اللواء محمود الرشيدي مساعد وزير الداخلية لأمن المعلومات سابقا لنافدة الشرق : مصر ستعاني في حال عدم إنشاء وزارة الأمن السيبراني

2

حوار محمد صفوت

الذكاء الاصطناعي يهدد الأمن العام المصري ويجب تعريبه
مصر تتعرض لهجمات سيبرانية عنيفة بسبب تمسكها بمساندة حقوق الشعب الفلسطيني
إدارة مباحث الأنترنت يجب تطويرها وتتحول إلى قطاع داخل وزارة الداخلية
أميركا والصين يهمهم مصالحهم التكنولوجية حتى لو على حساب العرب

سنعاني ونعاني في حال عدم إنشاء وزارة للأمن السيبراني … هذا ما يمكن استخلاصه من المتابعين لمدى تعاظم دور الأمن السيبراني في العقدين الأخيرين ومعاناة مصر في الفترة ما بين ثورتي يناير 2011 و 30 يونيو 2013 من هجمات إلكترونية تمكنت الأجهزة المصرية من التعامل معها بمهنية شديدة وتخطي تلك المرحلة الصعبة.
لذا توجهنا لمعرفة الرأي السديد من صاحب الخبرة الواسعة والنظرة المستقبلية سيادة اللواء محمود الرشيدي مساعد وزير الداخلية لأمن المعلومات سابقا والرئيس السابق لإدارة مباحث الأنترنت في وزارة الداخلية وإلى نص الحوار :

لماذا ترى في وجهة نظرك سيادتك دواعي أمنية شديدة الأهمية من أجل إنشاء وزارة الأمن السيبراني Cyber Security Ministry ؟

باديء ذي بدء لا يمكن تجاهل التقدم التكنولوجي المتصاعد حاليا ولا يمكن أنكار أثر هذه الثورة المعلوماتية والتكنولوجية في إحداث تغيرات جذرية بجميع جوانب الحياة، وأضحت الاستخدامات التكنولوجية ركيزة أساسية في تحقيق التنمية المستدامة والأمن والسلام بالنسبة للكائنات والافراد ، ولذا أي استخدام غير آمن وغير مشروع للتقنيات التكنولوجية بالتأكيد سيسبب أضرار كثيرة للمجتمعات والدول والكيانات والافراد.
قطاعات الرصد والمتابعة أثبتت أن هناك استخدامات كثيرة غير مشروعة وغير آمنة للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي ، ولم يعد سرا استخدام بعض الدول لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في حروبها الأخيرة من خلال استخدام الأساليب العصرية على شاكلة الحروب المعلوماتية والهجمات الالكترونية وما شابه.
وتباعا معظم الدول تعتمد بشكل استراتيجي وشبه مطلق على الاستخدامات التكنولوجية والانترنت و مواقع التواصل الاجتماعي بكافة أنواعها وشبكات المعلومات والاتصالات من اجل تأدية جميع خدماتها وأنشطتها ، وبالتالي كان لا بد من استخدام وسائل الحماية والوقاية اللازمة لحماية كافة انظمة المعلومات المستخدمة داخل الدولة ضد أي نوع من الهجمات الالكترونية سواء الداخلية منها أو الخارجية فضلا عن الاستخدامات غير المشروعة وغير الآمنة للتكنولوجيا.
