عبد الرحمن السيد
مع تصاعد ألسنة اللهب في سماء الشرق الأوسط، نتيجة المواجهة المباشرة وغير المسبوقة بين إيران وإسرائيل، بدأت التداعيات الاقتصادية تتسلل سريعًا إلى الأسواق العالمية، حاملة معها أوجاعًا محتملة للأسواق الناشئة، وفي مقدمتها السوق المصرية. فمع كل صاروخ ينطلق، وكل منشأة تُقصف، تتسع دائرة القلق حول مستقبل الاقتصاد العالمي، ومصير موارد العملة الصعبة، وهو ما انعكس فعليًا على سندات وأدوات الدين السيادي لمصر، التي شهدت تراجعًا حادًا تحت وطأة المخاوف الجيوسياسية.
الهلع يضرب الأسواق العالمية.. ورد فعل مباشر
شهدت المؤشرات الأمريكية والأوروبية هزات عنيفة في تعاملات ما قبل الافتتاح، إذ تراجعت العقود الآجلة لمؤشر S&P 500 بنسبة 0.9%، فيما انخفض مؤشر ناسداك 100 بنحو 1.1%، ومؤشر داو جونز 1%. وعلى الجانب الأوروبي، لم يكن الوضع أكثر إشراقًا، حيث تراجع مؤشر ستوكس 600 بنسبة 0.6%، وهبط مؤشر MSCI العالمي بنسبة 0.3%.
وفي أسواق العملات، ارتفع الدولار الأمريكي كملاذ آمن بنسبة 0.5%، في حين تراجعت عملات رئيسية مثل اليورو والإسترليني والين، وهو ما يعكس تحولات مزاجية سريعة لدى المستثمرين، بحثًا عن الاستقرار في عالم يغلي.
مصر في قلب العاصفة
وسط هذه الأجواء المشحونة، تبرز مصر كواحدة من أكثر الدول تأثرًا في محيطها الإقليمي، ليس فقط لقربها الجغرافي من مناطق التوتر، ولكن أيضًا لاعتمادها الكبير على موارد حساسة للعملة الصعبة، مثل السياحة، وقناة السويس، وتحويلات المصريين في الخارج، والاستثمار الأجنبي المباشر في أدوات الدين.
وفي هذا السياق، يقول النائب طارق السيد، عضو لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب، في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”: “أنا شخصيًا حاطط إيدي على قلبي من اللي جاي… لو استمرت الحرب، بكرة ممكن نشوف الأسهم المصرية نازلة 5% من أول الجلسة، وسندات الخزانة هيحصل فيها هروب كبير”.
ويضيف السيد: “التأثير رهيب… بترول إيران بيتباع في السوق السودا بإذن أمريكي ضمنيًا، وقفزت الأسعار 10 دولارات دفعة واحدة فوق متوسطات العام الماضي… ده معناه غلاء في الطاقة، في النقل، في التأمين، وبالتالي ارتفاع جنوني في الأسعار”.
سندات مصر تحت الضغط
وتتجه أنظار المستثمرين إلى سندات الدين المصرية المقومة بالدولار، والتي عادة ما تكون حساسة لأي اضطرابات إقليمية، نظرًا للعوائد المرتفعة المرتبطة بالمخاطر. ومع ارتفاع تكلفة التأمين على ديون مصر السيادية، بدأت مبيعات المستثمرين الأجانب تتسارع في أدوات الخزانة، في ظل بحثهم عن أصول أكثر أمنًا.
ويُتوقع أن تشهد مصر مزيدًا من الضغوط في السوق الثانوية للسندات، خاصة إذا استمر التوتر في مضيق هرمز أو باب المندب، ما قد يؤثر على حركة التجارة الدولية وأسعار النفط.
الحكومة تتحرك.. خطة لمواجهة العاصفة
من جانبه، قال الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، إن الحكومة تتابع الوضع عن كثب، وهناك تنسيق مباشر بين محافظ البنك المركزي حسن عبد الله، ووزير المالية أحمد كجوك، لاتخاذ إجراءات استباقية من شأنها حماية الاقتصاد المصري من أية اضطرابات محتملة.
