بين أمل السلام وشبح الحرب.. مفاوضات شرم الشيخ تحدد مصير غزة
كتبت: هدير البحيري
بعد أكثر من عامين من الحرب المتواصلة في غزة، التي خلفت دمارًا هائلًا ومأساة إنسانية غير مسبوقة، عاد ملف القطاع إلى واجهة الأحداث من خلال مفاوضات شرم الشيخ.
في ظل حصار خانق وأزمة غذائية وصحية حادة، تحاول الدبلوماسية الدولية كسر دائرة العنف المتواصلة منذ انهيار اتفاق وقف إطلاق النار مطلع 2025، عبر قمة تجمع ممثلي حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي برعاية مصرية – قطرية – أمريكية – تركية.
وتحمل هذه المفاوضات آمالًا كبيرة بوقف النزيف وفتح الطريق أمام تسوية سياسية قد تغير مستقبل غزة بالكامل، وسط تساؤلات حادة حول ما إذا كانت هذه القمة ستشكل نقطة تحول حقيقية لإنهاء الحرب، أم مجرد مرحلة جديدة من المراوغة السياسية والدبلوماسية.
الإعلان عن اتفاق المرحلة الأولى
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق بشأن المرحلة الأولى من خطة السلام في قطاع غزة، بعد مفاوضات غير مباشرة بين وفدي حماس وإسرائيل بمدينة شرم الشيخ المصرية.
وأكد أن الاتفاق يشمل إطلاق سراح جميع الرهائن قريبًا، وسحب القوات الإسرائيلية إلى الخط المتفق عليه، كخطوة أولى نحو سلام قوي ومستدام.
وتضمنت خطة السلام 20 بندًا تشمل الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين، وقف إطلاق النار، ونزع سلاح حركة حماس، وهي الأسس التي تشكل المرحلة الأولى من الاتفاق.
كما أعلن ترامب عن زيارته المرتقبة إلى مصر لحضور مراسم توقيع الاتفاق، مؤكدًا أن الحرب انتهت وأن عملية استعادة الرهائن ستبدأ خلال أيام، في خطوة وصفت بأنها تاريخية على صعيد جهود وقف النزاع في القطاع.
الدور المصري والمباحثات المكثفة
أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتصالًا هاتفيًا بنظيره الأمريكي، مؤكدًا ضرورة المضي قدمًا في تنفيذ اتفاق وقف الحرب بكافة مراحله، مع دعم ورعاية الولايات المتحدة لعملية التنفيذ.
وأوضح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، السفير محمد الشناوي أن السيسي هنأ ترامب على جهوده الحثيثة في وقف الحرب، مشيدًا بدوره في تحقيق هذا الإنجاز التاريخي.
وتتولى القاهرة دور الوسيط الرئيس ومراقب التنفيذ، حيث تتابع تنسيق الأطراف لضمان الالتزام الكامل بوقف إطلاق النار، إضافة إلى إدارة المساعدات الإنسانية وتوفير احتياجات النازحين.
موقف حركة حماس من خطة إدارة غزة
أعلنت حركة حماس عن الاتفاق، مشيرة إلى أنه ينهي الحرب ويتضمن انسحابًا إسرائيليًا وتبادل الأسرى، مع مطالبة بضمان تنفيذ إسرائيل لوقف إطلاق النار بالكامل.
وأكد كبير مفاوضي حماس، خليل الحية أن الاتفاق يشمل إطلاق سراح 250 أسيرًا محكومًا بالمؤبد و1700 من أسرى القطاع، إلى جانب دخول المساعدات الإنسانية وفتح معبر رفح.
تضمنت خطة ترامب إدارة شؤون غزة عبر لجنة فلسطينية من التكنوقراط تحت إشراف “مجلس السلام” برئاسته وعضوية رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، دون أي مشاركة لحركة حماس في إدارة القطاع.
وقد رفضت الحركة هذا المقترح رفضًا قاطعًا، معتبرة أن أي إشراف خارجي على حكم غزة يمثل محاولة لإعادة الانتداب والاستعمار على أرضها.