لا يمكن أيضا أن ننكر دور وزارة الأتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر من ناحية Automazation أو ميكنة نظم المعلومات في مصر والتوعية التكنولوجية وما شابه ذلك ولديها الكثير من الخدمات والمهام الكبيرة والشاقة.
فضلا عن ذلك وصل التطور التقني الحالي إلى مستويات سريعة جدا في التصاعد وتعاظم الاستخدام المتصاعد والمتزايد للهجمات الالكترونية بين الدول وبين الكيانات.
كل ما سبق ألهمني دائما في جميع اللقاءات التوعوية بالجماهير إلى حتمية وجود وزارة للأمن السيبراني Cyber Security Ministry ، هذه الوزارة الهدف الاساسي لها هو حماية الفضاء الإلكتروني المصري من أي هجمات داخلية أو خارجية فضلا عن حماية كافة الجهات الحكومية ومؤسسات القطاعين العام والخاص التي تتعامل مع المواطنين بشكل كامل عن طريق التكنولوجيا ، لذا تتعرض تلك الجهات والمؤسسات لاختراقات أو هجمات قرصنة إلكترونية ، وهو ما حدث سابقا في كثير من البنوك أو الهيئات ، لذا يجب على الدولة أن تتأكد من أن هذه المؤسسات والهيئات تطبق بشكل مثالي احدث معايير الأمن والسلامة التكنولوجية لهذه النظم والمعلومات.
بالطبع وزارة الأمن السيبراني في حال تواجدها يمكنها المرور على كافة مؤسسات الدولة الموجودة حتى تتأكد من تطبيقها لأحدث المعايير في الحماية والتوعية والدفاع التكنولوجي ضد أية هجمات داخلية أو خارجية ، فضلا على قيامها بنشر التوعية التكنولوجية المتعلقة بحتمية حماية الأمن السيبراني لجميع أجهزة ومؤسسات الدولة ، ويتخطى ذلك ليشمل الأفراد في استخداماتهم التكنولوجية ، علاوة على ذلك ستقوم وزارة الأمن السيبراني بالتنسيق مع دول العالم التي قامت بطفرة واضحة في مجال الأمن السيبراني للوقوف على أحدث الأبحاث والنظم الآلية المتبعة.
ومن مهام وزارة الأمن السيبراني عقد دورات تدريبية للكائنات والأفراد للارتقاء بمستواهم التكنولوجي في مكافحة الهجمات الالكترونية الداخلية والخارجية أو منع الاستخدام غير الآمن وغير المشروع للتكنولوجيا.
في ضوء ما تقدم لزم إنشاء هذه الوزارة أو على الأقل هيئة مستقلة تكون متفرغة تماما لحماية الفضاء الإلكتروني المصري من أية هجمات إلكترونية داخلية أو خارجية أو محاربة الأستخدام غير الآمن أو غير المشروع.

