القاهرة والرياض.. شراكة استراتيجية وتنسيق عربي لوقف النزيف في غزة
كتبت: هدير البحيري
في توقيت إقليمي بالغ الحساسية، التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز في مدينة نيوم بالمملكة العربية السعودية، حيث عقد الجانبان مباحثات موسعة تناولت تعزيز التعاون الثنائي في المجالات الاقتصادية والسياسية، بالإضافة إلى التنسيق المشترك حول القضية الفلسطينية وتطورات الأوضاع الإقليمية.
وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، السفير محمد الشناوي، أن ولي العهد السعودي رحب بزيارة الرئيس السيسي، مؤكدًا اعتزاز المملكة بالعلاقات الأخوية الراسخة مع مصر، وحرصها على دفع التعاون الثنائي نحو آفاق أرحب تحقق مصالح البلدين وتلبي تطلعات شعبيهما. كما ثمن الدور المحوري لمصر في تعزيز الأمن والاستقرار والتنمية إقليميًا.
من جانبه، عبر الرئيس السيسي عن تقديره لحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، مشيدًا بخصوصية العلاقات بين البلدين، مؤكدًا تطلعه إلى البناء على ما تحقق من نقلة نوعية في الشراكة المصرية السعودية، بما يسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري المشترك.
وأوضح المتحدث الرسمي أن اللقاء تناول سبل تطوير التعاون الثنائي، حيث تم الاتفاق على تعزيز الاستثمارات المشتركة، والإسراع في تدشين مجلس التنسيق الأعلى المصري السعودي، إضافة إلى إطلاق شراكات في مجالات التكامل الصناعي، وتوطين الصناعات التكنولوجية، والطاقة المتجددة، والنقل والتطوير العمراني.
القاهرة والرياض تؤكدان دعم فلسطين ووقف الانتهاكات في غزة والضفة الغربية
وعلى الصعيد الإقليمي، ناقش الزعيمان تطورات الأوضاع في قطاع غزة، حيث أكد الرئيس السيسي استمرار الجهود المصرية لوقف إطلاق النار بالتنسيق مع الأطراف المعنية، فيما شدد الجانبان على دعم المبادرات السعودية الخاصة بالقضية الفلسطينية، وآخرها مخرجات مؤتمر حل الدولتين. كما توافقا على ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع دون عوائق، والإفراج عن الرهائن والأسرى، ورفض أي محاولات لتهجير الفلسطينيين أو إعادة فرض الاحتلال العسكري الإسرائيلي على غزة، إضافة إلى وقف الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
كما اتفق الجانبان على مواصلة التنسيق والتشاور المشترك إزاء مختلف القضايا الإقليمية والدولية، مع التأكيد على دعم استقرار دول المنطقة، والحفاظ على وحدة أراضيها ومؤسساتها الوطنية.
أبو بكر الديب: القضية الفلسطينية لم تعد تحتمل المماطلة أو التجاهل!
وقال أبوبكر الديب مستشار المركز العربي للدراسات، ومدير منتدي تطوير الفكر العربي للأبحاث، والباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي في حوار خاص لـ”نافذة الشرق” إن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى المملكة العربية السعودية في هذا التوقيت تعكس رؤية استراتيجية واعية، تتجاوز حدود العلاقات الثنائية نحو رسم خريطة تحرك عربي موحد في مواجهة التحديات الإقليمية المتصاعدة. وأوضح أن ما يجمع القاهرة والرياض ليس فقط علاقات تاريخية راسخة، بل إرادة سياسية صلبة تعمل باستمرار على الحفاظ على توازن المنطقة وحماية المصالح العربية العليا.
وأضاف الديب أن الزيارة تأتي في ظل ظروف شديدة الحساسية، أبرزها استمرار الحرب في قطاع غزة وتصاعد التدخلات الخارجية في شؤون الدول العربية، وهو ما يجعل اللقاء بين القيادتين أكثر من مجرد تشاور دبلوماسي، بل خطوة مدروسة نحو صياغة موقف عربي جماعي يعيد ترتيب الأولويات ويؤكد أن الاستقرار لن يأتي إلا من داخل المنطقة وبإرادة أبنائها.
