الساحل الإفريقي.. من الاضطراب إلى الاشتعال

3

بقلم بسمة هاني

تشهد منطقة الساحل الإفريقي تصاعدًا غير مسبوق في العنف والفوضى، وسط تحولات سياسية وأمنية خطيرة. وبين انسحاب القوى الغربية وتمدد النفوذ الروسي، تتحول هذه البقعة إلى ساحة صراع دولي يدفع ثمنه المواطن الإفريقي.

قال الدكتور رامي زهدي، خبير الشؤون الإفريقية، في حديث خاص لموقع “نافذة الشرق”، إن منطقة الساحل الإفريقي باتت واحدة من أكثر المناطق دموية في العالم، وفق تقارير صادرة عن الأمم المتحدة. وأشار إلى أن هذه المنطقة الممتدة من موريتانيا غربًا إلى السودان وتشاد شرقًا، تشهد تحولات جذرية تتجاوز كونها أزمات داخلية، لتصبح ساحة صراع إقليمي ودولي.

انهيار أمني في المثلث الأخطر

وأوضح زهدي أن المثلث الحدودي بين مالي، بوركينا فاسو، والنيجر تحول إلى بؤرة لتصاعد الهجمات الإرهابية، حيث تُسجّل سنويًا آلاف الضحايا في صفوف المدنيين والعسكريين، ما يضع الأمن الإقليمي أمام تحديات غير مسبوقة.

وأضاف أن هذا التصعيد يتزامن مع فراغ أمني متزايد خلفه انسحاب القوى الدولية التقليدية، وعلى رأسها فرنسا، عقب سلسلة من الانقلابات العسكرية التي غيّرت الخريطة السياسية خلال السنوات القليلة الماضية.

فاغنر والنفوذ الروسي.. قوة بديلة أم لاعب بالوكالة؟

ولفت الخبير الإفريقي إلى أن هذا الفراغ لم يبقَ دون استغلال، بل تم ملؤه بسرعة عبر النفوذ الروسي المتصاعد، متمثلًا بداية في مجموعة “فاغنر” ثم الفيلق الروسي الإفريقي. وتابع أن روسيا أبرمت لاحقًا اتفاقيات استراتيجية مع عدد من العواصم العسكرية الجديدة، مستفيدة من خطاب شعبي مناهض للوجود الفرنسي، تحت شعار “تحرير القرار الوطني”.

لكن زهدي شدد على أن المشهد الحقيقي أكثر تعقيدًا مما يبدو، إذ تشهد المنطقة صراعًا بالوكالة واضح المعالم بين موسكو من جهة، والغرب بقيادة فرنسا والولايات المتحدة من جهة أخرى. فبينما تعتمد روسيا على أدوات غير رسمية كـ”فاغنر”، تسعى القوى الغربية للحفاظ على نفوذها عبر قواعد عسكرية ودعم استخباراتي، دون أن تُقدِّم حلولًا تنموية تلامس الواقع المحلي.

معركة الرواية والوعي.. صراع النفوذ لا يتوقف عند السلاح

وأشار زهدي إلى أن التنافس الدولي في الساحل لا يقتصر على الأرض فقط، بل يمتد إلى الفضاء الإعلامي، ومنصات التواصل الاجتماعي، والمجتمع المدني، حيث تسعى كل قوة لفرض روايتها وهيمنتها على الوعي المحلي.

وبيّن أن هذا الصراع غير التقليدي يُستخدم لتشكيل اتجاهات الرأي العام وتوجيهه بما يخدم مصالح الأطراف المتصارعة.

أطراف جديدة في المشهد.. بين الحذر والتموضع

ونوّه الخبير الإفريقي إلى أن الصين تتابع ما يجري بحذر وتتموضع بهدوء في الخلفية، بينما تحاول تركيا وإيران اختراق المنطقة عبر أدوات ثقافية ودينية ناعمة، مستغلة التحولات الجيوسياسية وضعف الدولة الوطنية.

الثمن الإنساني.. المواطن يدفع الفاتورة

وأكد زهدي أن المواطن الإفريقي هو الخاسر الأكبر في هذا الصراع، حيث يواجه مآسي إنسانية متفاقمة، تتجلى في النزوح الجماعي، الفقر المدقع، وانهيار الخدمات الأساسية، وسط غياب تام لحلول مستدامة أو رؤية شاملة للتنمية.

تهديد مباشر للأمن العربي والإفريقي

وفي ختام حديثه، شدد الدكتور رامي زهدي على أن ما يحدث في الساحل الإفريقي لا يمكن النظر إليه بمعزل عن الأمن القومي العربي والإفريقي، وخصوصًا الأمن القومي المصري. وأوضح أن مصر تتأثر مباشرة بالتطورات في هذه المنطقة، سواء عبر الامتداد الجغرافي في جنوب ليبيا والسودان، أو من خلال بوابة البحر الأحمر.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.