هل تعتقد في وجهة نظر حضرتك أنه لو تواجدت تلك الوزارة في الفترة ما بين 2011 و 2013 كان بالإمكان لمصر تجنب المخاطر الأمنية الناجمة عن الهجمات السيبرانية الشرسة على مصر ما بين ثورتي 25 يناير 2011 و 30 يونيو 2013؟

بالتأكيد، لو تواجدت وزارة الأمن السيبراني في عام 2011 وما تلاها حتى 30 يونيو 2013 من مخاطر واضحة، لكان بإمكانها أن تخفف أو تتوقع على الأقل حجم الهجمات الإلكترونية ، ففي تلك الفترة تعرضت مصر لآلاف الهجمات الإلكترونية من الخارج ومن بعض الدول المجاورة للأسف.
والحمد لله تم التعامل مع هذه الهجمات بالتنسيق مع الأجهزة السيادية في الدولة والإدارات المتخصصة داخل وزارة الاتصالات، وتم وقتها اتخاذ الإجراءات الاحتياطية والوقائية اللازمة , ولكن كان ذلك عملاً استثنائياً طارئاً بالنسبة لهذه الأجهزة قامت به مشكورة.
لكن لو تواجدت وزارة أو هيئة متخصصة في الأمن السيبراني لكان هذا هو عملها الأساسي، ولكان بإمكانها أن تؤدي مهامها بأحدث التقنيات والأجهزة. وكما أقول منذ عام 2011 وحتى اليوم مر 14 سنة جعلت الحاجة تتزايد إلى مثل هذه الوزارة المتخصصة للتعامل مع التقدم التكنولوجي الذي لا يتوقف إطلاقا و يتطور اسرع من عدائين سباقات السرعة.
بلا شك فإن الهجمات التي تعرضت لها مصر في عام 2011 تختلف تمامًا شكلًا ونوعًا وكما وحجمًا وأسلوبًا وتكنولوجيا عن الهجمات المستخدمة حاليًا.
ونحن نسمع الآن عن تنافس ساخن بين دول كبرى وعظمى في العالم كالصين وأمريكا واليابان وألمانيا وإنجلترا في مجال الهجمات الإلكترونية. وهذا لا علاقة له إطلاقا بعلاقات الصداقة بين الدول، فدائمًا ودوما ما تكون الوسائل التكنولوجية مسخرة ومستمرة للحصول على المعلومات خلال الساعة من كافة أجهزة الدول، وإما أن يكون ذلك للحصول على المعلومات (For Information) أو للتقليل من حجم إنجازات دولة معينة من خلال نشر الشائعات وما شابه ذلك.
فكل هذه الأمور تتطور بشكل غير مسبوق، وبالتالي لابد من وجود جهة مستقلة داخل الدولة المصرية تكون على علم وبيّنة بآخر التطورات التكنولوجية في مجالات الاختراق الإلكتروني والاستخدام غير الآمن وغير المشروع.
ويجب بأقصى سرعة أن نفرغ وزارة السلطة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من أجل جهود ميكنة نظم المعلومات في الدولة ودعم التقدم التكنولوجي.
بشكل مستمر نحاول مسايرة التقدم التكنولوجي وتسير فيه الدولة المصرية بخطى سريعة وتحقق فيه أشواطاً بعيدة جداً، لكن هناك جانباً آخر سلبياً يتمثل في الاستخدام غير الآمن وغير المشروع فضلا عن ارتكاب جرائم سيبرانية والقيام بسيل من الهجمات الإلكترونية لذا اضطرت اغلب دول العالم العالم إلى زيادة ميزانية البحوث العلمية في الأمن السيبراني وأصبح له دراسات خاصة متطورة للغاية.

لو تخيلنا بأنه تم اختيار سيادتك من قبل مجلس الوزراء لعمل لجنة أو هيئة لاختيار وزير للأمن السيبراني من هي الشخصية التي ستختارها ولماذا ؟

مصر مليئة بالكثير من الكفاءات العالية في مجال التكنولوجيا وتعمل بالخارج في أحدث شركات الأمن الالكتروني ، وداخل مصر يوجد شخصيات متميزة مثل الدكتور محمد نجيب وهو محترم وذو كفاءة خلقا وعلما والاستاذ الدكتور أحمد الشربيني وهو قيمة وقامة في مجال الأتصالات وتكنولوجيا المعلومات والدكتور محمد محسن واعتذر لو نسيت بعض الأسماء ، وهذه الأسماء التي ذكرتها على علم بشخصيات أخرى ، وعلى الدوام مصر زاخرة جدا بالكفاءات لكن ما يهم يتجلى عند الاتفاق مع أحد هذه الأسماء من خلال الألتزام بتوفير كل ما يطلبوه من إمكانيات مالية وتقنية للوصول إلى النجاح المطلوب.

ما هي الدول التي سبقتنا في تنفيذ خطط الأمن السيبراني وكيف نستفيد من التعاون معها بطريقة تتناسب مع الأمن العام المصري؟

