بعد ترحيب مصر بإعلان الأمم المتحدة.. هل تحل الأزمة الليبية أم هناك عقبات أخرى في طريق التسوية؟
كتب: محمود أحمد
منذ حوالي عقد كامل والأزمة في ليبيا مستمرة ومتأججة نتيجة الخلافات بين قوى وطنية وبعض الميليشيات المزروعة في الدولة والتي تخدم قوى خارجية، ولكن الأمم المتحدة خرجت منذ حوالي يومين وأعلنت خريطة طريق لتسوية الأزمة الليبية تؤدي لتشكيل حكومة مؤقتة وتفتح المجال لانتخابات وطنية، ورحبت مصر بعدها بالإعلان، ولكن ذلك أثار تساؤلات عديدة في أذهان الكثيرين، فمثلا: ما هي أبرز بنود ومحاور خريطة الطريق التي قدمتها الأمم المتحدة لتسوية الأزمة الليبية؟ وكيف تضمن هذه الخريطة تمثيل جميع الأطراف الليبية بشكل عادل في الحوار والمفاوضات؟ وما هي الآليات التي تقترحها الأمم المتحدة لمراقبة تنفيذ بنود خريطة الطريق وضمان الالتزام بها؟
ما هي أبرز بنود ومحاور خريطة الطريق التي قدمتها الأمم المتحدة لتسوية الأزمة الليبية؟
ولذلك تواصلت نافذة الشرق، مع اللواء الدكتور رضا فرحات، أستاذ العلوم السياسية، والذي بدوره أكد أن خريطة الطريق التي أعلنتها الأمم المتحدة لتسوية الأزمة الليبية لا يمكن النظر إليها باعتبارها مجرد وثيقة فنية تحدد مواعيد انتخابية أو آليات لتشكيل حكومة مؤقتة، بل هي انعكاس لتحول في مقاربة المجتمع الدولي تجاه الملف الليبي، بعد إدراك أن استمرار الانقسام يشكل تهديدا ليس فقط على الداخل الليبي وإنما على أمن الإقليم بأكمله.
كيف تضمن هذه الخريطة تمثيل جميع الأطراف الليبية بشكل عادل في الحوار والمفاوضات؟
وأكد أستاذ العلوم السياسية أن أهمية هذه الخريطة تكمن في أنها تحاول معالجة جوهر الأزمة، وهو غياب التوافق على قاعدة سياسية ودستورية تنظم اللعبة السياسية فالمشهد الليبي طوال السنوات الماضية كان رهينا لمعادلة «التسويات المؤقتة» التي سرعان ما تنهار أمام صراع الشرعيات وتنافس المؤسسات ومن هنا فإن التركيز على إعادة توحيد المؤسسات، وربط ذلك بجدول زمني محدد للانتخابات، يعكس محاولة لكسر دائرة المراوحة التي استنزفت الليبيين.
ما هي الآليات التي تقترحها الأمم المتحدة لمراقبة تنفيذ بنود خريطة الطريق وضمان الالتزام بها؟
وأشار «فرحات» في تصريح خاص لـ« نافذة الشرق» إلى أن الأمم المتحدة تدرك أن أي عملية سياسية لن يكتب لها النجاح إذا لم تعكس التوازنات الواقعية على الأرض ولهذا فإنها حرصت على ضمان مشاركة الأطراف المتنوعة من الشرق والغرب والجنوب، إلى جانب المكونات الاجتماعية. وهنا يكمن التحدي الأكبر: فنجاح التمثيل لا يتوقف على مجرد الجلوس على طاولة واحدة، بل على استعداد كل طرف للتنازل عن بعض مصالحه الضيقة لصالح الدولة ككل وإذا غاب هذا الاستعداد، فإن أي خريطة ستظل حبرا على ورق.
وأوضح أن الحديث عن لجان مراقبة وآليات دولية لمتابعة التنفيذ مهم، لكنه يظل غير كاف إذا لم يواكبه ضغط سياسي فعلي على القوى المعرقلة والتجارب السابقة أظهرت أن غياب أدوات الردع سمح لبعض الأطراف بإفشال المسارات الانتقالية دون تكلفة حقيقية لذلك، فإن نجاح هذه الخطة سيعتمد إلى حد بعيد على مدى جدية المجتمع الدولي في فرض التزامات واضحة، وربطها بعقوبات محددة ضد المعرقلين، سواء كانوا أفرادا أو كيانات.
