كتب عبد الرحمن السيد
تستعد مصر لحدث استثنائي ينتظره العالم، مع إعلان الحكومة موعد افتتاح المتحف المصري الكبير في الأول من نوفمبر المقبل، ليكون أحد أبرز المشاريع الحضارية والثقافية التي أنجزتها الدولة في العقود الأخيرة. يمثل هذا الافتتاح نقطة تحول كبرى في مسيرة السياحة المصرية، ليس فقط من حيث قيمته التاريخية والأثرية، بل أيضًا من حيث انعكاساته الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة على مختلف القطاعات، بما يعزز مكانة مصر كوجهة سياحية عالمية.
يأتي افتتاح المتحف المصري الكبير تتويجًا لجهود استمرت سنوات طويلة في سبيل إنشاء أكبر متحف أثري في العالم مخصص لحضارة واحدة، حيث سيضم مئات الآلاف من القطع الأثرية الفريدة، وعلى رأسها المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون. ومع اقتراب اللحظة التاريخية، بدأت الحكومة في تكثيف استعداداتها لضمان أن يظهر الحدث بالصورة اللائقة التي تعكس قيمة مصر الحضارية وتاريخها العريق.
توجيهات رئيس الوزراء
أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن الدولة تُولي اهتمامًا بالغًا بحدث افتتاح المتحف المصري الكبير، باعتباره حدثًا عالميًا سيُضاف إلى سجل مصر الحافل بالفعاليات الكبرى التي ارتبطت بتاريخها الحديث. وأوضح مدبولي أن الاستعدادات تجري على قدم وساق بالتنسيق بين مختلف الوزارات والجهات المعنية، من أجل استكمال كافة الترتيبات اللازمة، سواء داخل المتحف أو في المنطقة المحيطة به، بحيث يخرج الافتتاح في صورة مشرفة تليق بمكانة مصر الإقليمية والدولية.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن افتتاح المتحف لن يقتصر على كونه فعالية ثقافية أو أثرية، بل سيُشكل حدثًا استثنائيًا يجذب أنظار العالم، خاصة في ظل الحضور الرسمي المميز الذي من المقرر أن يشهده من قِبل وفود دولية رفيعة المستوى. كما أوضح أن الفعاليات المصاحبة للافتتاح ستعكس تنوعًا في الرؤية المصرية لتقديم الحضارة العريقة بصورة عصرية تتماشى مع تطلعات السياحة العالمية.
وأكد مدبولي أن المتحف المصري الكبير يمثل صرحًا حضاريًا وثقافيًا وسياحيًا عالميًا، يُبرز عظمة الإرث المصري بمختلف مراحله التاريخية، وهو ما يُعد أداة قوية للترويج لمصر كوجهة متفردة قادرة على جذب الزوار من مختلف أنحاء العالم.
مراسم تُعكس مكانة مصر الحضارية والدولية
من جانبه، أكد شريف فتحي، وزير السياحة والآثار، أن وزارته تستعد لافتتاح المتحف المصري الكبير بمراسم تُعكس مكانة مصر الحضارية والدولية، مشددًا على أن خطط الافتتاح تسير دون أي تعديل. وقال الوزير إن الهدف من هذا الحدث هو تعزيز مكانة مصر كوجهة سياحية رائدة عالميًا، مستفيدة من تنوع أنماط السياحة التي تقدمها، والتي تشمل السياحة الثقافية والشاطئية والعلاجية والدينية.
وأشار فتحي، خلال مداخلة هاتفية مع إحدى القنوات الفضائية، إلى أن السياحة المصرية شهدت في الفترة الأخيرة زيادة في معدلات الإقبال بنسبة 23%، وهو ما يعكس نجاح الجهود المبذولة في الترويج للمنتجات السياحية المصرية على مستوى العالم. وأضاف أن حملة ترويجية جديدة سيتم إطلاقها قريبًا لتسليط الضوء على أهمية المتحف المصري الكبير، وما يمثله من قيمة فريدة لمصر، وذلك في إطار خطة شاملة لتعزيز صورة البلاد كوجهة مميزة للسياحة العالمية.