بعض الدول العربية سبقتنا في هذا الأمر ، السعودية والإمارات لديهم هيئة للأمن السيبراني ويعمل لديهم مصريون ، الأمر لن يحتاج منا لخطوات طويلة ، مجرد تشكيل جهاز نستقطب فيه خبراتنا وأولادنا الموجودين بالخارج ، وأنا متأكد من حواري شخصيا مع العديد منهم أنهم يريدوا خدمة مصر بكل حماس وعزيمة والمساهمة في الحفاظ على الأمن والأمان لبلدنا الحبيبة.
يوجد مزيد من الدول على مستوى العالم مثل أمريكا وبريطانيا وألمانيا لديهم جميعًا هيئات متطورة جدا للأمن السيبراني.
في الوقت الحالي الحروب ليست كما كانت في السابق فهي حروب الكترونية وحتى مع الذكاء الإصطناعي لن تكون الحروب بالجنود و إنما عن طريق روبوت وذباب الكتروني ، كل ذلك يحتاج إلى التوعية اولا وأخيرا.
وبكل وضوح تواجه مصر حالة عدائية غير مسبوقة من قبل بعض الدول الكبرى لتمسكنا بالكرامة ومناصرة حقوق الشعب الفلسطيني ولأننا كشعب وكقيادة لا نعرف سوى العزة والشفافية والكبرياء وطبعا لا نخضع لأية تهديدات ، كما أن القيادة السياسية عبرت عن نبض الشارع المصري ولم تخضع لأية تهديدات دولية للتفريط في حق الشعب الفلسطيني أو العبور في قناة السويس مجانا وبالتالي اتوقع هجمات أشرس في القادم، وحاليا يوجد هجمات إلكترونية قوية ولن تتوقف عن طريق إطلاق شائعات مغرضة و احيانا تتغير في ظهور رغبة جامحة للحصول على معلومات ، وهذا من الطبيعي بين الدول الأعداء لكنه في السنوات الأخيرة أصبح وارد جدا أن يحدث بين الدول الصديقة.

بالتأكيد حضرتك رأيت نماذج عديدة لوزارات الأمن السيبراني ، كيف رأيت سيادتك تخطيطها وآلياتها وأقسامها حتى يفهم المواطن كيف ستكون ؟

اولا يجب التأكد أن وسائل الاتصال قد تطورت بشكل مخيف فمثلا تطبيق الواتس لديه سيرفرات موجودة في الخارج يتم تحميلها بكل المعلومات، وحينما يتم إرسال رسالة عبر الواتس يراها المستقبل عقب إرسالها من قبل الراسل ومرورها على سيرفرات التطبيقات ، وكلنا اصبحنا لا نستغني عن استخدام شبكات المعلومات والاتصالات واصبح الاتصال مفتوح اغلب الوقت من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعي العالمية.
أنا هنا أتحدث عن وزارة الأمن السيبراني الذي يجب أن تتضمن حتما القطاع الفني ، هذا الجزء الفني أو الإدارة الفنية داخل هذه الوزارة مسؤولة عن التأمين الإلكتروني.
هذا القطاع الفني هو من سيتم سؤاله فنيا في حال وجود اختراقات سيبرانية فضلا عن التأكد من صد اي هجمات إلكترونية في مهدها وعدم وجود من يتنصت على مستخدمين تطبيقات التواصل الاجتماعي، والتأكد تماما من الرقابة على مستخدمي الذكاء الاصطناعي بشكل غير آمن وغير مشروع وما شابه ذلك.
هذا قطاع فني بحت ويوجد العديد من الكوادر المصرية القديرة والمؤهلة له.
أما الجزء الثاني فهو القطاع التوعوي، حيث يجب توعية الناس لأن المسؤولية اليوم لم تعد مسؤولية فردية.
المواطن العادي اليوم لديه هاتف محمول يمكنه تصوير شيء ما وتسجيله على هاتفه ثم نشره في العالم كله، مما قد يضر حتى لو كان عن دون قصد بالأمن القومي المصري.
ولذا استوجب في الوقت الحاضر اهمية التوعية بالاستخدام الآمن والمشروع والقانوني بالتكنولوجيا، فضلا عن التشديد على وجود عقوبات وقوانين صارمة عند الخطأ أو التجاوز.
أيضا في عصر العالم الرقمي أصبحت كافة البنوك والمؤسسات تتصل بالعالم الخارجي ولذا يجب وجود قطاع من الرقابة والدعم في وزارة الأمن السيبراني للتواصل مع البنوك والمؤسسات من أجل التأكد من قيامهم بكافة الإجراءات الألكترونية الاحترازية ضد القرصنة والهجمات التكنولوجية.
وبلا شك سيتواجد في الوزارة قطاع خدمة العملاء وعمله على مدار 24 ساعة لتلقي البلاغات من المواطنين أو حتى النصائح التقنية من المتخصصين لكي تكون دوما مواكب لأي تطور معلوماتي يحدث بين عشية وضحاها.