ترحيب دولي واسع
لاقى الاتفاق ترحيبًا دوليًا واسعًا، وسط آمال بأن يشكل بداية فعلية لنهاية الحرب المدمرة ومسارًا سياسيًا جديدًا.
ففي الاتحاد الأوروبي، وصفت مسؤولة السياسة الخارجية كايا كالاس الاتفاق بأنه “خطوة كبيرة جدًا إلى الأمام”، مؤكدة دعم بروكسل الكامل لتنفيذه.
وفي المملكة المتحدة، اعتبر رئيس الوزراء كير ستارمر الاتفاق “لحظة ارتياح عميق” للمدنيين في غزة وعائلات الرهائن، داعيًا إلى رفع القيود عن المساعدات الإنسانية فورًا.
وفي إيطاليا، أكدت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني أن الاتفاق “خبر استثنائي”، فيما أبدى وزير الخارجية أنطونيو تاجاني استعداد بلاده للمشاركة في قوات حفظ السلام إذا دعت الحاجة.
كما رحب قادة أستراليا، نيوزيلندا، كندا، الهند، والأرجنتين بالاتفاق، معتبرينه خطوة ضرورية لإنهاء معاناة المدنيين.
وعلى الصعيد الدولي، أكدت الأمم المتحدة التزامها الكامل ببنود الاتفاق، فيما دعت الصين إلى تطبيق سريع وشامل لوقف إطلاق النار، مؤيدة حل الدولتين ومبدأ حكم الفلسطينيين لأراضيهم.
اللواء سمير فرج: القاهرة تمهد الأرض لسلام حقيقي في غزة والمنطقة!
ومن جانبه، أكد الخبير العسكري والاستراتيجي المصري اللواء الدكتور سمير فرج أن مصر تضطلع بدور محوري في الوساطة ومراقبة تنفيذ الاتفاق، مشيرًا إلى أن القاهرة “تمهد الأرض لسلام حقيقي في غزة والمنطقة”.
وأوضح اللواء فرج أن القيادة المصرية تتابع تفاصيل التنسيق لضمان الالتزام الكامل بوقف إطلاق النار، إضافة إلى تحمل القاهرة العبء الإنساني الأكبر في القطاع من خلال إدارة المساعدات والإغاثة، وتوفير احتياجات النازحين.
وقال اللواء فرج إن الأجواء في شرم الشيخ مبشرة، مشيرًا إلى وجود مرونة واضحة من الطرفين في بعض القضايا الحساسة، بحسب ما نقلته “سكاي نيوز”.
وأوضح أن مطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تقلصت من خمس نقاط إلى ثلاث، فيما أبدت حركة حماس تفهمًا لبعض القضايا الخلافية، ما يشير إلى رغبة الطرفين في التوصل إلى تفاهم سريع.
مع ذلك، شدد اللواء فرج على أن نجاح الاتفاق يعتمد بشكل كبير على وجود ضمان أمريكي ملزم، يمنع استئناف إسرائيل للعمليات العسكرية بعد تسليم الرهائن، لضمان تثبيت بنود الاتفاق وتحقيق الاستقرار الميداني.
وحول الوضع الأمني، أكد اللواء فرج أن الحديث عن نزع سلاح حماس مبالغ فيه، وأن الحركة تمتلك أسلحة خفيفة فقط ولا تشكل تهديدًا استراتيجيًا، مشيرًا إلى أن إسرائيل لم تحقق أهدافها العسكرية، وأن “الانتصار العسكري الحقيقي يُقاس بتحقيق المهمة، لا بحجم الدمار”. وأوضح أن التهديدات الأمنية على الحدود الشمالية محدودة، وأن نجاح المرحلة الأولى يعتمد على الرقابة المصرية والضمانات الأمريكية لضمان الاستقرار الميداني.
تأثير الاتفاق على المشهد الفلسطيني الداخلي
وقال الباحث المصري في العلاقات الدولية، الدكتور يسري عبيد، في حديث خاص لـ”نافذة الشرق” إن تأثير اتفاق شرم الشيخ على المشهد السياسي الفلسطيني الداخلي سيتوقف على تنفيذ المراحل التالية للمرحلة الأولى، والتي تُعرف بـ”مسألة اليوم التالي للحرب في قطاع غزة”.