وأوضح مدبولي في تصريحات رسمية أن هناك اجتماعات متواصلة على أعلى مستوى لبحث تداعيات التصعيد الإيراني الإسرائيلي على قطاعات الطاقة والتجارة، مؤكدًا: “تم عقد اجتماع مع وزيري الكهرباء والبترول لوضع سيناريوهات متعددة لأي نقص في إمدادات الوقود أو ارتفاع في تكاليف النقل”.
كما أكد رئيس الوزراء أن الحكومة تسعى لتعزيز المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية، لتأمين احتياجات السوق وحماية المواطن من تقلبات الأسعار المحتملة.
النفط والذهب.. معركة الملاذات الآمنة
وفي الأسواق الدولية، ارتفعت أسعار النفط بنحو 10 دولارات للبرميل مقارنة بمتوسط أسعار العام الماضي، وسط مخاوف من تعطيل الملاحة في مضيق هرمز، الذي يمر منه نحو 20% من تجارة النفط العالمية.
كما قفزت أسعار الذهب إلى مستويات قياسية، مع تزايد الإقبال على المعدن النفيس باعتباره ملاذًا آمنًا. ويقول النائب طارق السيد في هذا الصدد: “الناس بتجري على الذهب، لأنه الوحيد اللي مش بيخسر في الحروب… وده هيأثر على سوق العملة كمان، وهيضغط على الاحتياطي الأجنبي”.
قناة السويس والسياحة.. موارد مهددة
بالإضافة إلى التحديات المالية، تواجه مصر مخاطر مباشرة على قناة السويس، التي تُعد أحد أهم موارد العملة الصعبة، في ظل استمرار التوتر في البحر الأحمر، وتهديدات الحوثيين، وارتفاع تكلفة التأمين البحري.
كما أن السياحة، التي كانت تعيش انتعاشة جزئية بعد سنوات من التباطؤ، أصبحت في مرمى النيران، مع تأجيل افتتاح المتحف المصري الكبير لأسباب تتعلق بالمخاوف الإقليمية، وهو ما يُنذر بتراجع الإيرادات المتوقعة لهذا الموسم.
استثمار الأجانب في مأزق
يقول النائب طارق السيد الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة في مشروعات البنية التحتية والطاقة، قد تتأثر سلبًا بفعل تراجع شهية المخاطرة، وسط غياب رؤية واضحة حول مصير التوترات الجيوسياسية، واحتمالات امتدادها لدول الجوار.
ويضيف النائب طارق السيد: “المستثمر بيفكر ألف مرة قبل ما يدخل فلوسه في منطقة على وشك الانفجار… والخوف من تصاعد الحرب لحرب عالمية أو حتى استخدام نووي مش حاجة بسيطة”.
ضرورة الحذر والاستعداد
التحديات التي تفرضها الحرب بين إيران وإسرائيل على الاقتصاد العالمي والإقليمي تتطلب استجابات سريعة ومرنة من الحكومة المصرية، تشمل تحفيز الاستثمار المحلي، وتعزيز الإنتاج، وتوفير احتياطيات مالية كافية، وتقوية شبكة الأمان الاجتماعي.
وفي الوقت الذي تطرق فيه التوترات الجيوسياسية أبواب الأسواق بعنف، فإن الحفاظ على استقرار السوق المصري بات مسؤولية جماعية، تتطلب مشاركة فعالة من القطاعين العام والخاص، ومن المواطن والدولة معًا.
وفي ظل استمرار التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، تُظهر المؤشرات الأولية أن الفترة المقبلة ستشهد موجة متصاعدة من الضغوط الاقتصادية على العديد من دول المنطقة والعالم، وعلى رأسها مصر. إذ أن تفاقم الحرب من شأنه أن يرفع كلفة الطاقة والنقل والتأمين، ويقوّض استقرار الأسواق المالية، ويزيد من حدة تقلبات العملات، ويُبطئ تدفق الاستثمارات. ومع ارتباط الاقتصاد المصري الوثيق بالأسواق الخارجية، فإن أية هزة إقليمية كبرى تنعكس سريعًا على موارد الدولة من العملة الصعبة، وعلى معدلات التضخم، وسعر الصرف، وثقة المستثمرين، ما يجعل من الضروري أن تبقى البلاد في حالة استعداد قصوى لمواجهة سيناريوهات اقتصادية أكثر تعقيدًا إذا ما طال أمد النزاع.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.