الموقف المصري من خطة إسرائيل للسيطرة على غزة.. ثوابت سياسية في مواجهة تصعيد إقليمي محتمل

0

عبد الرحمن السيد

في خطوة اعتبرها محللون أخطر تحرك إسرائيلي منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، أقر المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغر “الكابينت” الخطة التي اقترحها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لفرض “سيطرة عسكرية كاملة” على القطاع، بما يشمل كافة مناطقه المأهولة بملايين الفلسطينيين، في تصعيد يفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر دموية وتهديدات إقليمية واسعة.

خطة نتنياهو.. سيطرة شاملة وتسليم مؤقت لقوات عربية

بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية وموقع “أكسيوس” الأميركي، جاء القرار بعد أكثر من عشر ساعات من المشاورات المكثفة بين الوزراء، لينتهي بالتصويت لصالح خطة نتنياهو رغم التحذيرات العسكرية.
الخطة تمنح الجيش الإسرائيلي الضوء الأخضر لفرض سيطرته على كامل مساحة قطاع غزة، في وقت تقول تل أبيب إنها تسيطر على نحو ثلاثة أرباعه فقط. وتشمل الخطة مناطق مكتظة بالسكان يضم معظمها نازحين من مناطق أخرى دمرتها العمليات السابقة.

وخلال تصريحاته، أكد نتنياهو أن إسرائيل ستسلم القطاع “في نهاية المطاف” إلى هيئة حاكمة عربية مؤقتة تديره “بكفاءة ودون تهديد لأمن إسرائيل”، مع توفير حياة أفضل للسكان، حسب قوله، مشددًا على أن هذا الهدف “غير ممكن بوجود حماس”. وأضاف أن الحرب قد تتوقف فورًا إذا ألقت الحركة سلاحها وأفرجت عن المحتجزين الإسرائيليين دون شروط.

تحذيرات عسكرية ومعارضة من الداخل

رغم إقرار الخطة، فإنها قوبلت بمعارضة قوية من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. رئيس الأركان إيال زامير اعتبر أن السيطرة الكاملة “خطيرة ومرهقة” على الجنود، وتهدد حياة الرهائن المحتجزين لدى حماس، إذ ستدفع العمليات العسكرية إلى الاقتراب من مناطق احتجازهم، ما يزيد من احتمالية تعرضهم للأذى.

هذه التحفظات العسكرية تكشف حجم التحديات الميدانية، خصوصًا أن تنفيذ الخطة يحتاج إلى أكثر من خمس فرق عسكرية في وقت يعاني فيه الجيش الإسرائيلي من إنهاك ميداني منذ أشهر القتال المتواصلة.

موقف واشنطن.. دعم ضمني وحذر دبلوماسي

على الصعيد الدولي، أكد موقع “أكسيوس” أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرر عدم اعتراض خطة نتنياهو، تاركًا القرار للحكومة الإسرائيلية. ورغم ذلك، تجنب ترامب إعلان موقف واضح من السيطرة العسكرية، مكتفيًا بالقول إن تركيز إدارته ينصب حاليًا على إيصال الغذاء إلى سكان غزة، مضيفًا: “فيما يتعلق بالبقية، سيكون الأمر متروكًا إلى حد كبير لإسرائيل”.

هذا الموقف يعكس دعمًا ضمنيًا لتوجهات تل أبيب، مع إبقاء هامش دبلوماسي لتجنب الاصطدام العلني بالمواقف العربية والدولية المعارضة لإعادة الاحتلال.

تحذيرات من كارثة إنسانية وإقليمية

اللواء محمد غباشي، أمين عام مركز آفاق للدراسات الاستراتيجية، وصف القرار بأنه “أكبر تصعيد خطير” ضد الشعب الفلسطيني، معتبرًا أن هدفه القضاء على ما تبقى من سكان غزة عبر مزيج من العمليات العسكرية وسلاح التجويع لدفعهم إلى النزوح القسري.