باعتبار سيادتك رئيس إدارة مباحث الأنترنت سابقا هل تعتقد أنه من الواجب تطويرها لتواكب ما يحدث من تغيير مضطرد في هذا الجانب ؟

وزارة الأمن السيبراني هام جدا لمواجهة التقدم التكنولوجي في مجالات الاختراق والاستخدام غير الآمن وغير المشروع.
كذلك الحال بالنسبة لإدارة مباحث الإنترنت، وأنا كنت رئيسها سابقا، ولكن اليوم أقول مع التقدم التكنولوجي، لابد أن نتوسع في الهيكل التنظيمي لإدارة مباحث الإنترنت لأنها ما زالت إدارة جزئية داخل قطاع .
أطالب وأناشد وزارة الداخلية والسيد الوزير المحترم و زميل العمر سيادة اللواء محمود توفيق بضرورة التوسع في الهيكل التنظيمي لإدارة مباحث الإنترنت لمواجهة التطورات التكنولوجية والاستخدام غير الآمن وغير المشروع للإنترنت بحيث تكون على مستوى “قطاع” وليست مجرد إدارة داخل قطاع ويكون لهذا القطاع إدارات عامة في كل المحافظات وليست مكاتب فقط ، وذلك لأننا في عصر العالم الرقمي لم يعد الأمر مرتبط بالقاهرة والاسكندرية فقط بل تنامى الأستخدام غير الآمن وغير المشروع ليصبح أكثر توسعا في محافظات الوجه القبلي والبحري نظرا لقصور واضح في الوعي وقصور أوضح في إتخاذ الإجراءات.
مباحث الأنترنت تقوم بجهد كبير لكن الأعباء أصبحت كبيرة جدا وتحتاج أن تكون قطاع أو إدارة عامة ويتم دعمها بالإمكانيات المادية واللوجستية والعناصر البشرية المتميزة لأن ثمة خلل يحدث في أي محافظة يؤثر على الأمن الوطني المصري.

ما هو الجانب السلبي في الذكاء الإصطناعي الذي يمكن أن يؤثر على الأمن المصري وكيف يمكن تنقيته لكي يستفيد منه الشعب المصري إيجابا دون تأثير على القيم المجتمعية ؟

