انتخابات مجلس الشيوخ 2025.. رسائل سياسية وسط مشهد إقليمي مضطرب (خاص)

0

كتب: عبدالله عمارة

تشهد مصر استحقاق انتخابات مجلس الشيوخ 2025 وسط مشهد سياسي محلي وإقليمي ودولي بالغ التعقيد، يزداد فيه التساؤل حول مغزى هذا الاستحقاق وتوقيته، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة في المنطقة، وعلى رأسها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وما صاحبه من ارتباك في موازين القوى العالمية.
وتدفع هذه المعطيات إلى إعادة قراءة الانتخابات من زاوية تتجاوز بعدها الدستوري والمؤسسي، إلى كونها رسالة سياسية متعددة الأبعاد، تسعى من خلالها الدولة المصرية إلى التأكيد على استقرار مؤسساتها، واستمرارها في مسارها السياسي رغم التحديات الاقتصادية والأمنية المحيطة.
الانتخابات رسالة استقرار وتأكيد للشرعية
وفي هذا السياق، قال المستشار رضا صقر، رئيس حزب الاتحاد، إن انتخابات مجلس الشيوخ المصري 2025 تنعقد في توقيت سياسي دقيق، تتقاطع فيه التحديات الداخلية مع تطورات إقليمية ودولية معقدة، أبرزها ما يجري في قطاع غزة من عدوان متواصل، والارتباك الواضح في المشهد السياسي العالمي.
وأكد في تصريحات خاصة لـ«نافذة الشرق»، أن هذه الخلفية تعطي للانتخابات أبعادًا تتجاوز مجرد التنافس البرلماني، إلى كونها رسالة سياسية واضحة بأن الدولة المصرية مستمرة في ترسيخ مؤسساتها الديمقراطية رغم ما تواجهه من ضغوط وتحديات.
أهمية توقيت الانتخابات
وأوضح صقر أن إجراء الانتخابات في ظل أزمات كبرى في الإقليم – وعلى رأسها القضية الفلسطينية – يؤكد على ثبات الدولة المصرية واستقلال قرارها الوطني، ويعكس إصرارها على استكمال المسار الدستوري، وعدم ترك الداخل رهينة للتقلبات الخارجية.
وأضاف أن الانتخابات تمثل ردًا غير مباشر على دعوات الفوضى والتشكيك التي تطل برأسها كلما اشتدت الضغوط على الدولة.
رسائل سياسية للخارج
وأشار رئيس حزب الاتحاد إلى أن الانتخابات تحمل عدة رسائل سياسية دولية، مفادها أن مصر – رغم الأزمات الاقتصادية والإقليمية – قادرة على تنظيم استحقاق انتخابي يعكس الحد الأدنى من التعددية، ويكرّس الاستقرار، ويؤكد أن الشرعية تُستمد من الداخل، لا من الخارج، وأن المؤسسات الدستورية تعمل رغم التحديات.
خصوصية الدورة الانتخابية الحالية
ولفت إلى أن ما يجعل انتخابات هذا العام مختلفة، هو أنها تأتي بعد موجة من التحولات في المزاج الشعبي، وتزايد الوعي السياسي، وتراكم الخبرة لدى الأحزاب الناشئة.
وبيّن أن تحالفات جديدة بدأت تتشكل، سواء داخل الأحزاب الكبرى أو بينها وبين قوى جديدة، مما قد يعيد رسم بعض التوازنات داخل المجلس، ويتيح ضخ دماء شبابية جديدة ذات طرح مختلف.
التحالفات والتوازنات الحزبية
وأكد صقر أن العديد من الأحزاب تسعى لإعادة تموضعها، وهناك مؤشرات على تقارب بين بعض القوى المدنية، إضافة إلى صعود أحزاب شابة تحاول كسر الاستقطاب التقليدي.
وقال إن بعض الأحزاب تراجع خطابها لتواكب التغير في أولويات الناس، مما يشير إلى مرونة نسبية في المشهد الحزبي.
التمثيل السياسي في ظل الأزمة الاقتصادية
وأشار إلى أن من الطبيعي أن يشعر المواطن بانشغاله اليومي بأعباء الحياة، ولكن الحكمة السياسية تكمن في الربط بين الأوضاع المعيشية والتمثيل السياسي.