وقال غباشي، في تصريحات خاصة لـ نافذة الشرق، إن هذه السياسة لا تهدد غزة وحدها، بل تمثل خطرًا مباشرًا على مصر والأردن، نظرًا لاحتمال حدوث عمليات تهجير جماعي، ما قد يفرض أعباءً أمنية وسياسية واقتصادية جسيمة على البلدين. وأضاف أن تنفيذ الخطة قد يؤدي إلى اندلاع حرب أوسع في المنطقة، خصوصًا إذا حاولت إسرائيل فتح جبهات مع أطراف إقليمية أخرى.

ورأى أن الخطة الإسرائيلية قد تكون في جانب منها “دعاية سياسية وعملية ترهيب” لحماس والدول العربية، متوقعًا أنه إذا نُفذت فستكون على مراحل، مع تكبد إسرائيل خسائر بشرية كبيرة واحتمال توسع نطاق الحرب.

مصر ترفض إعادة الاحتلال وتؤكد خطوطها الحمراء

الموقف المصري جاء واضحًا وحازمًا، حيث جدد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال لقائه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، رفض القاهرة القاطع لإعادة الاحتلال العسكري للقطاع، ودعا إلى الوقف الفوري لإطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية، مع التشديد على رفض تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم.

كما أدانت مصر في بيان عن وزارة الخارجية بأشد العبارات قرار المجلس الوزاري الإسرائيلي بوضع خطة لاحتلال قطاع غزة بالكامل، والذى يهدف الى ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي للأراضي الفلسطينية، ومواصلة حرب الإبادة فى غزة، والقضاء على كافة مقومات حياة الشعب الفلسطيني، وتقويض حقه في تقرير مصيره وتجسيد دولته المستقلة وتصفية القضية الفلسطينية، وذلك في انتهاك صارخ ومرفوض للقانون الدولى والقانون الدولى الانسانى.

وجددت مصر التأكيد على أن مواصلة اسرائيل سياسة التجويع والقتل الممنهج والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل لن تؤدى سوى تاجيج الصراع وتزيد من تصعيد التوتر وتعميق الكراهية ونشر التطرف في المنطقة والذي تفاقم بالفعل بسبب العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة وما خلّفه من كارثة إنسانية غير مسبوقة في القطاع.

ودعت مصر المجتمع الدولي، بما في ذلك مجلس الأمن وجميع الأطراف المعنية، إلى الاضطلاع بمسؤولياتهم السياسية والقانونية والأخلاقية، والتحرك العاجل لوقف سياسة العربدة وغطرسة القوة التي تنتهجها إسرائيل والتى تهدف إلى فرض أمر واقع بالقوة، وتقويض فرص تحقيق السلام، والقضاء على آفاق حل الدولتين. وتعيد مصر التأكيد على أنه لا أمن ولا استقرار ستنعم به إسرائيل والمنطقة إلا من خلال تجسيد الدولة الفلسطينية على خطوط الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.

هذا الموقف المصري يعكس التزام القاهرة بثوابتها تجاه القضية الفلسطينية، مع استعدادها لاتخاذ إجراءات تأمينية مشددة على الحدود، ورفع درجات الاستعداد لمواجهة أي طارئ، خاصة في حال حدوث محاولات تهجير جماعي من غزة.

تداعيات محتملة وخيارات مفتوحة

يشير اللواء غباشي إلى أن الخطة الإسرائيلية، إذا مضت في التنفيذ، ستدفع المنطقة إلى مرحلة جديدة من التصعيد قد تشمل:

تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة نتيجة تدمير البنية التحتية وتقييد وصول المساعدات.

زيادة احتمالات التهجير القسري، ما يضع دول الجوار أمام ضغوط هائلة.

خطر اندلاع مواجهات إقليمية أوسع، خاصة مع فصائل المقاومة في لبنان أو جبهات أخرى.

تعقيد ملف الرهائن، وربما تعريض حياتهم للخطر أكثر من أي وقت مضى.

قرار “الكابينت” بالسيطرة الكاملة على قطاع غزة يمثل نقطة تحول في مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بين رؤية إسرائيلية تسعى إلى فرض واقع أمني وسياسي جديد بالقوة، وموقف فلسطيني وعربي يرفض إعادة الاحتلال والتهجير، وسط مواقف دولية متباينة بين الدعم الضمني والتحفظ العلني.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.