البارود يشعل ليبيا وألسنة اللهب تلامس حدود مصر الغربية ..ماذا يحدث في ليبيا

15

كتبت بسنت السيد
تعانى ليبيا من انقسامات حادة منذ مقتل القذافى في 2011 ،واجج مقتل قائد إحدى الفصائل المسلحة في طرابلس، الثلاثاء الماضي، نيران اشتباكات عنيفة استمرت في حرب شوارع في أنحاء العاصمة الليبية، مماكشف الغطاء عن صراع محتدم على أرض ليبيا حيث تعيش في دائرة مغلقة من الفوضى السياسية والانقسامات الأمنية، مما جعلها أرضًا خصبة للتنظيمات الإرهابية التي وجدت في الفراغ السياسي بيئة مثالية إلى اتخاذ ليبيا مقراً لها، واتخاذها كنقطة انطلاق لتنفيذ عملياتها الإرهابية سواء داخل ليبيا أم باتجاه دول الجوار في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا، ولا تزال حالة الفراغ السياسي والأمني التي تعاني منهما ليبيا حتى الآن دافعاً رئيسياً لبعض التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش للتخطيط لتصعيد أنشطتها هناك.
وبحسب تقرير صادر عن المركز الأوروبي ل لدراسات مكافحة الإرهاب اطلعت عليه نافذة الشرق يوضح أن مؤشر الإرهاب العالمي 2025، احتلت فيه ليبيا المرتبة (53 )عالميًا،
وأفاد التقرير أن البلاد ما زالت بيئة غير مستقرة للإرهاب، مشيرا إلى أن مناطق الجنوب تشهد نشاطًا متزايدًا للجماعات المتطرفة مما يعكس واقعًا أمنيًا هشًا رغم المحاولات المتكررة لاحتواء خطر الإرهاب.
تهريب المخدرات والأسلحة
وبحسب تقر ير مجلس الأمن بشأن تنظيم داعش الصادر في فبراير 2025 أوضح ضعف حجم نشاط تنظيم داعش فرع ليبيا بشكل كبير حيث قلت قدراته العملياتية ولم يبلغ عن وقوع أي هجمات كبيرة منذ فبراير 2023.
وبحسب التقرير يتركز التنظيم في منطقة فزان ويعتمد على الأنشطة اللوجستية مثل التمويل وتهريب الأسلحة ونقل المقاتلين إلى الجماعات المنتسبة إلى تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة الساحل.
. كماكان متورطا في أنشطة إجرامية من بينها تهريب الأسلحة والمخدرات والوقود واستغلال مناجم الذهب. ومعتمدا على تجنيد مواطني البلدان المجاورة، عبر منصات اتصالات مشفرة.
تفكيك أحد أهم الأنظمة الإرهابية
وفي تقرير صادر عن جهاز الأمن الداخلي التابع لحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا في الأول من ابريل 2025 كشف عن تمكنه من تفكيك تنظيم إرهابي محظور يدعى حركة المقاومة الجهادية “نصر” كان يعدّ لتنفيذ سلسلة عمليات إرهابية تستهدف مؤسسات امنية وعسكرية حساسة في البلاد، وأوضح جهاز الأمن الداخلي أن العملية الأمنية أسفرت عن اعتقال كافة أعضاء التنظيم، وكشف النقاب عن مخططهم التخريبي الذي تضمن استقطاب عناصر جديدة عبر منصات التواصل الإلكتروني، وتوزيع منشورات تحريضية داخل المساجد، فضلاً عن محاولات التواصل مع جهات خارجية لتعلم صناعة المتفجرات والطائرات المسيرة. كما كشفت التحقيقات عن نية التنظيم إنشاء مصنع سري للأسلحة والمتفجرات في منطقة الجميل القريبة من الحدود التونسية.
