأمريكي إلى نحو 32 مليار دولار فقط في 2024، مقابل صادرات صينية إلى إفريقيا بلغت 134 مليار دولار.
مقترحات ترامب: صندوق استثماري ودعم تقني
كجزء من مقاربته الجديدة، اقترح ترامب تأسيس صندوق استثماري لتسهيل التجارة، وقدم عروضا لدعم لوجستي وتقني في مجالات متعددة، منها الأمن السيبراني والطاقة النظيفة.
لماذا اختار ترامب خمس دول صغيرة فقط؟
دعوة ترامب لخمس دول إفريقية فقط – موريتانيا، الغابون، ليبيريا، السنغال، غينيا بيساو – أثارت تساؤلات ، لماذا تم تجاهل قوى إقليمية كبرى مثل جنوب إفريقيا، نيجيريا، مصر، أو إثيوبيا؟
يرى البعض أن ترامب فضل التعامل مع دول “صغيرة” اقتصاديًا وسكانيًا لتجنب التعقيدات السياسية، أو لفرض شكل الشراكة من أعلى دون مفاوضات صعبة مع قادة كبار قد يطرحون شروطًا وطلبات.
النفط والهجرة غير الشرعية: دوافع غير مُعلنة
الاهتمام الأمريكي بإفريقيا قد يرتبط أيضًا باكتشافات نفطية واعدة بغرب القارة (مثل نيجيريا والكاميرون)، وكذلك ملف الهجرة غير الشرعية، حيث تعتبر إفريقيا مصدرًا رئيسيًا للهجرة إلى الغرب، وهو ملف حساس في خطاب ترامب.
الصين أقرب.. وأقل تطفلا
تستفيد الصين من سياسة “عدم التدخل” في الشؤون الداخلية، بعكس أمريكا التي تربط دعمها بشروط سياسية، ما يجعل بكين أكثر قبولًا في عيون الأفارقة، خصوصًا في ظل تراجع الثقة في النوايا الغربية.
كيف تكسب واشنطن ثقة إفريقيا؟
لتحقيق شراكة حقيقية مع القارة، تحتاج أمريكا إلى تفعيل الاتفاقيات التجارية مثل مبادرة AGOA، وضخ استثمارات تنموية لا تقتصر على الأمن والدفاع، بالإضافة إلى تقديم منح تعليمية، وتسهيلات في مجالات التكنولوجيا والتغير المناخي دون ابتزاز سياسي.
تحليل: صراع داخلي في شخصية ترامب
في تصريح خاص لموقع “نافذة الشرق”، قال الدكتور سعد الزنط، مدير مركز الدراسات الإستراتيجية وأخلاقيات الاتصال، إن ترامب يعيش صراعًا ذاتيًا بين رغبته في استعادة إفريقيا كامتداد للنفوذ الأمريكي، ومشاركته – دون تصريح – في تقاسم ثرواتها مع القوى الاستعمارية القديمة.
وأضاف الزنط أن ترامب – ذو الأصول الألمانية – قد يستحضر شعورًا بالتفوق العرقي، انعكس في طريقة تعامله غير اللبقة مع القادة الأفارقة، مما قد يؤثر سلبًا على أي استراتيجية انفتاح حقيقية على القارة.
القارة السمراء أكثر وعيًا
رغم محاولات ترامب لتغيير صورته، فإن القارة الإفريقية لم تعد تلك القارة “القابلة للإملاءات” لقاء ترامب مع قادة إفريقيا قد يحمل رسالتين: ترميم للعلاقات، وحيلة انتخابية، لكن في النهاية، أصبحت إفريقيا أكثر وعيا بمصالحها، وتعرف جيدًا كيف تختار شركاءها، لا على أساس الأقوال، بل الأفعال.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.