البنوك المصرية تفتح أبوابها لـ “اليوان” الصيني

1

القاهرة – بكين تحالف اقتصادي جديد للحد من هيمنة الدولار الأمريكي

تـقـريـر – أحـمـد إمـام

هل بدأ العد التنازلي للدولار في مصر ؟

في خطوة تُعد تحولًا نوعيًا في توجهات السياسة النقدية المصرية، بدأت البنوك المصرية رسميًا في إتاحة فتح حسابات مصرفية بعملة اليوان الصيني، ما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الشراكة الاقتصادية مع بكين، ويعكس توجهًا واضحًا نحو تنويع أدوات التعامل المالي والتجاري بعيدًا عن الهيمنة التقليدية للدولار الأمريكي.

تحول استراتيجي في المنظومة المصرفية

القرار المصري لم يأتِ بمعزل عن تطورات السوق العالمية، بل جاء نتيجة مسار طويل من التفاهمات مع الجانب الصيني، وزيارات متبادلة على مستوى رفيع بين مسؤولي البنوك المركزية والجهات السيادية، تمهيدًا لتوسيع قاعدة التعاملات بالعملات المحلية في التجارة البينية.

ويرى مراقبون أن الخطوة تستهدف بالدرجة الأولى تقليل الضغط على الاحتياطيات الدولارية، خاصة في ظل الأزمات المتكررة المرتبطة بسلاسل الإمداد العالمية، وتذبذب سعر صرف العملة الأمريكية، كما يعكس القرار رغبة واضحة في إدماج مصر داخل تحالفات مالية دولية أكثر تنوعًا، منها دول مجموعة “بريكس” التي تسعى منذ سنوات لبناء نظام مالي متعدد الأقطاب.

انعكاسات مباشرة على العلاقات المصرية الصينية

الصين كونها الشريك التجاري الأول لمصر تمثل الطرف الأكثر استفادة من هذا القرار في المدى القريب، خصوصًا وأن حجم التبادل التجاري بين البلدين تجاوز حاجز 18 مليار دولار سنويًا، ومن شأن التعامل المباشر باليوان الصيني أن يقلل من تكاليف التحويل المالي، ويسرّع من إجراءات التوريد والسداد، ويمنح الشركات الصينية العاملة في مصر “لا سيما في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس” مرونةً أكبر في إدارة سيولتها، وما أن فتح الباب أمام دخول البنوك الصينية للسوق المصري أو إقامة فروع لمؤسسات مالية صينية، سيزيد من تنافسية القطاع المصرفي المحلي، ويخلق أدوات مالية جديدة تخدم المستثمرين من الجانبين.

أبعاد إقليمية ودولية للقرار المصري

يأتي اعتماد الحسابات باليوان في لحظة يشهد فيها الاقتصاد العالمي تحولات جذرية، إذ تسعى عدة دول ناشئة إلى فك الارتباط الأحادي مع الدولار، في إطار توجه نحو ما يمكن وصفه بـ”إعادة هندسة النظام المالي العالمي”، ومصر التي تتمتع بموقع جيوسياسي فريد يبدو أنها تحجز لنفسها موقعًا مبكرًا في هذا الترتيب الجديد.

مراقبون

في السياق ذاته، يشير مراقبون إلى أن هذه الخطوة قد تمهد لتسويات تجارية مع دول أخرى مثل روسيا والهند بعملات غير تقليدية، وهو ما يعزز قدرة الدولة على المناورة النقدية وتوسيع خيارات التمويل دون الارتهان لصندوق النقد أو البنوك الغربية.

خطوة استراتيجية محسوبة

وفي هذا السياق يقول الدكتور عمرو سليمان أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، إن فتح الحسابات باليوان ليس فقط قرارًا مصرفيًا، بل هو تعبير واضح عن توجه سياسي واقتصادي أوسع نحو تنويع الشركاء وتقليل المخاطر المرتبطة بتقلبات الأسواق الغربية.

ويضيف سليمان، “اليوان لا يزال عملة خاضعة لرقابة حكومية صينية صارمة، لكنه في نفس الوقت يعكس طموحًا حقيقيًا لدى بكين في أن يكون لها موطئ قدم مالي عالمي إذا أحسنّا استغلال ذلك، ويمكن أن نحصل على تمويل ميسر وتسهيلات ائتمانية دون الدخول في دوامة الفوائد المرتفعة أو اشتراطات التقشف”.

مستقبل الحسابات باليوان في السوق المصري

يبقى السؤال الآن، هل سيقبل القطاع الخاص المصري لا سيما الشركات الصغيرة والمتوسطة على فتح حسابات باليوان، وهل ستوفر البنوك الأدوات المصرفية والخدمات الرقمية الكافية لجعل التجربة مجدية على المدى البعيد، والإجابة عن هذه الأسئلة مرهونة بمدى جدية القطاع المصرفي المصري في التكيف مع التغيير، ومدى دعم الدولة لهذه الخطوة بسياسات تحفيزية واضحة، بعيدًا عن الطابع الرمزي أو التجريبي، ولا يُنظر إلى اليوان كبديل فوري للدولار، بل كمكمل استراتيجي في سلة العملات الدولية، ليفتح لمصر نوافذ جديدة في عالم يتجه يومًا بعد يوم إلى فك الارتباط بعملة واحدة.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.