وأشار إلى أن ما يميز اللقاء بين الرئيس السيسي وولي العهد السعودي هو الصراحة الكاملة والاتفاق الواضح حول أن القضية الفلسطينية لم تعد تحتمل مزيدًا من المماطلة أو التجاهل. فاستمرار العدوان على غزة والكارثة الإنسانية المتفاقمة هناك يفرضان تحركًا سريعًا وجريئًا لوقف إطلاق النار وفتح مسارات آمنة للمساعدات الإنسانية، والضغط على المجتمع الدولي من أجل حل شامل وعادل لا يكتفي بإدارة الأزمة، بل يعالج جذورها التاريخية والسياسية، وهو ما تلتقي عليه الرؤية المصرية السعودية دون مواربة أو حسابات ضيقة.
أكد الديب أن اللقاء يعكس تفهمًا عميقًا بأن أمن الخليج مرتبط بأمن مصر، وأن وحدة المصير العربي تتطلب تجاوز الخلافات الهامشية لبناء موقف موحد يحمي المنطقة من مشاريع التقسيم والهيمنة ويقطع الطريق أمام الجماعات المتطرفة. وأضاف أن القاهرة والرياض تمتلكان أدوات تأثير إقليمي ودولي تتيح لهما تحريك الملفات وفرض إيقاع مختلف على المشهد السياسي العربي.
وأوضح الديب أن ما يمكن أن تقدمه مصر والسعودية لوقف نزيف الدم في غزة يتجاوز الجانب السياسي إلى أبعاد إنسانية وتنموية وأمنية، فمن خلال التنسيق المستمر يمكن توفير ممرات آمنة للإغاثة وإعادة تأهيل ما دمره العدوان، والعمل على دعم المؤسسات الفلسطينية في غزة والضفة كمدخل لإعادة اللحمة الوطنية وبناء سلطة موحدة قادرة على التفاوض بجدية. كما يمكن للقاهرة والرياض التحرك عربيًا وإسلاميًا لتشكيل جبهة ضغط دولية تُعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام وتُحمل الاحتلال مسؤوليته عن الجرائم والانتهاكات.
وشدد الديب على أن زيارة الرئيس السيسي تحمل أيضًا رسائل واضحة للداخل المصري وللرأي العام العربي، مفادها أن مصر تتحرك بثقة في ملفاتها الخارجية وتضع القضية الفلسطينية في صدارة أولوياتها دون مزايدات أو شعارات، فهي سياسة تعتمد على الفعل لا الخطابة، وتترجم الدعم التاريخي للفلسطينيين إلى تحرك عملي يجمع بين الدعم الإنساني والتنسيق السياسي والتحرك الدبلوماسي المدروس.
أما على المستوى الثنائي، فأوضح الديب أن العلاقات بين مصر والسعودية تشهد تطورًا ملحوظًا في مختلف المجالات، من الاقتصاد والاستثمار إلى الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا، وهو تعاون يقوم على المصالح المشتركة والرؤية المستقبلية، ويؤكد أن التحالف بين البلدين ليس طارئًا أو مرتبطًا بظرف سياسي بل شراكة ممتدة تتجدد مع كل تحدٍ يواجه الأمة.
وفي ظل المشهد العربي الراهن ووسط حالة السيولة السياسية والصراعات المستمرة، قال الديب إن القاهرة والرياض تبرزان كركيزتين رئيسيتين للاستقرار والتوازن في المنطقة، ومتى اتفقت العاصمتان يمكن للمنطقة أن تتنفس الأمل من جديد، إذ إن التنسيق المصري السعودي لم يكن يومًا مجرد رد فعل، بل دائمًا ما سبق بخطوة من يدبرون الأزمات ويشعلون الحرائق.
وأضاف الديب أن هذه الزيارة تمثل محطة مهمة لإعادة ضبط البوصلة في ملفات إقليمية حساسة، ليس فقط في غزة بل في لبنان وسوريا واليمن والسودان، حيث تسعى مصر والسعودية إلى تبني حلول تحفظ وحدة الدول وتصون مؤسساتها وتقضي على مصادر الفوضى والتدخلات الأجنبية.
ولفت الديب إلى أن ما لا يقل أهمية هو ما تعكسه الزيارة من توافق حول أولويات التنمية في العالم العربي في مرحلة ما بعد الأزمات، إذ إن القاهرة والرياض تعلمان أن الحلول الأمنية وحدها لا تكفي، بل لا بد من إطلاق مشروعات تنموية واقتصادية تخلق فرصًا حقيقية وتحمي الشباب من الوقوع فريسة التطرف والهجرة واليأس. وهو ما يتطلب بيئة استثمارية مستقرة وتعاونًا إقليميًا واسع النطاق لا يقف عند حدود جغرافية أو سياسية.