الذكاء الاصطناعي هو خوارزميات معينة يتم تخزينها في الآلة أو في الروبوت لكي تحاكي الإنسان في قدراته ، وله ثلاثة أنواع: ذكاء اصطناعي عادي وذكاء اصطناعي خارق وذكاء اصطناعي متميز.
هناك عدة أنواع وتطبيقات للذكاء الاصطناعي ولكننا لم نصل بعد إلى ذكاء اصطناعي يفوق عقل الإنسان ، الذكاء الاصطناعي يمتلك تطبيقات ممتازة جداً، وكما ذكرت سابقاً أكثر استخداماته تتعلق بشن الهجمات الإلكترونية.
وبالتالي أعود لأقول مجدداً: أرأيت كيف أصبحنا بحاجة إلى جهة متخصصة في الأمن السيبراني لمواجهة المخاطر التي قد تترتب على الاستخدام غير الرشيد للذكاء الاصطناعي؟
اكبر مشكلة تتمثل في كون الذكاء الاصطناعي عبارة عن خوارزميات وبرامج يتم تخزينها في الروبوت من قبل المبرمجين ، وبوضوح انا لا اضمن وأشك في توجهات هؤلاء المبرمجين نحو افكار معينة سواء دينية أو سياسية أو اجتماعية قد لا تتفق مع افكار وعادات المجتمع العربي بشكل عام والمصري بشكل خاص ، لذا اقول دائما ألا تعتمد بشكل مطلق ونهائي على معلومات الذكاء الإصطناعي ، ويظهر الأمر بوضوح في تطبيق الواتس إذ أنه بمجرد الضغط على علامة معينة يمكنك سؤال التطبيق عن أي سؤال ويقوم بالإجابة عليه ، ولهذا لا يجب أن تكون موافق بنسبة مائة بالمائة على إجابات تطبيقات الذكاء الإصطناعي فيجب تحكيم العقل وأخذ المعلومة من عدة مصادر.
الذكاء الاصطناعي بالتأكيد يحقق لنا فوائد عظيمة أهمها التوفير في تكلفة تنفيذ الأعمال وتقليل الوقت والخسائر البشرية ويمكن استخدامه كحائط صد مضاد لأية هجمات إلكترونية ، بل يستطيع ايضا توقع حجمها ومن اي دولة ستأتي.
على الجانب الآخر أعظم سلبيات الذكاء الإصطناعي تتمثل في تسببه بزيادة نسبة البطالة وخاصة على صعيد مهن معينة مثل رجال الأمن وموظفين خدمة العملاء لأنه يمكن تعويضهم عن طريق الروبوت أو الأجهزة التكنولوجية المتقدمة.
من سلبيات الذكاء الإصطناعي غياب المسائلة القانونية، ففي بعض سيارات التوصيل الخاصة قد تستغني عن السائق ويتم قيادة السيارة من قبل الذكاء الإصطناعي بدون سائق وحينها يمكن أن يحدث لا قدر الله حادث إصطدام فمن سيكون حينها المسؤول قانونيا عن الحادث.
ولا جدال يتمثل خط الدفاع الأول في مواجهة الهجمات الألكترونية على هيئة التوعية التكنولوجية لأستخدام التقنيات بشكل آمن ورشيد ومشروع والتعرف على استخداماتها ، والطبيعي أن إجراءات الوقاية ستقلل الخسائر حتما.
أما اسوا سلبيات الذكاء الإصطناعي تتمثل في إمكانية أستخدام الصوت بشكل سلبي ،
وعلى سبيل المثال كلنا نستخدم الرسائل الصوتية في تطبيقات عديدة أهمها الواتس ، فلو افترضنا تم تضبيط بصمة الصوت لأحد المشاهير على كلمات أخرى تحمل تجاوز بشكل ما في فيديو له وهو يتحدث ليتم بعدها تضبيط حركة الشفاه أو ما يسمي بالأنحليزية Lip Sync من خلال أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل إحترافي ، وفي النهاية يظهر الفيديو أمام المشاهد العادي كأن هذا الشخص المشهور قد تجاوز لفظيا ، وقولا واحدا سيكون الأمر فيه تشويه لسمعة الشخص المشهور وقد يلاحقه قضائيا من تم التجاوز في حقه.
وكلنا رأينا فيديوهات من هذا القبيل تم تركيب التردد أو البصمة الصوتية لشخصيات عالمية كبرى على الصورة وبشكل دقيق جدا وترى مقطع فيديو بالذكاء الإصطناعي لرئيس أميركا أو رئيس فرنسا وكأنه يتحدث في أمور شديدة الخطورة سياسيا وهي أحد مهام إدارة مباحث الأنترنت حاليا والتي اتمنى تطويرها لفحص فيديوهات الذكاء الاصطناعي لأنها ستشكل خطورة كبرى في المستقبل القريب.

