بريكس 2025: هل تصبح مصر بوابة أفريقيا نحو النظام المالي الجديد؟
هدير البحيري
وسط تحولات اقتصادية كبرى وتحديات متصاعدة للنظام المالي العالمي، خطفت قمة “بريكس” الـ17، التي انعقدت هذا الأسبوع في مدينة ريو دي جانيرو، أنظار المجتمع الدولي، باعتبارها منصة استراتيجية تزداد أهمية في عالم يتجه نحو التعددية ورفض القطبية الاقتصادية التقليدية.
فمع تصاعد نفوذ التكتلات الصاعدة، باتت مجموعة بريكس تُنظر إليها كقوة دفع رئيسية لإعادة هيكلة النظام الاقتصادي الدولي وخلق توازن جديد في معادلات التجارة والتمويل العالمي.
وشهدت القمة هذا العام مشاركة موسعة من 20 دولة، من بينها مصر، التي انضمت رسميًا إلى التكتل في يناير 2024، ضمن موجة توسع لافتة تعكس تنامي دور “بريكس” كلاعب مؤثر في الاقتصاد العالمي، وسعيها لتقديم بديل متعدد الأقطاب للمنظومة الاقتصادية، التي تقودها الولايات المتحدة.
مصر والبريكس: تحولات استراتيجية وفرص استثمارية
يرى خبراء أن انضمام القاهرة إلى التكتل يمثل تحولًا نوعيًا في توجهات السياسة الاقتصادية المصرية، حيث تسعى للاستفادة من منصة “بريكس” لتعزيز معدلات النمو، وجذب الاستثمارات، وتأكيد دورها كحلقة وصل بين أفريقيا والعالم.
ووفق بيانات رسمية، ارتفع حجم التبادل التجاري بين مصر ودول البريكس بنسبة 19.5% خلال عام 2024 مقارنة بالعام السابق، ما يعكس ديناميكية العلاقات الجديدة.
وقال الخبير بالعلاقات الدولية وأستاذ الاتصال السياسي، الدكتور حسام فاروق، إن حجم التبادل مرشح للزيادة بنسبة لا تقل عن 5% في ظل السياسات الجديدة وخطط توسيع الشراكات.
وأكد فاروق أن مصر بدأت تنفيذ مشروعات استراتيجية في مجالات الطاقة النظيفة عقب انضمامها، خاصة في قناة السويس الاقتصادية، من بينها مشروعات لطاقة الرياح والشمس والهيدروجين الأخضر.
وأضاف أن الصين وروسيا أبدتا استعدادًا لنقل خبرات تكنولوجية متقدمة إلى القاهرة، خصوصًا في مجالات الطاقة والزراعة المستدامة.
بدوره، أشار الخبير في العلاقات الدولية، إيهاب نافع، إلى أن عضوية مصر في البريكس فتحت الباب أمام استثمارات مباشرة من الدول الأعضاء، تركزت في المناطق اللوجستية والمناطق الاقتصادية الخاصة.
وأكد أن القاهرة تسعى لتوسيع التعاون ليشمل صناعات مثل السيارات والإلكترونيات والهواتف المحمولة.
ومن جانبها، قالت الدكتورة هدى الملاح، مدير عام المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى، إن علاقات القاهرة مع دول بريكس قوية ومستقرة، وتعتمد بشكل رئيسي على حجم التبادل التجاري المتنامي مع الدول الأعضاء.
وأوضحت الملاح لـ”نافذة الشرق” أن مصر تحافظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة والدول الغربية، وأن سياسة القاهرة تقوم على تحقيق التوازن في علاقاتها الدولية بما يخدم مصالحها الاقتصادية والتنموية، مشيرةً إلى أن هذه العلاقات قد تتأثر نسبيًا بالتطورات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، لكنها لا تخرج عن إطار المصالح المشتركة.
بريكس على وقع التوترات العالمية
وتأتي قمة البرازيل في توقيت بالغ الحساسية، مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط بسبب الحرب الإيرانية، وتباطؤ الاقتصاد الصيني، وعودة خطاب الحماية التجارية في الولايات المتحدة بقيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لوّح بفرض رسوم جمركية على الدول “التي تتبنى سياسات مناهضة لأمريكا ضمن إطار البريكس”.
وفي منشور على منصته “تروث سوشيال”، أعلن ترامب عزمه فرض رسوم إضافية بنسبة 10% على أي دولة تدعم سياسات بريكس “المعادية”، دون تحديد ماهية تلك السياسات، في تصعيد قد يهدد بانفجار حرب تجارية عالمية جديدة.
وفي رد ضمني، عبر قادة بريكس في البيان الختامي عن “مخاوف جدية” من تصاعد الإجراءات الجمركية الأحادية، في إشارة واضحة إلى سياسة ترامب التجارية.