الجماعات المتطرفة والإرهابية الناشطة في ليبيا
وهناك عدد كبير من الجماعات الإرهابية المسلحة مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين: تشكلت هذه الجماعة في مارس 2017 عقب اندماج أربعة تنظيمات إرهابية
خلايا جماعة “أنصار الشريعة“: للى نهاية الخلايا التابعة للتنظيم وانهيارها، إذ إن تفكيك مركز التنظيم يرجع إلى تراجع نشاطه وانحساره ميدانيا نتيجة لتقدم قوات الجيش الوطني الليبي وسيطرتها على بنغازي فضلا عن مقتل زعيم التنظيم محمد الزهاوي في نهاية 2014. وتعد جماعة أنصار الشريعة ضمن التنظيمات القريبة عقائديا من القاعدة، وقد ارتبط تنظيم أنصار الشريعة بعلاقات تنظيمية مع جماعة التوحيد والجهاد وجماعة أنصار الدين التابعتين لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مما عزز من الارتباط بين شمال وجنوب ليبيا وإدارة تدفقات المقاتلين الأجانب إلى ليبيا التي باتت مرتكزا إقليميا للمقاتلين القادمين من تونس وتشاد والسودان والسنغال والجزائر ومصر . وقد أدى الإعلان عن حل أنصار الشريعة إلى انتشار عدد كبير من الخلايا والتنظيمات الإرهابية الفرعية على امتداد أقاليم ليبيا وفقا لتقرير المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب.
تهديد الجماعات المتطرفة في ليبيا على أمن أوروبا
يمثل التهديد الرئيسي بزيادة معدلات الهجرة غير الشرعية من شمال أفريقيا إلى الدول الأوروبية، خاصة وأن داعش في ليبيا متورط مع عصابات تهريب المخدرات والبشر في منطقة الساحل والصحراء عبر دول المغرب العربي وصولاً إلى الدول الأوروبية؛ وبالتالي تهديد الأمن القومي للدول الأوروبية بشكل مباشر.
احصائيات وأرقام المهاجرين
وتشير تقارير المنظمات المعنية بالهجرة غير القانونية إلى أن ليبيا احتلت المرتبة الأولى في عدد المهاجرين القاصدين إيطاليا منذ بداية العام 2025، وقدّرت وكالة نوفا الإيطالية أن ما يقارب من (41,484) ألف مهاجر غير شرعي وصلوا الشواطئ الإيطالية من ليبيا خلال العام 2024.، ما يعني أن أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا عبر ليبيا، يمثلون أكثر من (40%) من إجمالي الهجرة عبر البحر المتوسط.
فيما تشير البيانات تسجيل (19,245) مهاجرا وصل إلى أوروبا انطلاقا من السواحل التونسية خلال العام 2024، مع انخفاض بنسبة (80%) من (97.667 ) مهاجرا في 2023 بفعل الإجراءات الحكومية التونسية لمواجهة الهجرة غير الشرعي
نزع السلاح ضرورة حتمية
ومن هذا المنطلق تظل التحديات الأمنية والظروف السياسية، التي تعيشها ليبيا منذ عام 2011، نقطة ضعف في تنفيذ تدابير التصدي للهجرة غير الشرعية، الأمر الذي يدفع دول الاتحاد الأوروبي، لاتخاذ إجراءات تعزز من قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، المتعلقة بحظر السلاح ومنع أنشطة التهريب والاتجار بالبشر، ودعم قرار نزع السلاح من المجموعات غير النظامية ووقف إطلاق النار في أنحاء ليبيا.
وفي ظل كل هذه الصراعات من يحكم في ليبيا ؟
يعد الصراع على السلطة هو السمة السائدة في المشهد الليبي مما جعل طرابلس ساحة قتال بين ميليشيات مسلحة فالصراعات تتأجج ثم تهدأ مثلما حدث الأسبوع الماضي ليطرح سؤال من يحكم في ليبيا ؟
توجد حكومتان متنافستان، الأولى في طرابلس غرباً، وبرئاسة عبد الحميد الدبيبة، وهي الحكومة التي أقالها البرلمان، ومعترف دوليا من الأمم المتحدة، والثانية في مدينة بنغازي بالمنطقة الشرقية، برئاسة أسامة حمّاد، وتحظى بدعم البرلمان، وقائد الجيش المشير خليفة حفتر.