كيف ترى سيادتكم مبادرة وزارة الاتصالات تحت مسمى مبادرة مجتمع رقمي آمن والجهود الحكومية بشكل عام في مجال Cyber Security ؟

أكيد أن هذه مبادرة طيبة جداً تتواكب مع التوجه العالمي نحو العالم الرقمي الذي يتطلب منا إعداد أجيال من الشباب والأطفال والرجال والنساء ، أجيال مؤهلة لمواكبة تكنولوجيا المعلومات والاستخدام الآمن والرشيد.
بالتأكيد هي مبادرة تشكر عليها وزارة الاتصالات في سبيلها لإعداد أجيال مؤهلة.
وهذا ذكرته سابقا من ضمن أصعب مهام وزارة الأمن السيبراني عندما قلت أنها ستقوم بالتدريب والتوعية بالنسبة للأفراد والجهات داخل الدولة. يبقى هذا من الأعباء التي تشكر عليها وزارة الاتصالات لكنني أحاول أن ارفعه عن كاهلها ويتسلمه وزارة مستقلة تتعلق بالأمن السيبراني.
ومن واقع خبرتي وسفري المتعدد فقد درست تجارب دولاً كثيرة تهتم بالأمن السيبراني بشكل كبير وشاهدت عناصر عربية وعناصر مصرية متعددة ما بين شباب ورجال مهندسين مصريين يعملوا في احدث المراكز العالمية بالخارج في مجال تكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني لذا يجب استدعاؤهم إلى مصر وهم شخصيا يتمنوا ذلك بناء على جلسات شخصية لي معهم وهم يتمنوا أن يقدموا عصارة جهدهم من أجل وطنهم ولذا يجب إعطاءهم المقابل الذي يرتضوا به ويجعلهم يعيشوا حياة كريمة.
طبعا المبادرة لا يمكن وصفها سوى بمبادرة رائعة جدا من وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لكن الأولى بهذه المبادرة هي وزارة الأمن السيبراني وان تكون تلك المبادرة أحد المهام الموكلة إليها.

هناك حرب تقنية واضحة بين أميركا والصين ، بينما اطلقت أميركا الفيسبوك اتبعتها الصين بتطبيق التيك توك وكما أخرجت أميركا Chat GPT كاقوى تطبيقات الذكاء الاصطناعي أستحدثت الصين Deep Seek ، كيف ترى سيادتك تأثير ذلك على الأمن السيبراني في مصر؟

الحرب بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين هي منافسة تكنولوجية وليست حرب، منافسة شرسة في التقدم التكنولوجي وتحديد من هو الأفضل , فقد أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية تقنية Chat GPT “شات جي بي تي” بتكلفة معينة وفي وقت محدد، وبعدها بشهر أطلقت الصين تقنية “ديب سيك” Deep Seek التي تفوقت عليها بإصداراتها المختلفة (الإصدار الأول والإصدار الثاني) بتكلفة أقل بكثير وقاعدة معلومات أسرع بكثير ، إنه تنافس تكنولوجي حقيقي وهناك صراعات بينهما.
انا كعربي ولا أتحدث هنا كمصري فقط نحن مجرد مستخدمين لهذه التكنولوجيات ، الحقيقة الواضحة نحن مستخدمون، ويجب ألا ننخدع بتنافسهم التكنولوجي الضاري ، كونهم يضعون مصالحهم القومية فوق مصالحنا ويقدمونها بوضوح على العرب ، أقول بصراحة وبلا شك إنهم يحققون مصالحهم الخاصة سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو في الصين. قد يتعاونون معك اليوم، ولكن غداً قد لا يستمر هذا التعاون.
رأينا حاليا الضغوطات التي حاولت أميركا فرضها على مصر لكن القيادة السياسية رفضتها تعظيما لكرامة مصر.
أميركا قامت بتنفيذ الفيسبوك مقابل إطلاق الصين التيك توك ، هو تنافس تكنولوجي بين الدول يقوموا بتسخيره لصالح أمنهم القومي ، في الصين مثلا نفذوا الفيسبوك الخاص بهم واتبعوه بالعمل مرارا وتكرارا على الشق التوعوي لذا يتجاوز المواطن الصيني الفيسبوك الصيني ويستخدم الفيسبوك الأميركي دون أن يؤثر بذلك على أمن وطنه.
لهذا اقول التوعية هي الأهم ، لو أرادوا أختراق إجراءات الحماية والوقاية التي قامت بها الصين على الفيسبوك و Chat GPT سيستطيعون اختراقها بوسائل متعددة مثل VPL وكثير من الوسائل التكنولوجية.
التوعية التكنولوجية ومحو الأمية الرقمية هم خط الدفاع الأكبر في الحروب الألكترونية لأننا حاليا في عصر العالم الرقمي فيجب علينا التعامل بوعي تكنولوجي كامل يزيد بوضوح مع الأجيال القادمة.
وما يثير حفيظتي أن الدول الكبرى تتسابق بقوة في مجال التكنولوجيا لكن استثمارات العرب بعيدة كل البعد عن مجال التكنولوجيا لذا وجب حتما إنشاء هيئة عربية مشتركة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، ونقوم بجلب العرب والمصريين العاملين في كيانات عالمية كبرى ونقوم بتنفيذ ما يماثل Chat GPT على الطريقة العربية ونحن العرب قادرون على ذلك ، ولو ساءت الظروف وقامت حروب كبرى عالمية وتم قطع الإنترنت عن المنطقة العربية لا نكون حينها في ورطة لاننا نمتلك حينها الفيسبوك العربي وبرامج الذكاء الإصطناعي العربية.
اتمنى استثمار قدراتنا المالية والعقلية والتكنولوجية داخل رقعة الوطن العربي كون العرب يجمعهم دائما ودوما الكثير من القواسم المشتركة.