وأوضح أن الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، ترفض تشكيل هيئة دولية لإدارة القطاع، وتطالب بأن يكون المسؤولون تكنوقراط فلسطينيون، حتى لو من ضمن السلطة الفلسطينية.
وأضاف عبيد أن نجاح المرحلة الأولى من الاتفاق وإجبار جميع الأطراف على أن تتولى السلطة الفلسطينية أو هيئة فلسطينية مستقلة إدارة قطاع غزة، سيكون تمهيدًا لتوافق فلسطيني–فلسطيني وربما انعقاد اجتماعات لاحقة في القاهرة لمحاولة لم الشمل وإنهاء الانقسام بين الفصائل والسلطة الفلسطينية.
ضمانات دخول المساعدات الإنسانية
وأشار عبيد إلى أن مسألة إدخال المساعدات الإنسانية تم بحثها مطولًا خلال الاتفاق، مؤكّدًا أن هناك ضمانات كافية من جميع الأطراف والوسطاء، بما في ذلك الجانب الأمريكي، لضمان دخول المساعدات بمجرد تنفيذ الاتفاق وعودة الأسرى الإسرائيليين.
وذكر عبيد أن الاتفاق في المرحلة الأولى ينص على إدخال نحو 600 شاحنة يوميًا إلى قطاع غزة، مشيرًا إلى أن الفصائل الفلسطينية وخصوصًا حماس حصلت على تعهدات رسمية من الوسطاء لتنفيذ هذا البند وضمان وصول المساعدات للمدنيين دون عرقلة.
كما أوضح أن الانسحابات الإسرائيلية المبكرة ستتيح للهيئات الفلسطينية، بما في ذلك حماس، تولي الأمن داخل القطاع، فيما قد تشارك أطراف عربية في تسهيل دخول المساعدات وحمايتها من السرقة أو أي محاولات للتعدي عليها.
قدرة الفصائل على إنجاز المرحلة الأولى
وأكد الباحث المصري في العلاقات الدولية أن الفصائل الفلسطينية قادرة على تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق دون أي خلافات أو صراعات داخلية.
وأضاف أن جميع الفصائل، بما في ذلك حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة حماس، كانت حاضرة في مفاوضات شرم الشيخ لضمان التنسيق الكامل في مسألة إعادة الأسرى، نظرًا لأن بعض الفصائل كانت تحتفظ بأسرى إسرائيليين ورفات، وكان من الضروري توقيع تعهد رسمي على الالتزام بتنفيذ المرحلة الأولى.
وأشار إلى وجود تفاهم كبير بين الفصائل وقدرتها على تنسيق موقفها لإتمام المرحلة الأولى دون تهديدات أو عرقلة.
سيناريو الفشل والمخاطر الإقليمية
قال عبيد إنه في حال فشل الاتفاق، فإن الحرب قد تعود إلى غزة بشكل أكثر عنفًا، مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل القطاع.
وأضاف أن احتمالات الفشل تبقى ضئيلة، مشيرًا إلى مؤشرات على أن نجاح الاتفاق قد يدفع إسرائيل بقيادة نتنياهو إلى التوجه نحو صراعات إقليمية أخرى، لا سيما ضد إيران.
وأكد عبيد أن هذه التطورات المحتملة تجعل المنطقة والإقليم مرشحين لتصعيد محتمل خلال الفترة المقبلة، خصوصًا إذا ما قامت إسرائيل والولايات المتحدة بأي تحركات عسكرية إضافية بعد تثبيت وقف إطلاق النار في غزة.
انقسامات داخل الحكومة الإسرائيلية
وعلى صعيد آخر، قال الخبير الفلسطيني المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور خليل أبو كرش، في حديث خاص لـ”نافذة الشرق”، إن هناك اعتراضات داخل الحكومة والائتلاف على اتفاق شرم الشيخ، مشيرًا إلى أن مصدر هذا الاعتراض يأتي من أعضاء مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن جيفير.