ولفت وزير السياحة والآثار إلى أن التحديات التي تواجه القطاع لا تختلف عن تلك الموجودة في أي وجهة سياحية كبرى، مؤكدًا أن التجارب العالمية تُظهر أن مصر قادرة على تجاوز أي صعوبات وتعزيز تجربتها السياحية بما يعكس أصالة الشعب المصري وكرمه.
توقعات برلمانية: زيادة التدفقات السياحية
وفي سياق متصل، قال النائب ياسر عمر، وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إن افتتاح المتحف المصري الكبير سيُشكل نقطة فارقة في قطاع السياحة، متوقعًا أن يؤدي إلى زيادة كبيرة في أعداد السائحين الوافدين إلى مصر خلال العام المقبل. وأوضح أن هذا الافتتاح سيُترجم مباشرة إلى زيادة في الحصيلة الدولارية للبلاد، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني.
وأضاف النائب، في تصريحات خاصة لـ “نافذة الشرق”، أن وجود صرح بهذا الحجم والقيمة سيُسهم في تنويع المقاصد السياحية داخل مصر، إلى جانب كونه عامل جذب استثنائي لشرائح جديدة من الزوار الذين يضعون السياحة الثقافية على رأس أولوياتهم. وأكد أن ذلك سيساعد الحكومة في تحقيق مستهدفاتها فيما يتعلق بزيادة موارد النقد الأجنبي وتعزيز الاحتياطي النقدي.
رؤية الخبير الاقتصادي بلال شعيب
أما الدكتور بلال شعيب، الخبير الاقتصادي، فقد شدد على أن افتتاح المتحف المصري الكبير سيحقق عوائد اقتصادية وسياحية ضخمة لمصر، مشيرًا إلى أن السياحة تُعد أحد أهم مصادر النقد الأجنبي. وأوضح أن إيرادات السياحة بلغت 15.3 مليار دولار عام 2024 بزيادة قدرها 9% مقارنة بالعام السابق، كما ارتفع عدد السائحين الوافدين إلى 15.7 مليون سائح بزيادة 5%، وهو ما ساهم في رفع الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى 48.11 مليار دولار.
وأشار شعيب إلى أن التوسع في القطاع السياحي، بما في ذلك افتتاح مشاريع كبرى مثل المتحف المصري الكبير، يُساهم في توفير فرص عمل لنحو 3 ملايين عامل بشكل مباشر وغير مباشر، وهو ما يحد من معدلات البطالة ويدعم النمو الاقتصادي. وأضاف أن مصر تمتلك تنوعًا سياحيًا فريدًا يجعلها منافسًا قويًا لوجهات أخرى، مؤكدًا أن الترويج للإرث الثقافي عبر المتحف سيُضيف بعدًا جديدًا لصورة مصر العالمية.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن المتحف سيُسهم في جذب استثمارات أجنبية مباشرة، ليس فقط في قطاع السياحة، وإنما أيضًا في مجالات خدمية مرتبطة، مثل الفنادق والمطاعم وقطاع النقل. كما أشار إلى أن مصر نجحت في تنويع أسواقها السياحية بعد التراجع في أعداد السائحين القادمين من روسيا وأوكرانيا، والذين كانوا يشكلون نحو 35% من إجمالي السياح، مؤكدًا أن استهداف أسواق جديدة ساعد على استدامة القطاع.
نقلة نوعية للاقتصاد والسياحة
وبذكل، يُجمع الخبراء والمراقبون على أن افتتاح المتحف المصري الكبير سيكون بمثابة نقلة نوعية تعزز من مكانة مصر السياحية والاقتصادية عالميًا. فهو لا يقتصر على عرض الآثار فحسب، بل يمثل مشروعًا متكاملًا سيُعيد صياغة خريطة السياحة المصرية، ويفتح الباب أمام تدفقات مالية واستثمارية جديدة، بما يُسهم في دعم الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة.
وبينما تواصل الحكومة استعداداتها للحدث، تبقى الأنظار متجهة إلى الأول من نوفمبر، حيث سيشهد العالم افتتاح أيقونة حضارية جديدة تضاف إلى سجل مصر العريق، لتؤكد من جديد أن الحضارة المصرية قادرة على الإبهار والريادة، وأن الاستثمار في الثقافة والسياحة يُعد أحد أهم محركات النمو الاقتصادي في العصر الحديث.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.