في نهاية حوارنا ماذا تحب أضافته في سبيل تحقيق حلمك القديم المتجدد بإنشاء وزارة الأمن السيبراني في مصر ؟

وزارة الامن السيبراني المصري من الهام جدا إنشائها في عصر العالم الرقمي الذي يشهد زيادة عددية في كمية المستخدمين والتصاعد التكنولوجي المضطرد.
نعيش اليوم في عالم رقمي يشهد تطوراً متسارعاً في استخدامات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وشبكاتها وكافة الأجهزة التقنية المرتبطة بها ، وعلى الرغم من الإيجابيات العظيمة التي يحملها هذا التقدم التكنولوجي، فإن أهمية المعلومات أصبحت تمثل سلاحاً تنافسياً شديد الخطورة بين الدول في العصر الحالي.
وتبرز أهمية معالجة المعلومات وتخزينها وتحسينها كأولوية قصوى في استراتيجيات الأمن السيبراني.
وتستحق القيادة السياسية في مصر الثناء على مشروع “البيج داتا” Big Data في منطقة معينة تحت الارض بثلاثين متر وقامت فيه بتخزين البيانات الخاصة بمصر بأحدث الأجهزة.
فإذا تعرضت أي جهة في مصر لهجوم إلكتروني أو تعطلت أنظمتها، فإن وجود نسخ احتياطية من البيانات يضمن استمرارية العمل دون مشاكل جوهرية.
ويمثل الأمن السيبراني حصن الأمان في العالم الرقمي، حيث يتيح حماية البيانات والمعلومات الحيوية وإمكانية استعادتها في حالات الطوارئ أو الهجمات الإلكترونية.

في الختام يختصر الكلام عن أهمية الأمن السيبراني في عاملين ، الأول هو التصدى للحوادث السيبرانية المتزايدة من كل حدب وصوب ، والثانى أهمية صناعة سوق مصري واعد في مجال التكنولوجيا والأمن السيبراني يجعل العنصر المصري له ثقله وسمعته الجيدة عالميا على هيئة العنصر الهندي المحتكر لمجالات التكنولوجيا في أميركا واليابان تحديدا.
بالتأكيد ستخلق وزارة الأمن السيبراني فرص واعدة للسوق المصرية وتنجح في بناء كوادر مصرية بشرية تحمل على عاتقها الريادة من أجل زيادة ثبات صناعة وطنية متجددة تشارك فى زيادة إجمالى الناتج المحلى ومن ثم تحريك المعيار التكنولوجي المصري إلى منحني تصاعدي على الدوام.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.