بعد تهديد نتنياهو باحتلال غزة بالكامل.. مفاوضات وفد حماس في القاهرة بين الأمل والمراوغة

5

كتب عبد الرحمن السيد

في ظل أجواء شديدة التوتر وتلويح إسرائيلي بالتصعيد حتى “احتلال كامل” لقطاع غزة، انطلقت في القاهرة، اليوم الأربعاء، جولة جديدة من المفاوضات بين حركة حماس والمسؤولين المصريين، وسط تساؤلات حادة حول ما إذا كانت هذه الجهود الدبلوماسية تحمل أملًا حقيقيًا في وقف الحرب، أم أنها مجرّد نقاشات شكلية على طاولة لا تغير في واقع الميدان.

وصول وفد حماس إلى القاهرة

أعلنت حركة حماس، صباح الأربعاء، وصول وفدها برئاسة خليل الحية إلى العاصمة المصرية، لبدء محادثات وصفتها بـ”المهمة”، تتركز على وقف الحرب في غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة، وبحث سبل إنهاء معاناة الفلسطينيين في القطاع، إلى جانب ملف التوافق الوطني الفلسطيني بين مختلف الفصائل.

وأكدت الحركة في بيان رسمي أن جدول الأعمال يشمل أيضًا القضايا المتعلقة بالضفة الغربية والقدس والمسجد الأقصى، إضافة إلى العلاقات الثنائية مع مصر، مشيدة بدور القاهرة في دعم القضية الفلسطينية، واصفة العلاقات مع مصر بأنها “ثابتة وقوية”، مع إشارة إلى استمرار العمل المشترك في مختلف الملفات.

تصريحات طاهر النونو

من جانبه، أوضح القيادي في حماس طاهر النونو، والموجود في القاهرة حاليًا، أن الوفد بدأ جلسات تمهيدية قبل المفاوضات الرسمية، مضيفًا أن القضايا المطروحة تشمل سبل وقف العدوان، إدخال المساعدات، تعزيز الوحدة الوطنية، وتطوير العلاقات مع مصر. وأشاد النونو بجهود الرئيس عبد الفتاح السيسي في الدفع بالمفاوضات وتثبيت المواقف الداعمة للفلسطينيين.

مقترح مصري للتسوية

وبحسب تقارير إسرائيلية، عرضت مصر على حركة حماس صفقة شاملة تتضمن إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في القطاع، مقابل وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية، إلى جانب نزع سلاح الحركة، وهي النقطة الأكثر حساسية بالنسبة لحماس، والتي ترفضها فصائل المقاومة باعتبارها مساسًا بجوهر مشروعها السياسي والعسكري.

الموقف المصري

مصدر مصري مسؤول أكد، أمس الثلاثاء، أن زيارة وفد حماس تأتي بعد جمود طويل في المفاوضات، وأن القاهرة تسعى لاستئناف العملية التفاوضية والتقدم نحو اتفاق شامل لوقف إطلاق النار، مشددًا على أن الجهود المصرية مستمرة رغم التعقيدات، وأن وقف الحرب هو أولوية إنسانية وأمنية في آن واحد، خاصة في ظل التهديدات التي تمس استقرار المنطقة.

تشدد إسرائيلي وتصعيد في الخطاب

على الجانب الآخر، جدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موقفه الرافض لأي “صفقات جزئية” بخصوص الأسرى، مؤكدًا في تصريحات لوسائل إعلام عبرية عزمه المضي في العمليات العسكرية حتى “تحقيق السيطرة الكاملة على غزة”. وأضاف نتنياهو أن إسرائيل ستسمح لسكان القطاع بالخروج إذا أرادوا، مشيرًا إلى أن حكومته ستبحث مع دول أخرى استقبال هؤلاء السكان، من دون أن يسمي أي دولة محددة، ما يعكس استمرار الطرح الإسرائيلي بخيارات التهجير.

