بعد اقتراب قافلة الصمود.. اللواء سمير فرج لـ نافذة الشرق: لا دخول للأراضي المصرية إلا بتأشيرة

3

كتب: عبد الرحمن السيد

على وقع العدوان المستمر على قطاع غزة، وتحول القطاع إلى ساحة كارثية بفعل الحصار والدمار، تتحرك قوافل إنسانية من حول العالم لمحاولة تقديم الدعم ولو معنوياً للفلسطينيين. من بين هذه التحركات، ظهرت “قافلة الصمود” التي انطلقت من تونس بمشاركة شخصيات من عدة دول عربية وأجنبية، بهدف كسر الحصار المفروض على القطاع.

القافلة، التي تتجه نحو معبر رفح الحدودي، واجهت في طريقها أزمة غير متوقعة، لم تأتِ من الجانب الإسرائيلي، بل من الداخل المصري، حيث تباينت الآراء حول القافلة ومقاصدها، وتزايد الجدل بشأن السماح بمرورها، وسط تخوفات أمنية وتشكيك في نواياها.

الرسالة المعلنة: دعم إنساني لفلسطين

منسقو قافلة “الصمود” أكدوا في بيانات وتصريحات صحفية أن هدفهم الأساسي إنساني بحت. القافلة تحمل شعار “كسر الحصار والتضامن مع غزة”، وتضم نشطاء وحقوقيين وأطباء وإعلاميين، جميعهم يسعون ـ بحسب قولهم ـ إلى إيصال رسالة دعم معنوي للشعب الفلسطيني، والتنديد بالصمت الدولي تجاه الانتهاكات الإسرائيلية.

وبحسب المنظمين، فإن القافلة حرصت على التنسيق مع جهات دبلوماسية في تونس ودول أخرى، وأعدت أوراق المشاركين وأبلغت السفارات، مشيرين إلى أن مصر باعتبارها بوابة العبور الوحيدة إلى غزة، مطالبة بفتح المجال الإنساني أمام القوافل والمساعدات، خاصة في ظل الانهيار التام للمنظومة الصحية داخل القطاع.

موقف مصري حاسم: السيادة أولاً

في المقابل، جاء الرد المصري حازماً. وزارة الخارجية المصرية أصدرت بياناً رسمياً، أكدت فيه أن الدخول إلى الأراضي المصرية محكوم بضوابط قانونية وأمنية لا يمكن تجاوزها. وأوضحت أن مصر، رغم دعمها الثابت للشعب الفلسطيني ورفضها التام للحصار الإسرائيلي، فإنها لن تتعامل مع أي وفد أو قافلة لا تلتزم بالإجراءات المتبعة.

البيان شدد على أن مصر سبق أن نظّمت دخول وفود أجنبية رسمية وغير حكومية إلى مناطق قريبة من غزة، لكن عبر طلبات رسمية مسبقة من السفارات الأجنبية، سواء في القاهرة أو في بلدانهم الأصلية. وشدد على أنه “لن يتم النظر في أي طلب أو دعوة خارج هذا الإطار التنظيمي”.

وأكدت الخارجية أن هذه الإجراءات تأتي لحماية الأمن القومي، خاصة في ظل “دقة الأوضاع في المنطقة الحدودية منذ بداية الحرب على غزة”، مجددة رفضها لاستخدام القضية الفلسطينية كأداة للابتزاز أو التوظيف السياسي.

تحذيرات أمنية: محاولات لاختراق الداخل المصري؟

من جانبه، حذّر اللواء سمير فرج، الخبير الاستراتيجي والإداري، من خطورة التعاطي العاطفي مع تحركات كهذه دون تدقيق في خلفياتها. وفي تصريح خاص، قال فرج:”مصر بلد ذات سيادة، لا يُسمح بدخول أراضيها إلا لمن يحمل جواز سفر وتأشيرة دخول واضحة. لا يمكن لأي وفد أن يمر فقط بدعوى التضامن”.

وتابع اللواء في تصريحات خاصة لـ نافذة الشرق: “هناك معلومات تفيد بأن بعض الجهات المنظمة للقافلة على صلة بجماعة الإخوان، خاصة في تونس. الهدف ليس إنسانياً فقط، بل هناك محاولات لإحراج الدولة المصرية، وإظهارها كأنها ترفض التضامن مع غزة، رغم أنها تبذل أقصى ما تستطيع لتأمين إدخال المساعدات ووقف الحرب”.

