الشرع في مرآة واشنطن.. باراك يشبهه بمؤسس أمريكا وأستاذة العلوم السياسية توضح أبعاد التحول (خاص)
كتب : إسلام ماجد
في مشهد غير مألوف على الساحة الدولية، أثار السفير الأمريكي في تركيا والمبعوث الرئاسي الخاص إلى سوريا، توم باراك، زوبعة من الجدل بعد مقابلة تلفزيونية قارن فيها بين تجربة الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج واشنطن، وتجربة الرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع، تلك المقارنة التي بدت للبعض غريبة، بينما رآها آخرون تعبيرعن تحول سياسي لافت في الرؤية الأمريكية تجاه سوريا.
باراك، الذي مثل إدارة دونالد ترامب في ملفات الشرق الأوسط، شدد على أن بلاده لم تكن يوما تسعى لتغيير الأنظمة، معترف بفشل خمس محاولات سابقة لتغيير أنظمة في العقدين الأخيرين، وقال إن الولايات المتحدة لا تبني دولا، ولا تملي شروطا، بل ترفع العقوبات لخلق فرصة أمام من يريد أن يتقدم.
باراك يغازل الشرع ويُبعد واشنطن عن الأسد
في حواره على احدى القنوات ، بدا باراك واضحا في الإشارة إلى أن لا علاقة لأمريكا ببقاء أو رحيل النظام السوري القديم، محملا روسيا مسؤولية إنقاذ الأسد سابقا، وموجها الأنظار إلى أحمد الشرع، بوصفه من “أخذ المبادرة” في لحظة فارقة في التاريخ السوري.
وفي واحدة من التصريحات اللافتة، شبه باراك المرحلة التي يعيشها الشرع الآن بتلك التي خاضها جورج واشنطن، مؤسس الولايات المتحدة، حين قاد معارك الاستقلال ثم أصبح رئيساً بعد 12 عاماً من النضال، وهو ما اعتبره البعض رسالة ضمنية حول رؤية أمريكية لإعادة صياغة السلطة في سوريا، من بوابة دعم الشرع.
زيارة قصر الشعب تكشف ملامح التحول الأمريكي
زيارة باراك الأخيرة إلى قصر الشعب في دمشق، ولقاؤه الرسمي بالرئيس أحمد الشرع بحضور وزير الخارجية، أسعد الشيباني، لم تكن مجرد لقاء دبلوماسي، بل جاءت تتويجاً لمسار من التصريحات الأمريكية التي تروّج للشرع باعتباره “شخصية محورية” في إعادة بناء سوريا.
وخلال اللقاء، عبر باراك عن رغبة بلاده في دعم سوريا اقتصادياً، من خلال رفع العقوبات وتسهيل دخول الاستثمارات التركية والخليجية، مشدداً على أن “سوريا الواحدة الموحدة” هي المبدأ الذي ستُبنى عليه كل التفاهمات مستقبلا
دمج قسد في الدولة السورية وتفكيك الفيدرالية.
المباحثات بين الجانبين الأمريكي والسوري لم تخلُ من الملفات الشائكة، وعلى رأسها مستقبل قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، إذ دعا باراك تلك القوات إلى تسريع اندماجها ضمن مؤسسات الدولة السورية، مع تأكيده على وحدة الأرض والجيش. وهو ما رحبت به دمشق في بيان رسمي، شددت فيه على أن “لا مكان للفيدرالية” في مستقبل سوريا.
الحكومة السورية حذرت من أي تأخير في تنفيذ الاتفاق الموقع مع “قسد”، معتبرة أن دمج المؤسسات المدنية والعسكرية الكردية ضمن الدولة السورية، يشمل المعابر والمطارات وحقول الطاقة، ويُعد أولوية لاستعادة الاستقرار شمال شرق البلاد.
غاز تركيا يشعل ملف الطاقة السوري
في خضم هذه التحركات السياسية، أعلنت أنقرة عن خطوة مفصلية، بإعلان وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، عن الانتهاء من ربط شبكة الغاز التركية مع نظيرتها السورية، تمهيداً لتصدير الغاز إلى سوريا. وهو ما يعكس تقارباً اقتصادياً متسارعاً بين الجانبين، في ظل جهود دمشق لتوسيع شبكة الكهرباء بطاقة 5000 ميغاواط، وإنعاش قطاع الطاقة المدمر.
ويبدو أن ملف الطاقة سيكون أحد المحاور الأساسية في التعاون التركي السوري المقبل، خاصة أن تركيا أعلنت عن بحثها عن شركاء دوليين لدعم المشروع.
