باحث سياسي لنافذة الشرق: مجاعة غزة تحولت من أداة إبادة إلى اختبار أخلاقي للنظام الدولي ووصمة عار على جبين الإنسانية
كتبت بسمة هاني
مجاعة غزة.. وصمة عار على جبين الإنسانية
إعلان المجاعة رسميًا في قطاع غزة فتح باب الانتقادات الحادة للمجتمع الدولي، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية غير مسبوقة في ظل استمرار الحصار والعدوان الإسرائيلي. المشهد الإنساني هناك لا يقتصر على مجرد نقص في الغذاء أو الدواء، بل هو سياسة ممنهجة تُمارَس ضد أكثر من مليوني إنسان يعيشون في رقعة صغيرة محاصَرة منذ سنوات طويلة.
تجويع الفلسطينيين جريمة إبادة جديدة
قال الدكتور عبدالله نعمة، دكتور العلاقات الدولية والباحث الاستراتيجي والمحلل السياسي اللبناني في حديث خاص لموقع نافذة الشرق، إن غزة اليوم تشهد أسوأ سيناريو إنساني في تاريخها الحديث، حيث يعاني عشرات الآلاف من الأطفال من سوء تغذية يهدد حياتهم، فيما يواجه آلاف آخرون خطر المجاعة المباشرة والموت البطيء.
وأشار إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يكتفِ بارتكاب المجازر العسكرية، بل انتقل إلى جريمة نوعية جديدة تتمثل في تجويع الفلسطينيين ومنع دخول المساعدات الإنسانية، في أسلوب ممنهج يرقى إلى جرائم إبادة جماعية.
وأضاف أن ما يحدث ليس عارضًا أو نتيجة ظرف طارئ، بل هو قرار سياسي وعسكري مدروس يهدف إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني عبر استهداف أضعف الفئات: الأطفال والنساء والمرضى.
صمت دولي وتواطؤ سياسي
ولفت نعمة إلى أن المجتمع الدولي الذي يرفع شعارات العدالة وحقوق الإنسان يقف اليوم عاجزًا – أو بالأحرى متواطئًا – أمام هذه الكارثة. موضحًا أن هذا العجز ليس ناتجًا عن ضعف الإرادة، بل عن حسابات سياسية ومصالح مرتبطة بالولايات المتحدة والدول الغربية التي تمنح إسرائيل غطاءً كاملاً للاستمرار في جرائمها.
وأكد أن ما يحدث في غزة يكشف أن النظام العالمي الحالي لا يحمي الإنسان ولا يلتزم بالمواثيق الإنسانية التي صاغها، بل يوظف المبادئ كأدوات سياسية متى شاء وكيفما أراد. فالقيم الإنسانية بالنسبة للعالم الغربي لم تعد ثابتة، بل انتقائية تُستخدم لخدمة التحالفات وموازين القوى. وشدد على أن الصمت الدولي لم يعد مجرد حياد سلبي، بل تحوّل إلى شكل من أشكال الشراكة في الجريمة.
اختبار أخلاقي للعالم
ونوّه الباحث الاستراتيجي إلى أن ما يجري في غزة ليس مجرد أزمة إنسانية، بل اختبار أخلاقي للمجتمع الدولي بأسره، الذي ترك الضمير العالمي يموت تحت ركام الصفقات والتحالفات. فالمجاعة في غزة تمثل لحظة فارقة تكشف إلى أي مدى يمكن للعالم أن يتعايش مع مشاهد الأطفال الذين يبحثون في النفايات عن بقايا طعام، والنساء اللواتي يقفن في طوابير لساعات من أجل رغيف خبز لا يأتي.
وأوضح نعمة أن إسرائيل من خلال سياسة التجويع تسعى إلى فرض واقع سياسي جديد في غزة، يقصي حركة حماس ويعيد تشكيل السلطة الفلسطينية بما يخدم مصالحها الاستراتيجية والأمنية.
فالهدف من حرمان الناس من الغذاء والدواء ليس فقط إخضاع المجتمع، بل إعادة صياغة المشهد الفلسطيني الداخلي بما يتناسب مع الرؤية الإسرائيلية المدعومة أميركيًا.
الأمم المتحدة.. حياد سلبي أم غطاء سياسي؟
وأشار نعمة إلى أن الأمم المتحدة لم تعلن حتى الآن المجاعة بشكل رسمي، معتبرًا أن هذا ليس مجرد خلل في المعايير أو تأخر في الإجراءات، بل قرار سياسي مغلف دوليًا يهدف إلى التهرب من المسؤولية. فالمعايير الدولية لتصنيف حالة المجاعة واضحة، والأرقام المتداولة من المؤسسات الطبية والحقوقية تثبت أن غزة تجاوزت هذه الخطوط منذ أشهر، لكن الصمت الأممي يثير التساؤلات.
وأكد أن المنظمة الدولية باتت أشبه بـ”شرطة مرور” تراقب بصمت دون أن توقف الجريمة، لأن أي اعتراف رسمي بالمجاعة سيعني الإدانة، والإدانة تستدعي المواجهة، وهو ما لا يريده المجتمع الدولي ولا القوى الكبرى. لذلك يُترَك الفلسطينيون يواجهون الموت البطيء بينما يكتفي العالم ببيانات “قلق” و”دعوات” بلا أثر.
غزة بين الشفقة والعدالة
واختتم الدكتور عبدالله نعمة بالتأكيد على أن غزة لا تحتاج إلى بيانات شجب أو شفقة عاطفية، بل إلى عدالة دولية توقف المجازر وتكسر الصمت أمام هذا الإجرام ضد الإنسانية. وأضاف أن الشعب الفلسطيني لم يطلب صدقات إنسانية، بل يطالب بحقه في الحياة والحرية ورفع الحصار، داعيًا إلى تحرك دولي حقيقي يعيد الاعتبار للقانون الدولي الذي تم انتهاكه بشكل صارخ.
كما شدد على أن غزة اليوم تمثل جرس إنذار للعالم: فإما أن يتم التعامل معها كقضية عدالة وحقوق إنسان، أو يُترَك الباب مفتوحًا أمام تكرار سيناريوهات مشابهة في مناطق أخرى من العالم حيث يمكن أن تُستخدم المجاعة كسلاح حرب.
وإن ما يحدث في غزة ليس مجرد مأساة محلية تخص الفلسطينيين وحدهم، بل قضية إنسانية وأخلاقية عالمية ستظل تلاحق الضمير الدولي لعقود قادمة.
وأشار الي أن الصور القادمة من القطاع، لأطفال هزال ينهشهم الجوع، ولأمهات عاجزات عن إطعام صغارهن، لن تُمحى من الذاكرة بسهولة، وستظل شاهدًا على زمن تخلّى فيه العالم عن إنسانيته.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.