وأوضح أن مجلس الشيوخ ليس بعيدًا عن أولويات الناس إذا قُدِّم لهم بشكل صحيح، كمنصة تدافع عن مصالحهم، وتضغط من أجل تحسين السياسات الاقتصادية والاجتماعية، مؤكدًا أن المعركة هنا ليست فقط على المقاعد، بل على كسب ثقة الناس وإثبات جدوى التمثيل.
الانتخابات رسالة طمأنة تعزز الاستقرار والشرعية والمؤسسية
من جانبه، قال الدكتور إسماعيل تركي، أستاذ العلوم السياسية، إن توقيت انتخابات مجلس الشيوخ في هذا الظرف الدقيق ليس صدفة، بل يحمل دلالات ورسائل سياسية عميقة، أولها تأكيد الاستقرار الداخلي، وإرسال رسالة ثقة وطمأنينة حينما تصر الدولة المصرية على إجراء الانتخابات التشريعية لمجلس الشيوخ في موعدها المحدد دستوريًا، رغم الاضطرابات الإقليمية، والحرائق المشتعلة في الإقليم، لا سيما في قطاع غزة.
رسالة طمأنة للداخل والخارج
وأوضح تركي، في تصريحات خاصة لـ«نافذة الشرق»، أن الدولة تسعى من خلال هذا الإجراء إلى إظهار قدرتها على الحفاظ على الاستقرار الداخلي، وإجراء الاستحقاقات الانتخابية في وقتها دون أي تأخير، بقدرة وسلاسة.
وأكد أن هذه الخطوة ترسل رسالة طمأنة للداخل والخارج مفادها أن الدولة المصرية قادرة على إدارة شؤونها بكفاءة حتى في أوقات الأزمات، مشيرًا إلى أن مصر يُنظر إليها باعتبارها ركيزة للأمن والاستقرار في الإقليم، ومحورًا مهمًا للسلام.
تعزيز الشرعية الدستورية والمؤسسية
وأضاف أن الرسالة الثانية تتعلق بتعزيز الشرعية والمؤسسية، موضحًا أن الانتخابات تأتي لتعزيز الشرعية الدستورية والمؤسسية للدولة المصرية، خاصة في ظل تحديات إقليمية معقدة، إذ يصبح وجود مؤسسات دستورية فاعلة أمرًا مهمًا وأساسيًا لإظهار تماسك مؤسسات الدولة وقوتها، وقدرتها على مواجهة التحديات، والحفاظ على الأمن القومي المصري.
حشد الدعم الشعبي والمشاركة السياسية
وأشار إلى أن الرسالة الثالثة تتمثل في قدرة مصر على تعبئة الدعم الشعبي، موضحًا أنه على الرغم من أن مجلس الشيوخ لا يمتلك نفس الثقل التشريعي لمجلس النواب، فإن تنظيم الانتخابات يمكن أن يهدف إلى تعبئة بعض الدعم الشعبي، ودفع المواطنين نحو المشاركة السياسية، حتى وإن لم تكن بنفس الزخم المصاحب لانتخابات مجلس النواب.
رسائل خارجية بشأن السيادة والاستقرار
وأكد أن هناك عددًا من الرسائل السياسية التي تسعى مصر لإرسالها إلى العالم من خلال تنظيم الانتخابات التشريعية لمجلس الشيوخ في موعدها المقرر، وأبرزها أن مصر دولة مستقرة وذات سيادة، قادرة على إدارة شؤونها الداخلية بشكل طبيعي ومنتظم، بغض النظر عن الضغوط الخارجية أو التحديات الإقليمية.
وشدد على أن الانتخابات تؤكد التزام مصر بالمسار الدستوري والمؤسسات الديمقراطية، وهو ما يعزز صورتها كدولة قانون ومؤسسات، في محيط إقليمي يعاني من الاضطرابات.
كما أشار إلى أن الانتخابات تُعد وسيلة لتأكيد الشرعية الداخلية للنظام الحاكم، إذ أن المشاركة تمنح انطباعًا بالقبول الشعبي للعملية السياسية، وتوفر فرصة للمعارضة كي تُظهر قدرتها على العمل السياسي بطريقة سليمة.
إدارة الانتخابات وسط أزمات كبرى
ولفت تركي إلى أن إظهار القدرة على تنظيم الانتخابات وسط أزمات إقليمية كبرى، يشير إلى أن الدولة المصرية تسيطر على زمام الأمور وليست في حالة ارتباك، ما يعزز صورتها كدولة مؤسسات مستقرة.
