البورصة المصرية تحت الضغط.. متى تنجو من ارتدادات الصراع الإيراني الإسرائيلي؟

1

عبد الرحمن السيد

في خضم صراع إقليمي متصاعد بين إسرائيل وإيران، يبدو أن البورصة المصرية قد دخلت مرحلة حرجة من التقلبات والضغوط، وسط مخاوف من اتساع رقعة النزاع وتحوله إلى مواجهة شاملة تشمل أطرافًا دولية كبرى مثل الولايات المتحدة. وبين تراجع المؤشرات، وخروج المحافظ الاستثمارية، واضطراب أسواق الطاقة، يتزايد السؤال عن قدرة السوق المصري على الصمود، وعن توقيت محتمل للتعافي.

ارتدادات فورية.. أرقام حمراء في المؤشرات

أغلقت مؤشرات البورصة المصرية جلسة الثلاثاء على تراجع جماعي، حيث هبط المؤشر الرئيسي EGX30 بنسبة 1.02% ليسجل 30725 نقطة، وتراجع مؤشر الشريعة الإسلامية بنسبة 1.51%، بينما هبط EGX70 بنسبة 2.44%، وEGX100 بنسبة 2.22%.

الهبوط الجماعي للمؤشرات يعكس موجة خروج واسعة للمستثمرين المحليين والعرب، حيث بلغ صافي البيع للمصريين نحو 177.8 مليون جنيه، وللعرب 98.7 مليون جنيه، مقابل صافي شراء للأجانب بقيمة 276 مليون جنيه، في تداولات بلغت قيمتها الإجمالية نحو 3.3 مليار جنيه، عبر أكثر من 865 مليون ورقة منفذة على 101.5 ألف عمل

سبب التراجع: هلع استثماري أم واقع اقتصادي؟

النائب محمد بدراوي، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، قال في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق” إن التراجع الأخير في البورصة “مرتبط أساسًا بخروج محافظ استثمارية تقوم بتسييل أموالها بسبب حالة القلق الإقليمي”، مشيرًا إلى أن “المنطقة ملتهبة حاليًا، والمستثمرون يتخوفون من ضخ أموال جديدة وسط هذا الغموض”.

وأضاف بدراوي: “الآثار الاقتصادية لا تزال محدودة، لكن لا أحد يعلم ما يخبئه المستقبل. السؤال المطروح الآن: هل تتحول المنطقة إلى حرب شاملة بعد دخول أمريكا؟ وهل سنواجه خطر التلوث الإشعاعي؟ أو سقوط النظام الإيراني؟ كل هذه سيناريوهات مفتوحة وستحددها الأيام المقبلة”.

هل ما يحدث هبوط دائم؟

خبراء يرون أن ما يحدث لا يُعد هبوطًا دائمًا، وإنما هو تراجع ناتج عن صدمة خارجية مرتبطة بعوامل سياسية وجيوسياسية، وليس نتيجة تدهور في البنية الاقتصادية أو المالية المحلية. لكن استمرار هذه الحرب لفترة طويلة دون حلول دبلوماسية سيحوّل هذا الهبوط إلى مسار نزولي ممتد.

ومع ذلك، يُرجح أن تتعافى السوق فور تراجع التوترات الإقليمية، لا سيما أن الاقتصاد المصري – رغم التحديات – يمتلك حاليًا أدوات للتحوط والدعم، أبرزها الاحتياطي النقدي الذي يتخطى 48 مليار دولار.

فوارق لا تقارن: لماذا ربحت بورصة إسرائيل وخسرت مصر؟

أثارت مكاسب البورصة الإسرائيلية الأخيرة تساؤلات بين المتابعين، لكن النائب محمد بدراوي أوضح أن “الوضع في إسرائيل مختلف تمامًا، فاقتصادهم تصديري قوي، وتصل صادراتهم إلى نحو 250 مليار دولار سنويًا، بخلاف ما هو قائم في مصر، التي تعتمد في أجزاء كبيرة على الواردات”.

ويضيف: “لا يصح القياس على مكاسب تل أبيب، لأن طبيعة الأسواق مختلفة تمامًا، كما أن أدوات التحفيز والتحصين المتاحة أمامهم غير متوفرة بالقدر نفسه في الاقتصاد المصري”.