وعن حجم الخسائر في ليبيا على أثر المعارك والاشتباكات يقول رضا شعبان الكاتب المتخصص في الشأن الليبي لنافذة الشرق: الميلشيات في غرب ليبيا وتحديدا مناطق الزاوية ومصراته تمتلك أسلحة ثقيلة وينتج عنها بالطبع خسائر فادحةفالحدث جللويكفىوحالة الذعر وهروب المدنيين من مناطق الاشتباكات.
وتابع شعبان قائلا: “إن خريطة الاشتباكات اتسعت لتحاصر طرابلس بالكامل واصفا الاشتباكات بأنها إعادة توزيع لنفوذ الميلشيات
وأوضح أنه منذ عام 2021ومع قدوم حكومة عبد الحميد الدبيبة رئيس لحكومة الوحدة الوطنية ،كان على رأس المهام التى من المفترض أن يقوم. بها هى تصفية الميلشيات المسلحة نزع السلاح تنفيذا لاتفاقية جنيف ومؤتمر برلين 1.2، لافتاً إلى كل الدعوات الأممية التى دعت لعودة الهدوء ونزع سلاح الميليشيات
وحمل رضا الخبير في الشأن الليبي حكومة الدبيية مسؤولية عدم السماح بإجراء انتخابات واتهمه بإطلالة أمد الفوضى في ليبيا مشيرا إلى أنه لم يلتفت إلا لتأكيد حكمه .
اذن فإعادة خارطة النفوذ أوجدت حالة من القلق الاستراتيجي إزاء تجدد وعودة الإرهاب مرة أخرى وفي هذا الصدد يصف رضا شعبان إلى خطورة تمدد المليشيات التى توحشت في ظل حكومة الدبيية وسيطرة تيار الاخوان على مقاليد الحكم
وحذر من اتساع مدد ونفوذ المليشيات الليبية التى يمكن أن تصدر إلى الدول المجاورة لافتاً إلى المناخ الرخو والمنفلت أمنيا ممايشكل خطرا على المنطقة وفقا للمصدر.
الدور المصرى لرأب الصدع في ليبيا وعودة الاستقرار
أكد رضا شعبان حظيت القضية الليبية باهتمام بالغ من القيادة السياسية المصرية والمتتبع للدور المصري سيجد أن مصر قدمت وقت إعصار دانيال العديد من المساعدات الإنسانية والإغاثية في 2023.
وفي سياق متصل أكد المحلل السياسي الليبيى محمد الأسمر في تصريحات له أن تأكيد وإلتزام الرئيس عبدالفتاح السيسى فى يوليو عام 2020 عندما أكد أن «سرت – الجفرة» خط أحمر، وهو خط التماس بين القوات المتصارعة فى ليبيا، وهو ما تأسست عليه مخرجات 23 أكتوبر 2020 فى جنيف.
وأضاف أن الأزمة فى ليبيا تؤثر سلباً على العديد من النواحى فى الجوانب المصرية، بدءاً من الأمن القومى،فما يحدث فى العمق الليبى يؤثر على مصر بالسلب أو الإيجاب، والحرب الليبية لها أنماط سلبية على الأمن القومى فى مصر والأمن القومى العربى ككل، باعتبار أن مصر رائدة فى المنطقة وهى الدولة الكبرى، مشيراً إلى أن مصر تحافظ أيضاً على التزاماتها فى ليبيا بسبب أواصر القرابة والنسب وامتداد وحدة التراب.
تحرك أممى لدعم ليبيا
يعد تقرير اللجنة الاستشارية الذى تضمّن عدة توصيات لمحاولة إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وتشكيل حكومة موحدة بصلاحيات محددة ومدة زمنية لاتتجاوز 24شهرا .
ولاقى التقرير ترحيبا من بعثة الاتحاد الأوروبي في ليبيا حيث دعت جميع الأطراف إلى وقف التصعيد، وحماية المدنيين، والانخراط في الحوار الذي ترعاه البعثة الأممية، واصفة التقرير، في بيان، بأنه “إنجاز مهم في العملية السياسية التي يقودها ويملكها الليبيون”.