هل هناك تحديات قد تواجهها الأمم المتحدة في تطبيق هذه الخطة على أرض الواقع؟
وأضاف أستاذ العلوم السياسية أن العقبة الجوهرية أمام أي عملية سياسية في ليبيا هي معضلة السلاح ووجود تشكيلات مسلحة خارج سيطرة الدولة يعني أن أي اتفاق قد يظل رهينة لمزاج قادة الميليشيات أو القوى العسكرية المحلية وإذا لم يترافق المسار السياسي مع مقاربة أمنية لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وتفكيك الميليشيات أو دمجها تدريجيا، فإن فرص الاستقرار ستظل محدودة.
هل هناك جدول زمني للخريطة كإجراء الانتخابات أو تشكيل حكومة جديدة؟
وأكد «فرحات» الجدول الزمني المقترح لإجراء الانتخابات قد يبدو طموحا، لكن الإشكالية ليست في المدة الزمنية بقدر ما هي في بناء الثقة بين الأطراف فليبيا شهدت أكثر من محاولة لتحديد مواعيد انتخابية جرى تأجيلها مرارا، والسبب أن القاعدة الدستورية لم تكن محل توافق، وأن الخلاف حول شروط الترشح وتوزيع الدوائر ظل قائما وبالتالي، فإن الالتزام بالجدول هذه المرة سيحتاج إلى تفاهمات حقيقية حول القاعدة الدستورية قبل أي شيء آخر.
لماذا رحبت مصر بخريطة الطريق الأممية بشكل رسمي؟ ما هي المصالح المصرية التي تخدمها هذه التسوية؟
وأشار إلى أن الترحيب المصري الرسمي بالخطة يعكس رؤية استراتيجية ثابتة لدى القاهرة، وهي أن استقرار ليبيا يمثل أحد الأعمدة الأساسية لحماية الأمن القومي المصري، وحدود مصر الغربية بطولها الكبير تجعل من أي فراغ أمني في ليبيا تهديدا مباشرا، سواء عبر تهريب السلاح أو تسلل عناصر إرهابية إلى جانب ذلك، فإن مصر تنظر إلى ليبيا باعتبارها مجالا حيويا للتعاون الاقتصادي، خاصة في ملف إعادة الإعمار الذي سيتيح فرصا كبيرة للشركات المصرية ومن هنا، فإن أي تسوية تضمن استقرار المؤسسات الليبية تصب في مصلحة مصر على المستويين الأمني والاقتصادي.
كيف تتوقع أن تدعم مصر تطبيق هذه الخريطة بشكل عملي، سواء على المستوى السياسي أو اللوجستي؟
وأوضح أستاذ العلوم السياسية أن دعم مصر لن يتوقف عند مستوى التصريحات السياسية، بل سيمتد إلى أدوار عملية، منها المساهمة في بناء قدرات المؤسسات الليبية، ودعم العملية الانتخابية فنيا ولوجستيا، فضلا عن دورها التقليدي في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء، خاصة أن مصر تحظى بثقة ملحوظة لدى قطاع كبير من النخب والقبائل الليبية لافتا إلى أن الموقف الليبي الداخلي من الخريطة لا يزال متباينا، فبينما ترى بعض القوى أنها فرصة لإنهاء حالة الجمود، هناك أطراف أخرى تتوجس من فقدان نفوذها أو تقليص صلاحياتها وهنا يبرز دور المصالحة الوطنية كعنصر مكمل لأي تسوية سياسية لانه بدون مصالحة حقيقية تعالج الجراح الاجتماعية والنفسية، سيظل المشهد معرضا للانتكاس عند أول خلاف سياسي.
ما هي أبرز النقاط الخلافية بين الأطراف الليبية التي لا تزال بحاجة إلى حل قبل المضي قدمًا في التسوية؟
وأكد فرحات أن النقاط الخلافية الجوهرية التي لم تحسم بعد – مثل القاعدة الدستورية، توزيع عائدات النفط، ومصير بعض القيادات المثيرة للجدل – تشكل الاختبار الحقيقي للخطة الأممية فإذا نجحت الأطراف في التوصل إلى حلول وسط لهذه القضايا، فإن فرص نجاح الخطة سترتفع بشكل ملموس، أما إذا بقيت هذه الملفات مفتوحة، فستظل بمثابة قنابل موقوتة قابلة للتفجير في أي لحظة.
وشدد أستاذ العلوم السياسية على أن خريطة الطريق الأممية تمثل نافذة أمل جديدة أمام الليبيين، لكنها ليست ضمانة أكيدة للنجاح فالنجاح مرهون بإرادة الليبيين أولا في تجاوز منطق المغالبة، وبوجود دعم إقليمي ودولي يضع مصلحة الدولة فوق الحسابات الضيقة وإذا تحقق ذلك، فإن ليبيا يمكن أن تبدأ أخيرا رحلة العودة إلى الدولة المستقرة القادرة على استثمار ثرواتها الهائلة لصالح شعبها، وهو ما سينعكس إيجابا على استقرار المنطقة بأكملها.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.