تداعيات الحرب على الاقتصاد المصري: طاقة وديون وتخارج

تأثرت البورصة المصرية بعدة عوامل فرعية مرتبطة بالحرب، أبرزها:

ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا بنسبة تفوق 10%، ما يزيد من فاتورة الواردات المصرية ويؤثر على التضخم المحلي.

توقف تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر، وهو ما دفع القاهرة لتفعيل خطط بديلة باستخدام محطات التغييز وضخ الغاز في الشبكة القومية للكهرباء.

تأثر أدوات الدين المحلي، نتيجة تخارج بعض المستثمرين الذين يخشون تقلبات العائد في ظل تصاعد المخاطر السياسية، ما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الدين على الحكومة.

كيف تتحوط مصر؟ خطة حكومية لتقليل الخسائر

استباقًا لأي تفاقم في الصراع، أصدر الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، قرارًا بتشكيل “لجنة أزمات” برئاسته، تضم وزراء المال والتخطيط والبترول والكهرباء والصناعة والدفاع والداخلية، فضلًا عن محافظ البنك المركزي وممثلي أجهزة الأمن والمخابرات.

وتهدف اللجنة إلى “متابعة تداعيات العمليات العسكرية الإيرانية ـ الإسرائيلية، والاستعداد لأي مستجدات قد تطال الاقتصاد أو الخدمات أو الأمن القومي”، وفقًا لما أعلنه المستشار محمد الحمصاني، المتحدث باسم مجلس الوزراء.

وتكثف الحكومة حاليًا من اجتماعاتها مع اللجان الاستشارية لمتابعة التأثيرات المحتملة على مختلف القطاعات، بما في ذلك البورصة، والاستثمار، والتجارة، والنقل، والسياحة.

القطاعات الرابحة والخاسرة: قراءة في تفاصيل التداول

رغم موجة التراجعات، فإن بعض الأسهم نجحت في تحقيق مكاسب ملحوظة، ما يعكس وجود فرص واعدة في السوق رغم التوتر:

الأسهم الأكثر ارتفاعًا:

القاهرة الوطنية للاستثمار: +19.9%

وثائق صندوق أودن: +15.3%

مصر بني سويف: +12.5%

سماد مصر (إيجيفرت): +7.3%

مصر للأسمنت قنا: +7.4%

الأسهم الأكثر تراجعًا:

السعودية المصرية للاستثمار: -10.5%

كونكريت: -8.3%

مستشفى النزهة: -7%

جوجرين: -6.9%

التوفيق للتأجير: -6.3%

وسجل رأس المال السوقي للأسهم المقيدة 2.182 تريليون جنيه مقابل 2.212 تريليون في جلسة اليوم السابق، أي أن السوق فقد نحو 30 مليار جنيه في يوم واحد.

متى تتعافى البورصة؟

يرتبط توقيت تعافي البورصة بشكل مباشر بمسار الصراع الإيراني الإسرائيلي. فكلما هدأت نيران الحرب، استعاد السوق توازنه تدريجيًا. وتشير خبرات السوق المصري في السنوات الماضية إلى قدرته على استعادة جزء كبير من خسائره حال تحسّن الظروف الإقليمية والدولية.

كما أن استمرار ضخ الأجانب في البورصة رغم الأوضاع السياسية – حيث بلغ صافي شرائهم أكثر من 276 مليون جنيه – يعكس ثقة جزئية في السوق، وتقديرًا لقيمته في ظل تراجع أسعار الأسهم.

سوق على مفترق طرق

البورصة المصرية تحت ضغط غير مسبوق ناتج عن صراع خارجي لا تتحكم فيه، لكنها تمتلك من الأدوات ما يمكّنها من امتصاص الصدمة – ولو جزئيًا – إذا ما أُحسن استغلال تلك الأدوات. ورغم أن الهبوط الحالي ليس دائمًا، إلا أن استمرار الحرب دون أفق سياسي قد يُطيل من أمد الأزمة.

وبين الخسائر المحققة حاليًا، والتوقعات المجهولة، يظل المستثمر في انتظار انفراجة سياسية تعيد الثقة وتفتح الباب لتعافٍ تدريجي يبدأ من السوق المالية، ويمتد إلى القطاعات الأخرى.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.