وحول دور القانون الدولي في الأزمة الليبية
وعن دور القانون الدولي في إدارة الصراع في ليبيا يقول الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي أن طرابلس، تحولت إلى ساحة لا تنتهي للصراعات المسلحة، ضمن سياق ليبي أوسع يتسم بالانقسام الحاد والتناحر على السلطة. هذا المشهد المأساوي يلقي بظلاله على السكان، ويعمق الشرخ المجتمعي، ويبرز بشكل صارخ فشل المجتمع الدولي في إيجاد حلول جذرية ودائمة.
صراع على السلطة
وتابع سلامة :”لقد كشفت الأزمة الليبية عن عجز واضح في آليات تطبيق القانون الدولي، الذي يُفترض أن يكون الركيزة الأساسية لحل النزاعات ومنع تصعيدها.مشيرا إلى تلاشى مبادئ السيادة ووحدة الأراضي وحظر استخدام القوة، مما يفتح الباب أمام التدخلات الخارجية التي تزيد من تعقيد المشهد بدلاً من تبسيطه.
وأضاف استاذ القانون الدولي لنافذة الشرق أنه وعلى الرغم من الجهود المتكررة، أثبتت البعثة الأممية للدعم في ليبيا (UNSMIL) -على الرغم من إخلاص العديد من مبعوثيها- أنها غير قادرة على تحقيق اختراق حقيقي، ويعزى ذلك جزئياً إلى الانقسام الشديد بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن، والذي يعرقل توحيد الصفوف الليبية ويمنع فرض حلول ملزمة.
وأكد إن استقالة العديد من المبعوثين الخاصين للأمم المتحدة يعكس حجم التحدي وصعوبة المهمة في بيئة سياسية وعسكرية معقدة كهذه.
وأوضح سلامة أن اهمية القانون الدولي في حل الصراع الليبي تكمن في قدرته على توفير إطار شرعي ومقبول لجميع الأطراف للتوصل إلى تسوية سلمية. إن الالتزام بميثاق الأمم المتحدة، وتطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، واحترام حقوق الإنسان، يمكن أن يشكل أساساً متيناً لبناء دولة مستقرة.

وأفاد أن القانون الدولي يمثل أداة حيوية لترسيخ مبدأ المساءلة، وضمان العدالة لضحايا الانتهاكات، ووضع حد لإفلات مرتكبي الجرائم من العقاب، وهو ما يمثل رادعاً للمزيد من التصعيد
تحرك مصرى ضد تمدد التنظيمات الإرهابية
ويرى أستاذ القانون الدولي ايمن سلامة. إن تفعيل آليات فض النزاعات، والوساطة، و التحقيق، يمكن أن يساهم في بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة، مما يفتح آفاقاً جديدة للحوار الهادف، ويدفع نحسيادتها كاملة، وتوحيد المؤسسات الأمنية والاقتصادية والتنفيذية، وإنهاء سطوة التنظيمات العسكرية غير القانونية، وإبعاد المرتزقة وغيرهم، وإنهاء الوجود العسكرى غير الشرعى لأى طرف كان،
واختتم حديثه عن الدور المصرى الذى يعمل فى إطار فرض وجود لها على الأرض الليبية ،بل سعت دائماً إلى التنسيق مع المؤسسات الليبية فى مجالات الاهتمام المشترك، كما حرصت على حماية الحدود المشتركة من داخل الأراضى المصرية دون غيرها، كما ركزت التحركات المصرية على قطع الطريق أمام محاولات التنظيمات الإرهابية لاتخاذ ليبيا قاعدة للتمدد والانتشار فى شمال أفريقيا ودول الساحل والصحراء وأوروبا.
ورغم تغير الحكومات وتبدل الأسماء، تبقى ليبيا أسيرة مشهد عبثي تتصارع فيه البنادق على مقاعد فارغة من الشرعية ،فالدولة التي كانت يوما بوابة أفريقيا على المتوسط، صارت اليوم معبر للمهاجرين، ومسرح لصراع الميليشيات، وساحة مفتوحة لتجاذبات دولية وإقليمية لا ترحم

الرهان الحقيقي اليوم ليس فقط على حكومة جديدة، بل على مشروع دولة يعيد لليبيا هيبتها، وفي انتظار ذلك الحسم المؤجل، تظل ليبيا معلقة بين حلم الدولة وكابوس الفوضى

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.