الأمم المتحدة تحذّر من اجتياح الكوكايين للعالم.. وخبيرة نفسية: تهديد للأمن القومي وتدمير للصحة والمجتمع

5

كتب: عبدالله عمارة
كشف تقرير حديث صادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أن تجارة الكوكايين تواصل تسجيل أرقام قياسية، لتصبح السوق الأسرع نموًا في عالم المخدرات غير المشروعة، مع ارتفاع الإنتاج في كولومبيا وزيادة أعداد المتعاطين في أوروبا والأمريكتين، ليصل العدد الإجمالي إلى نحو 25 مليون شخص حول العالم.
وبحسب التقرير، فإن الإنتاج غير المشروع من الكوكايين ارتفع بنسبة الثلث ليصل إلى أكثر من 3708 أطنان خلال عام 2023، وهو رقم غير مسبوق. كما ارتفعت كميات المضبوطات، وواصل الاستهلاك النمو في مناطق مختلفة، أبرزها أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية والجنوبية.
وفي هذا السياق، قالت الدكتورة إيمان عبدالله، استشاري علم النفس والعلاج الأسري، في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، إن انتشار الكوكايين بات من أخطر التهديدات التي تواجه المجتمعات الحديثة، مشددة على أن الأمر لم يعد مجرد قضية تعاطٍ فردية، بل أصبح خطرًا يهدد الأمن القومي للدول، ويقوّض استقرارها الصحي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي.
وأوضحت: “الكوكايين يُستخرج من أوراق نبات الكوكا، ويُزرع هذا النبات في أجزاء من أمريكا الجنوبية، خاصة كولومبيا، حيث يتيح المناخ هناك إنتاج هذه المادة بكثافة. ويتم تحويل أوراق الكوكا إلى الكوكايين من خلال مراحل تصنيع معقدة. وتُسهّل بعض العصابات الدولية تهريب هذه المادة إلى أنحاء مختلفة من العالم، مستخدمة في ذلك الموانئ التي قد لا تخضع لتفتيش صارم كما في المطارات”.
وأضافت: “عصابات تجارة الكوكايين تُطوّر باستمرار وسائلها، وتبتكر طرقًا جديدة لتهريب هذه المادة، حتى أصبحت منتشرة بشكل واسع، خاصة في بعض الدول الأوروبية. بل إن هناك من يسافر خصيصًا لجلب هذه المواد، ويتم القبض عليه لاحقًا، في قصص تتكرر بشكل لافت”.
وشدّدت على أن الكوكايين من أكثر المواد المخدرة إدمانًا وتأثيرًا على الجهاز العصبي، قائلة: “المدمنون عليه يصبحون أسرى لهذه المادة، وتتحول إلى جزء من روتين حياتهم اليومي، ما يؤدي إلى تدمير شامل لصحتهم النفسية والجسدية، ويدفعهم في كثير من الأحيان إلى العزلة، العدوانية، أو حتى الانتحار”.
وأوضحت عبدالله أن التأثير النفسي للكوكايين خطير للغاية، مضيفة: “يرتبط الكوكايين بالاكتئاب، اضطرابات النوم، نوبات الهوس، القلق الشديد، وجنون العظمة. وعند انتهاء مفعوله، يدخل المدمن في حالة انحدار نفسي شديد تجعله عدوانيًا، أو يميل إلى إيذاء نفسه والآخرين”.
كما أشارت إلى ما يُعرف في الطب النفسي بـ”اضطرابات التعاطي”، قائلة: “هي اضطرابات نفسية تشبه القلق أو الاكتئاب أو الهوس، لكنها تظهر نتيجة لتعاطي المخدرات لفترة طويلة. وهناك فرق بين مريض يعاني من اضطرابات نفسية بسبب الضغوط أو الوراثة، وبين من يصاب بها نتيجة الإدمان، وهذا الأخير يحتاج إلى علاج خاص وتأهيل نفسي مكثف”.
وعن العلامات التي تظهر على مدمن الكوكايين، قالت: “هناك دلائل جسدية واضحة، منها رعشة اليدين، التعرق الغزير، توسع حدقة العين بطريقة غير طبيعية، نزيف متكرر من الأنف، وفقدان سريع في الوزن. كما يعاني من سلوك عدواني، فرط في النشاط، سرعة في الكلام، قرارات متهورة، وثقة مفرطة تصل إلى حد الغرور، دون وعي حقيقي بالعواقب”.
وأكدت أيضًا أن من أبرز العلامات النفسية: “نوبات قلق وخوف حادة، هلاوس سمعية وبصرية، تقلبات مزاجية حادة، وسلوكيات اندفاعية قد تصل إلى القتل أو الانتحار. وفي كثير من الحالات تبدأ السرقات داخل الأسرة، حيث يلجأ المدمن إلى سرقة أقرب الناس منه لشراء الجرعة”.
وأضافت: “الكوكايين ليس حكرًا على أوروبا وأمريكا. لقد بدأ يظهر في بعض دول الشرق الأوسط، منها القاهرة ودبي وبيروت، لكنه لا يزال أقل انتشارًا مقارنةً بالحشيش أو الترامادول أو الهيروين، وذلك بسبب سعره المرتفع، ما يجعله مقتصرًا على الفئات الغنية نسبيًا”.
وشددت على أن الأجهزة الأمنية في مصر وبعض الدول تتعامل بحزم مع تجارة هذه المواد، لكن التحديات كبيرة، مؤكدة: “العصابات منظمة وقوية، ويجب تشديد الرقابة الجوية والبحرية، واستخدام الكلاب البوليسية، وتكثيف حملات التوعية على وسائل التواصل الاجتماعي، فالخطر لا يهدد الفرد فقط، بل المجتمع بأسره”.
وأكدت الدكتورة إيمان أن الإدمان قضية أمن قومي، قائلة: “المدمن ليس منتجًا. بل يصبح عبئًا على المجتمع، ويستهلك موارد الدولة في السجون أو المصحات. وإذا تُرك الأمر بلا رقابة، سنفقد آلاف الشباب الذين يُفترض أن يكونوا عماد الدولة، وسينتشر الجريمة والسرقة والاغتصاب والتفكك الأسري”.
وأضافت محذرة: “الكوكايين يمكن استخدامه كسلاح ناعم لتدمير المجتمعات، إذ تزداد معه الرشوة، الفساد، وحتى الإرهاب، لا سيما في المناطق التي تعاني ضعف الرقابة أو هشاشة اقتصادية”.
وأشارت إلى أن بعض هذه المواد تُروّج عبر الإنترنت بوسائل حديثة، قائلة: “اليوم لم تعد المسألة تسليم واستلام يدوي فقط، بل توجد شبكات ترويج إلكترونية تطلب المخدرات كأنها طلبات عبر الإنترنت، وتصل بطريقة منظمة جدًا تشبه خدمات التوصيل التجارية”.
واختتمت الدكتورة إيمان تصريحاتها قائلة: “الكوكايين ليس مجرد مادة مخدرة، بل جريمة بحق الإنسانية، فهو يدمّر الإنسان، ويُضعف الاقتصاد، ويهدد الأمن، وينشر الأمراض، ويفكك الأسر. ولذا فإن مواجهته لا بد أن تكون شاملة، وتبدأ بالتوعية والوقاية، لأن الوقاية خير من العلاج”.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.