الظرف الإقليمي والعدوان على غزة
وأوضح أن هناك عدة عوامل قد تجعل انتخابات مجلس الشيوخ لهذا العام مختلفة، أولها الظرف الإقليمي المضطرب، والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مشيرًا إلى أن التوترات الإقليمية تُلقي بظلالها على المشهد العام، وقد تؤدي هذه الظروف إلى تقليل الاهتمام الشعبي بالانتخابات، في مقابل تركيز المواطنين على القضايا الإقليمية، غير أن هذه الظروف قد تُستخدم أيضًا كدافع للتصويت لصالح الاستقرار.
التحديات الاقتصادية وتأثيرها على المشاركة
وأشار إلى أن التحديات الاقتصادية المتزايدة تشكل عاملًا إضافيًا في هذا السياق، إذ أن الأزمات الاقتصادية وتأثيرها المباشر على حياة المواطنين قد تدفعهم إلى إعطاء الأولوية لمشاغلهم المعيشية، وهو ما قد يؤثر بدوره على نسب المشاركة، أو حتى على توجهات الناخبين، في حال وجود منافسة حقيقية.
غياب المنافسة وتركيز على القوائم الموحدة
وبيّن أن أحد المحددات الواضحة لهذه الانتخابات هو غياب المنافسة القوية، مؤكدًا أن انتخابات مجلس الشيوخ – أو الشورى سابقًا – تتسم تاريخيًا بضعف المنافسة الحادة، وهو ما يتكرر في هذه الدورة، التي تشهد تركيزًا أكبر على دور القوائم الحزبية الموحدة أو الكيانات السياسية الكبرى في حشد الدعم، بدلًا من الاعتماد على التنافس الفردي.
التحالفات الحزبية والواقع السياسي
وأوضح تركي أنه في ظل المشهد السياسي المصري الحالي، من الصعب توقع ظهور تحالفات حزبية جديدة ذات تأثير كبير على نتائج الانتخابات، مشيرًا إلى أن الأنماط المتوقعة تتمثل في القائمة الموحدة التي تم التوافق عليها بين أكبر الأحزاب، مثل «مستقبل وطن» و«الجبهة الوطنية»، إلى جانب عدد من الأحزاب الأخرى المشاركة.
وأضاف أن المعارضة الحقيقية في مصر لا تزال تواجه تحديات كبيرة، ومن غير المتوقع أن تشكل تحالفات قوية قادرة على إحداث تغيير ملحوظ في التوازنات داخل الأحزاب، أو داخل مجلس الشيوخ ذاته.
ضعف الأولوية لدى المواطن في ظل الأزمة الاقتصادية
واختتم الدكتور إسماعيل تركي تصريحاته بالتأكيد على أنه من الطبيعي أن تكون انتخابات مجلس الشيوخ بعيدة عن أولويات غالبية المواطنين، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية المتفاقمة، مثل ارتفاع الأسعار، وتدهور القوة الشرائية، وتزايد البطالة، وتحديات المعيشة اليومية.
وأوضح أن المواطن المصري يهتم بشكل أساسي بمن يمكنه تحسين وضعه الاقتصادي والمعيشي، ولأن دور مجلس الشيوخ استشاري وتشريعي ثانوي، فلا يُنظر إليه باعتباره جهة مؤثرة مباشرة في حل الأزمات الاقتصادية العاجلة.
وأكد أن هذه الفجوة بين أولويات المواطنين وأجندة الانتخابات قد تؤدي إلى انخفاض نسبة المشاركة، وهي ظاهرة ليست جديدة في الانتخابات غير الرئاسية أو البرلمانية الرئيسية في مصر.
وشدد على أنه في أوقات الأزمات الاقتصادية، يميل المواطن إلى التركيز على استراتيجيات “البقاء” والتأقلم مع الوضع، بدلًا من الانخراط في عمليات تغيير لا يرون لها تأثيرًا فوريًا على حياتهم اليومية.

الدكتور إسماعيل تركي، أستاذ العلوم السياسية

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.