وأكد الديب أن من يتابع التحركات المصرية السعودية يدرك أن هناك رؤية عميقة للمستقبل، تنطلق من قراءة واقعية للمشهد وتحولات النظام الدولي، لذلك فإن هذه الزيارة بما تحمله من دلالات سياسية وأبعاد استراتيجية تشكل خطوة على طريق طويل يحتاج إلى مزيد من التنسيق وتكثيف الجهود حتى تستعيد المنطقة عافيتها وتستعيد الشعوب العربية حقها في الأمن والكرامة والعدالة.
واختتم الديب حديثه بالتأكيد على أن زيارة الرئيس السيسي إلى المملكة تعكس تحركًا مسؤولًا من قيادتين تدركان أن التحديات لن تُواجه إلا بوحدة الصف وبناء التوافق، وأن فلسطين ليست مجرد عنوان سياسي بل اختبار حقيقي للضمير العربي ولمدى القدرة على صناعة موقف موحد يرفض الاحتلال ويدعم الحقوق ويرفع الصوت عاليًا بأن الدم الفلسطيني ليس رخيصًا، وأن الأمن الإقليمي لا يمكن أن يستقر ما دام هناك ظلم واقع على شعب أعزل، مشددًا على أن هذا اللقاء يؤكد أن مصر والسعودية لا تتحركان فرادى، بل كقلب واحد وعقل واحد وضمير واحد يقود العالم العربي نحو مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة وكرامة، وهو ما ينتظره ملايين العرب في غزة والضفة وفي كل عاصمة عربية تتطلع إلى سلام حقيقي قائم على الحق لا على حسابه.
معمر السليمان: القاهرة والرياض تسعيان لتوحيد المواقف لمواجهة التحديات الإقليمية
وقال الباحث السعودي في الشؤون السياسية معمر السليمان لـ”نافذة الشرق” ، إن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى المملكة العربية السعودية تحمل دلالات استراتيجية واضحة، مشيرًا إلى أنها تأتي في توقيت تشهد فيه المنطقة توترات متصاعدة، لا سيما في قطاع غزة وما يرافقه من تجاذبات إقليمية ودولية.
وأضاف السليمان أن الرسالة الأساسية لهذه الزيارة تتمثل في حرص القاهرة والرياض على توحيد المواقف لمواجهة التحديات الإقليمية، وإبراز ثقلهما كـدعائم رئيسية للاستقرار في العالم العربي.
وأكد أن التوقيت يعكس إدراك القيادتين لأهمية اتخاذ موقف موحد قبل أن تُفرض القرارات على المنطقة بما لا يخدم مصالحها.
وأوضح السليمان أن القمة تحمل بعدًا محوريًا فيما يخص قطاع غزة، لافتًا إلى أن مصر تلعب دورًا مباشرًا بحكم الجغرافيا والملف الأمني، بينما تمتلك السعودية ثقلًا سياسيًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا على المستوى الدولي.
وقال إن الجمع بين هذين الدورين يفتح المجال أمام صياغة مبادرة أقوى لوقف العدوان وتحريك الجهود الدولية باتجاه حل سياسي يحترم الحقوق الفلسطينية، مضيفًا أن القمة قد تشكل نقطة انطلاق لتنسيق عربي أوسع في التعامل مع الأزمة.
وأشار السليمان إلى أن العلاقات المصرية-السعودية تقوم على شراكة استراتيجية متينة، وأن القمة تؤكد على عمق هذه الشراكة.
وأضاف أن هناك حاجة لتعزيز التنسيق في الملفات الاقتصادية والاستثمارية والأمنية، خاصة في ظل المتغيرات الإقليمية، مؤكدًا أن القاهرة والرياض ليستا مجرد دولتين جارتين، بل شريكان أساسيان في بناء مستقبل المنطقة في مجالات الطاقة، والأمن القومي العربي، وملفات التنمية.
ولفت السليمان إلى أن القمة ترسل إشارة واضحة إلى أن التنسيق المصري-السعودي يشكل مدخلًا رئيسيًا لتفعيل العمل العربي المشترك، موضحًا أنه عندما تتفق الرياض والقاهرة يصبح من الممكن بناء توافق عربي أوسع، خصوصًا في ملفات مثل فلسطين، وأمن البحر الأحمر، وأمن الطاقة.
وأشار إلى أن التحديات الدولية، مثل الحرب في أوكرانيا وتداعياتها الاقتصادية، تجعل التضامن العربي ضرورة وليست خيارًا، ما يجعل مخرجات القمة رافعة مهمة لإعادة إحياء العمل العربي المشترك على أسس أكثر عملية وفاعلية.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.