مفاوضات سلام خلف الكواليس ولبنان يراقب
وفي تطور آخر، أكد باراك أن الحوار بين سوريا وإسرائيل قد بدأ فعلياً، وسط دعم أمريكي لوقف الأعمال العدائية على الحدود السورية الإسرائيلية
وخلال لقائه الرئيس اللبناني، جوزيف عون، شدد على أن بلاده تسعى لفتح مسارات سلام متوازية بين سوريا وجيرانها، نافياً في الوقت نفسه صحة التقارير التي تحدثت عن محاولات لضم أراضٍ لبنانية إلى سوريا، واصفاً إياها بـ”الخيال السياسي”.
هل يُصنع التاريخ من جديد؟
ردود الفعل على تصريحات باراك تراوحت بين السخرية والتصديق ،ففي حين ذهب البعض إلى تأييد فكرة “تشابه المسارات” بين الشرع وواشنطن، رأى آخرون أن سوريا ليست أمريكا، وأن الظروف مختلفة تماما.
لكن ما لا يختلف عليه أحد، أن اللقاءات والتصريحات الأخيرة تشير إلى تغيّر جوهري في الموقف الأمريكي من الملف السوري، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول الدور القادم للشرع في إعادة رسم مستقبل البلاد.
نهى بكر: عودة سوريا مشروطة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل ومحاصرة الجماعات الإرهابية
في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، أكدت الدكتورة نهى بكر، أستاذ العلوم السياسية، أن مقعد سوريا في جامعة الدول العربية ظل مجمداً حتى عام 2023، وهو العام الذي شهد قراراً بفك التجميد، موضحة أن هذا القرار لا يزال سارياً حتى الآن، ما يعني أن مشاركة سوريا في اجتماعات الجامعة باتت ممكنة، لكن بشروط سياسية محددة على رأسها تغيير النظام ورحيل الرئيس بشار الأسد.
وأضافت أن المؤشرات الحالية تدل على أن دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، باتت مستعدة لدعم الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، لا سيما بعد ما أبدته الرياض من رغبة واضحة في دعم سوريا دبلوماسياً، ومن خلال دورها الفاعل في رفع بعض العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، وهو ما يمهّد الطريق أمام الشرع لممارسة صلاحياته كرئيس لدولة عضو في الجامعة العربية.
وفيما يتعلق بالموقف الأمريكي، أشارت أستاذة العلوم السياسية إلى أن سوريا لا تزال تُعد ملفاً مهماً في حسابات الولايات المتحدة بالشرق الأوسط، لكنها ليست على رأس الأولويات، معتبرة أن واشنطن تُركز حالياً على خطوات أكثر ارتباطاً بترتيب البيئة الإقليمية، خصوصاً فيما يخص ملف التطبيع مع إسرائيل.
وأوضحت أن الإدارة الأمريكية تتوقع من الحكومة السورية الجديدة اتخاذ خطوات جدية نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، تبدأ باتفاق مبدئي يضمن وقف جميع الأعمال العدائية، على أن تنضم سوريا لاحقاً إلى اتفاقيات أبراهام التي تشكّل مظلة إقليمية للتعاون والسلام، وهو ما تراه واشنطن عاملاً حاسماً في تعزيز الاستقرار وتوسيع دائرة الشراكة الإسرائيلية العربيةوتابعت أن واشنطن تطالب الحكومة السورية أيضاً بتحجيم المجموعات ذات المرجعية الإرهابية، بل وتضغط في اتجاه طردها من الأراضي السورية، وهو الملف الذي تسعى فيه الإدارة الأمريكية إلى شراكة مباشرة مع الشرع، حيث تطالب بمستوى عالٍ من الشفافية بشأن تلك الجماعات ومواقع انتشارها وتحركاتها داخل البلاد.
واعتبرت أن سوريا تمثل موقعاً جيوسياسياً بالغ الأهمية تتنافس عليه القوى الكبرى، مشيرة إلى أن واشنطن تنظر إليها باعتبارها ركيزة أساسية لتعزيز أمن إسرائيل، وفي الوقت ذاته نقطة استراتيجية يمكن من خلالها تقليص النفوذ الروسي، وهو ما يفسّر التوجه الأمريكي نحو دعم الدولة السورية الجديدة لمنع موسكو من إعادة ترسيخ وجودها العسكري والسياسي داخل سوريا.
وختمت الدكتورة نهى بكر تصريحاتها بالتأكيد على أن عودة العلاقات بين واشنطن ودمشق ليست مشروطة فقط بتنفيذ المطالب الأمريكية أو بمدى الدعم الخليجي، بل تتوقف أيضاً على قدرة الحكومة السورية الجديدة على وقف المذابح ذات الطابع العرقي والإثني، والتي بدأت بالتزايد في بعض المناطق، ما دفع المجتمع الدولي إلى مطالبة الرئيس أحمد الشرع بفرض سيطرته الكاملة على البلاد ومنع تكرار تلك الانتهاكات مستقبلاً، بما يحفظ وحدة سوريا وسلامة نسيجها الاجتماعي.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.