تحليل اللواء مجدي شحاتة

وفي تصريح خاص لـ”نافذة الشرق”، اعتبر الخبير الاستراتيجي اللواء مجدي شحاتة أن إسرائيل تحاول عرقلة أي مفاوضات جادة، مفسرًا ذلك برغبتها في استمرار الفوضى في المنطقة لتحقيق أهداف سياسية وأمنية تخدم مشروعها التوسعي.

وقال شحاتة: “نحن كدول عربية نستطيع أن نمحو وجودها الهش في المنطقة كدولة احتلال، إذا توافرت الإرادة السياسية الموحدة”، مضيفًا أن التفاوض يجب أن ينطلق من قناعة أن الوجود الإسرائيلي ليس أمرًا حتميًا، وأن عودة اليهود المقيمين في إسرائيل إلى أوطانهم الأصلية “ليست مستحيلة”.

وأشار إلى أن الهدف الحقيقي لإسرائيل الآن هو إبقاء المنطقة في حالة اضطراب دائم، وضرب استقرار الدول العربية الكبرى، وفي مقدمتها مصر، مؤكدًا أن القاهرة تدرك حجم المخاطر، ولهذا تدفع بالمفاوضات إلى الأمام لمحاولة إنهاء العدوان الذي يهدد أمنها القومي بشكل مباشر.

مفاوضات بين الواقع والمأمول

رغم الحراك النشط في القاهرة، يرى مراقبون أن الفجوة بين مواقف الأطراف لا تزال واسعة، خاصة في ظل إصرار إسرائيل على شروط قاسية، من بينها نزع سلاح المقاومة، ورفضها أي وقف لإطلاق النار قبل “تحقيق أهدافها العسكرية”، وهو ما تعتبره حماس استسلامًا غير مقبول.

في المقابل، تسعى مصر لتقريب وجهات النظر عبر طرح صيغة متدرجة لوقف إطلاق النار، تبدأ بوقف مؤقت للعمليات العسكرية، يسمح بإدخال المساعدات وإجراء تبادل جزئي للأسرى، تمهيدًا لبحث الملفات السياسية الكبرى، مثل إعادة الإعمار وترتيب الوضع في القطاع بعد الحرب.

الملفات الإنسانية والضغط الدولي

ملف المساعدات الإنسانية يشكل محورًا أساسيًا في المفاوضات، إذ تؤكد منظمات الإغاثة أن الوضع في غزة وصل إلى مرحلة كارثية، مع تدمير واسع للبنية التحتية ونقص حاد في الغذاء والدواء والمياه. ويأمل الوسطاء أن يشكل الضغط الدولي، خاصة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عامل دفع نحو تهدئة مؤقتة على الأقل.

آفاق الجولة الحالية

رغم التعقيدات، لا يستبعد بعض المحللين أن تنجح القاهرة في تحقيق اختراق جزئي، خاصة إذا تمكنت من إقناع إسرائيل بوقف مؤقت لإطلاق النار مقابل إطلاق دفعة من الأسرى، مع التزام حماس بضمانات أمنية محدودة، لكن يبقى السيناريو الأكثر ترجيحًا هو استمرار جولات التفاوض دون اتفاق نهائي قريب.

وفي ظل تهديدات نتنياهو المتكررة وغياب الثقة بين الطرفين، تبدو الجولة الحالية أشبه بسباق مع الزمن، تحاول فيه مصر منع الانزلاق نحو مواجهة أوسع قد تمتد تداعياتها إلى الإقليم بأكمله، بينما تتمسك الأطراف بمواقفها الجوهرية، ما يجعل الأمل في تسوية شاملة قريبًا أمرًا محفوفًا بالتحديات. وعلى كل، فإن مصر تبذل جهودا كبيرة من أجل الوصول إلى تهدئة ووقف إطلاق النار وإغلاق الطريق على إسرائيل في توسيع دائرة الحرب والعدوان على بقية المنطقة التي تعاني ويلات الدمار التي خلفها الاحتلال الإسرائيلي على مدار سنوات وعقود طويلة.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.