وأضاف:”الرسائل المغلفة بالإنسانية يجب أن تُقرأ بدقة، لأن استغلال معاناة الشعب الفلسطيني لتحقيق أهداف سياسية لم يعد مقبولاً، وعلى الدولة أن تبقى حازمة في فرض سيادتها”.

بين التضامن والمخاوف: رأي عام منقسم

الجدل حول القافلة لم يبقَ حكراً على المسؤولين أو النشطاء، بل امتد إلى الشارع المصري ووسائل الإعلام. فبينما يرى البعض أن السماح بدخول القافلة واجب أخلاقي وإنساني في ظل ما يتعرض له سكان غزة، فإن آخرين يعتبرون أن الزج بمصر في مواجهات مفتوحة عبر قوافل شعبوية أمر غير محسوب.

وعلى مواقع التواصل، انقسمت الآراء بشكل واضح. فريق عبّر عن تضامنه الكامل مع القافلة وطالب بتمكينها من الوصول إلى غزة، معتبرين أن مصر يجب أن “تفتح قلبها وحدودها لكل من يدعم فلسطين”. في حين حذّر آخرون من “ركوب بعض الجماعات السياسية لموجة التعاطف الشعبي، واستخدامها ضد مصر، وهي التي تتحمل وحدها عبء معبر رفح والمساعدات منذ سنوات”.

مصر.. الحاضر الأكبر في معركة غزة

بعيداً عن الجدل، تواصل مصر لعب دور محوري في الملف الفلسطيني. فمعبر رفح ظل ـ ولا يزال ـ المنفذ الوحيد المفتوح بانتظام أمام الجرحى والمساعدات، في حين تغلق إسرائيل كل معابرها مع القطاع.

وتقود القاهرة جهوداً دبلوماسية مكثفة منذ اليوم الأول للحرب على غزة، وتشارك في المفاوضات غير المباشرة لوقف إطلاق النار، وتقديم المساعدات، واستضافة عشرات الوفود الدولية التي تناقش القضية الفلسطينية.

الرسالة المصرية، بحسب متابعين، واضحة: “لن تزايد علينا أي جهة في دعمنا لغزة، لكننا لن نقبل الفوضى، أو أن نكون ساحة لتصفية حسابات سياسية تحت ستار العمل الإنساني”.

حدود الدعم وحدود السيادة

قافلة “الصمود” ـ كغيرها من مبادرات التضامن الشعبي ـ تطرح سؤالاً عميقاً عن الحد الفاصل بين النية الإنسانية، والمآرب السياسية، خاصة في بيئة شديدة الالتهاب كمنطقة الحدود بين مصر وغزة.

في الوقت الذي تُقدّر فيه مصر كل جهد صادق لدعم الفلسطينيين، فإنها تشدد على أن الدعم الحقيقي لا يكون على حساب السيادة، ولا خارج الأطر المنظمة. ومَن أراد أن يمدّ يد العون، فليمدّها من خلال القنوات القانونية، لا عبر الضغوط ولا الشعارات الرنانة.

دعم لا ينقطع.. مصر تؤكد التزامها الثابت تجاه فلسطين

رغم الجدل المثار حول القافلة، تؤكد مصر في كل مناسبة أن دعمها للشعب الفلسطيني ليس محل نقاش، وأنه دور تاريخي واستراتيجي لا يخضع للمزايدات. فقد كانت القاهرة وما زالت طرفًا أساسيًا في كل مسارات الدعم السياسي والإنساني، بدءًا من استضافة جولات المصالحة الفلسطينية، مرورًا بتسيير قوافل الإغاثة، وفتح معبر رفح أمام الجرحى والمصابين، ووصولًا إلى قيادة الجهود الإقليمية والدولية لإنهاء العدوان.

وفي بيانها الأخير، شددت وزارة الخارجية على أن “مصر ترفض الحصار الإسرائيلي الجائر على قطاع غزة، وتعمل على إنهائه بكل السبل”، مضيفة أن “النفاذ الإنساني يجب أن يتم من جميع المعابر، بما فيها المعابر الخاضعة للاحتلال، وليس فقط من خلال معبر رفح”.

ويؤكد هذا البيان أن مصر ليست بوابة بديلة عن التزامات الاحتلال، بل دولة تسعى إلى تحمل مسؤولياتها الإنسانية، دون أن تتحول إلى ساحة للفوضى أو الضغط السياسي.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.