هل تقوض البريكس هيمنة الدولار؟
رغم أن مشروع العملة الموحدة لبريكس لم يُفعل بعد، فإن النقاشات حول تقليص الاعتماد على الدولار في التسويات التجارية بدأت تأخذ طابعًا أكثر جدية.
ويرى مراقبون أن المجموعة تسعى تدريجيًا لتقويض مركزية الدولار، إما عبر الدفع بالعملات المحلية أو بإنشاء منظومة مالية بديلة.
ويطرح هذا التوجه تساؤلات جدية حول مستقبل المؤسسات الاقتصادية الغربية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في ظل سعي دول “بريكس” لتقديم بدائل تمويلية أقل ارتباطًا بالشروط السياسية.
وفي هذا السياق، أوضح الباحث الاقتصادي وخبير أسواق المال، سمير رؤوف، في حوار خاص لـ”نافذة الشرق”، أن الحديث عن “نهاية الدولار” لا يستند إلى واقع ملموس، مؤكدًا أن العملة الأمريكية لا تزال العمود الفقري للنظام المالي العالمي، إذ تُقيم بها معظم أصول الدول، ومن غير المرجح أن يتغير ذلك قريبًا.
وأشار رؤوف إلى أن الاتجاه السائد حاليًا هو تنويع أدوات الدفع وليس الاستغناء عن الدولار، لافتًا إلى أن بعض الدول بدأت تعتمد على عملاتها المحلية في التبادلات التجارية، مثل تعامل مصر مع الصين باليوان، أو استقبال السياح الروس بالروبل، لكن هذه الخطوات لا تعني الانفصال عن الدولار، بل تهدف إلى تقليل الاعتماد المفرط عليه مع الإبقاء عليه كعملة مرجعية في التقييم المالي العالمي.
بنية غير رسمية وموقع مستقبلي
من جهة أخرى، شددت الدكتورة هدى الملاح على أن تكتل بريكس لا يزال يفتقر إلى الأساس القانوني الذي يُمكنه من لعب دور مؤثر في النظام المالي العالمي، مشيرةً إلى أن المجموعة تعمل حتى الآن بشكل غير رسمي، دون معاهدة دولية مُلزمة أو اتفاق قانوني موحد بين أعضائها.
وأضافت أن “بريكس” تُعد منصة مهمة للتشاور والتنسيق في ملفات اقتصادية وتجارية إقليمية ودولية، لكنها لا تُصنف حتى اللحظة كمنظمة دولية رسمية، وهو ما يحد من قدرتها على تقديم بدائل مؤسسية متكاملة للنظام المالي التقليدي.
وأكدت أن إضفاء الطابع الرسمي على التكتل من خلال ميثاق قانوني واضح سيكون خطوة أساسية إذا أرادت “بريكس” أن يكون لها تأثير فعلي ومستدام على النظام المالي العالمي.
فرص واعدة للاقتصادات الناشئة
يرى محللون أن تمدد البريكس يمنح الدول العربية والأفريقية فرصة نادرة للانخراط في ترتيبات اقتصادية أكثر عدالة، بعيدًا عن شروط المؤسسات المالية التقليدية.
وتُنظر إلى مصر تحديدًا باعتبارها بوابة استراتيجية لربط أفريقيا بالأسواق الآسيوية عبر التكتل، وهو ما يعزز من مكانتها كفاعل اقتصادي إقليمي.
وأكد رؤوف أن تحالف البريكس قد يفتح آفاقًا كبيرة أمام الدول النامية لتكوين علاقات استراتيجية في مجالات التصنيع والتجارة، مشيرًا إلى أن مصر يمكن أن تصبح مركزًا إقليميًا للتصنيع لدول بريكس من خلال استقطاب مصانع صينية وروسية إلى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وختم رؤوف حديثه بالتأكيد على أن توسع بريكس لا يعني بالضرورة التصعيد مع الغرب، بل يعكس تحولًا نحو تنويع الشراكات والتوازن في النظام الاقتصادي العالمي، وهو ما يمكن أن ينعكس إيجابًا على الدول النامية إذا أحسنت استثمار الفرص المتاحة.
تترأس البرازيل حاليًا مجموعة “بريكس” وتعتبر الولايات المتحدة ثاني أكبر شريك تجاري لها بعد الصين.
وتشكل دول “بريكس” الـ11، وبينها البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، حوالى نصف سكان العالم و40% من الناتج الاقتصادي العالمي.
وتوسعت المجموعة، التي أنشئت عام 2009 لتكون قوة مقابلة للغرب تعيد موازنة النظام العالمي لصالح “الجنوب العالمي”، إذ انضمت إليها منذ عام 2023 السعودية ومصر والإمارات وإثيوبيا وإيران، ثم إندونيسيا.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.