الفيضان المؤجل: هل تفجّر المرحلة الخامسة من ملء سد النهضة أزمة الإقليم

4

حوار علياء الهوارى

مع اقتراب يوم 20 يوليو، تعود أزمة سد النهضة إلى الواجهة مجددًا، هذه المرة وسط مخاوف متزايدة من أن تكون المرحلة الخامسة من الملء الأكبر والأخطر منذ بدء إثيوبيا خطواتها الأحادية في المشروع. وبينما تتحدث الأرقام عن أكثر من 60 مليار متر مكعب حُجزت حتى الآن، ترتفع وتيرة القلق في القاهرة والخرطوم حول ما قد تحمله الأيام المقبلة من تهديدات مباشرة للأمن المائي، وربما أيضًا للاستقرار الإقليمي.

في هذا الحوار الحصري، يفتح الباحث في الشأن الأفريقي، إسلام فكري نجم الدين، ملف سد النهضة من زاوية جديدة، كاشفًا أبعاد فنية وقانونية وسياسية خطيرة قد تقود المنطقة إلى نقطة اللاعودة، إن لم يتم تداركها بدبلوماسية حازمة أو حتى خيارات أكثر صرامة.
بدايةً، مع اقتراب موعد 20 يوليو، ما مدى خطورة المرحلة الخامسة من ملء سد النهضة؟

يؤكد الباحث إسلام فكري أن خطورة المرحلة الخامسة تكمن في أنها قد تشهد ملئًا استثنائيًا من حيث الحجم والسرعة، وهو ما ينذر بتداعيات مباشرة على الأمن المائي لمصر والسودان. ويضيف:

“حتى الآن، تم سحب نحو 60 مليار متر مكعب من المياه التي كان يفترض أن تصل إلى مصر خلال السنوات الست الماضية، لكن الدولة المصرية لم تتأثر بشكل مباشر بفضل مخزون السد العالي، ونتيجة الإجراءات الذكية التي تم اتخاذها في إدارة ملف المياه، من بينها تطوير منظومة الري، وترشيد الاستخدام، إلى جانب الاستفادة من الأمطار الغزيرة على الهضبتين الحبشية والاستوائية”.

ما أبرز المخاوف الفنية والبيئية المترتبة على المرحلة الجديدة من الملء؟

يوضح فكري أن الخطر لا يتوقف عند مجرد احتجاز المياه، بل يتعداه إلى تأثيرات مباشرة على النظم البيئية والمواسم الزراعية، خصوصًا في السودان، الذي قد يواجه خللًا في الدورة المائية الطبيعية.

“من أبرز المخاطر الفنية أن إطلاق إثيوبيا للمياه بشكل غير منظم أو مفاجئ قد يؤدي إلى إغراق أراضٍ سودانية وتعطيل كفاءة السدود المحلية هناك، مما سيؤثر سلبًا على الأنشطة الزراعية والاقتصادية”.

أما في حالة مصر، فيقول الباحث إن السد العالي لا يزال يمثل خط الدفاع الأول، حيث تتم موازنة الاحتياجات القصوى من المياه، ويجري تعويضها دوريًا.

هل يشكل هذا الملء انتهاكًا قانونيًا لاتفاق إعلان المبادئ لعام 2015؟

يؤكد الباحث أن الملء الأحادي دون اتفاق قانوني ملزم يعد خرقًا واضحًا لاتفاق إعلان المبادئ، وهو ما يعطي لمصر والسودان أحقية قانونية في المطالبة بوقف التصرفات الإثيوبية الأحادية.

“السند القانوني الأقوى الذي تستند إليه مصر والسودان هو مبدأ ‘عدم التسبب في ضرر لدول المصب’، وهو مبدأ راسخ في القانون الدولي لمياه الأنهار. ولكن حتى الآن لا يمكن قياس الضرر بدقة إلا بعد اكتمال عملية الملء الخامسة”.
في حال حدوث ضرر مائي، ما المسارات القانونية أو الدبلوماسية المتاحة؟

يوضح فكري أن هناك تدرجًا في أدوات الضغط، تبدأ من الدوائر الدبلوماسية كالاتحاد الأفريقي، ثم مجلس الأمن الدولي، وقد تصل إلى خيارات أكثر حدة، مثل التحرك العسكري بإخطار دولي.

ويضيف:

“تلوّح القاهرة بالفعل بخياراتها السيادية، بما في ذلك الردع العسكري حال استمرت إثيوبيا في التصعيد والتهرب من الالتزامات الدولية”.
هل هناك تأثير مباشر متوقع على السد العالي أو بحيرة ناصر؟

يرى الباحث أن التأثير المباشر على السد العالي لا يحدث إلا في حال انهيار مفاجئ لسد النهضة، وهي فرضية تظل قائمة في ظل الشكوك حول البنية الهندسية للمشروع.

“مصر تعمل بالفعل على سيناريوهات استباقية لتقليل أي ضرر محتمل، من بينها توسيع قناة توشكى، وتعميق بحيرة التمساح، إلى جانب تحديث قناطر أسيوط، وذلك لضمان إدارة أي اندفاع مائي مفاجئ”.

كيف تنظر للموقف الدولي من هذه الأزمة؟ وهل الصمت الدولي بمثابة ضوء أخضر لإثيوبيا؟

يرى فكري أن المجتمع الدولي، وبخاصة القوى الكبرى، تتهرّب من التدخل الجاد في ملف الأنهار الدولية خوفًا من فتح ملفات مشابهة تهدد مصالحها في مناطق أخرى.

“للأسف، هناك تواطؤ غير معلن، وبعض الدول تستغل إثيوبيا كورقة ضغط ضد مصر، ومن بينها إسرائيل، التي تحاول خلق توترات في حوض النيل لخدمة أجندات تتعلق بملفات إقليمية أخرى”.
هل قد يؤدي التعنّت الإثيوبي إلى تصعيد إقليمي أو إعادة رسم خريطة التحالفات؟

في ختام الحوار، يحذر الباحث من أن استمرار التصلّب الإثيوبي قد يقود إلى مواجهة إقليمية أو إعادة رسم لخريطة النفوذ في منطقة القرن الأفريقي.

“مصر لن تقبل أبداً بإنشاء ميناء عسكري إثيوبي في البحر الأحمر، ولن تسمح بالمساس بحصتها المائية. وفي حال التصعيد، فإن القاهرة تمتلك أدوات قوية قد تغير موازين القوى في المنطقة بأسرها.
ما بين مسار تفاوضي يبدو بلا نهاية، وملء خامس قد يكون الأخطر، تقف المنطقة على شفا أزمة جيوسياسية تتجاوز مجرد نزاع على مياه. وإذا لم تتدخل القوى الكبرى والهيئات الدولية بجدية لوقف هذا التصعيد الأحادي، فإن ملف سد النهضة قد يتحول إلى فتيل صراع مفتوح في قلب القارة السمراء.
ومع كل يوم يقترب من 20 يوليو، تبقى الأنظار معلقة على إثيوبيا، وترقب مصري-سوداني متوتر لما قد تحمله هذه المرحلة من مفاجآت.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.