ورغم حالة الاعتراض لديهم، أكد أبو كرش أن هذا لا يهدد إسقاط الحكومة، ما يشير إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد يكون قد قدم وعودًا بأن الصفقة تمثل فقط المرحلة الأولى، مع إمكانية الانسحاب أو إعادة النظر في المراحل اللاحقة إذا ما تغيرت الظروف.
وأضاف أبو كرش أن استطلاعات الرأي الحالية لا تمنح حزب سموتريتش فرصة حقيقية للعودة إلى الحكم بشكل مستقل، وهو ما يجعل البقاء ضمن الحكومة الحاليّة والاستفادة من الإنجازات السياسية أمرًا استراتيجيًا بالنسبة لهم.
المصلحة الاستراتيجية لإسرائيل
وأوضح الخبير في الشؤون الإسرائيلية أن عودة المختطفين والمحتجزين تمثل مصلحة استراتيجية واضحة لإسرائيل، حيث تتطابق مع رغبة الرأي العام، وتشكل إنجازًا يمكن أن يستفيد منه نتنياهو سياسيًا، خاصة مع اقتراب الانتخابات القادمة، تحت شعار النجاح في إجبار حماس على التراجع وتحقيق مكاسب سياسية ودبلوماسية.
وأضاف أبو كرش أن الصورة الدولية لإسرائيل بعد الحرب في غزة كانت سيئة للغاية، وأن الصفقة تمثل فرصة لتخفيف الحصار السياسي والدبلوماسي الذي واجهته، وتحسين صورتها أمام العالم، بما يشمل مكاسب استراتيجية محتملة على المدى الطويل.
الضغوط الدولية وأثرها
أكد أبو كرش أن الضغوط الدولية كانت عاملًا مهمًا في دفع إسرائيل نحو هذه الصفقة، مشيرًا إلى أن التأثير لم يكن أمريكيًا فقط، بل شمل ضغوطًا عربية وأوروبية، سواء بشكل مباشر أو عبر خطوات مثل الاعتراف بدولة فلسطين ومقاطعة السردية الإسرائيلية.
وأوضح أن هذه الضغوط دفعت إسرائيل إلى محاولة كسر العزلة السياسية والدبلوماسية، حتى وإن تطلب الأمر من الولايات المتحدة مراجعة انحيازها الكامل لإسرائيل، خاصةً وأن واشنطن بدأت تدرك أن هذا الانحياز قد يؤثر على مصالحها وتوازن القوى في الشرق الأوسط.
الرأي العام الإسرائيلي والضغط الداخلي
أشار أبو كرش إلى أن الرأي العام الإسرائيلي يمارس ضغطًا كبيرًا على الحكومة لتحقيق صفقة تضمن عودة الرهائن والمحتجزين، معتبرًا أن أي جهة تنجح في تنفيذ ذلك ستكسب احترامًا سياسيًا وشعبيًا، وسيكون ذلك محور المعركة الانتخابية القادمة.
وأكد أن هذه الصفقة تأتي أيضًا في سياق محاولة نتنياهو واليمين الإسرائيلي إخفاء إخفاقاتهم في أحداث 7 أكتوبر، وعرض النجاحات المتعلقة بغزة وسوريا وحزب الله وحتى إيران، لتعزيز صورتهم أمام الناخبين.
الحكمة المصرية في إدارة الوساطة
ثمن الخبير الفلسطيني أبو كرش الدور المصري في إدارة العملية التفاوضية، مؤكدًا أن القاهرة لعبت دورًا حاسمًا في منع تفاقم المخاطر وكسر مخططات الطرد والتهجير، وضمان توازن الوساطة بين الأطراف المختلفة، بما يحافظ على استقرار مسار المفاوضات ويعزز فرص تثبيت الاتفاق.
دور وسطاء مثل تركيا وقطر
وتطرق أبو كرش إلى موقف إسرائيل من مشاركة أطراف مثل تركيا وقطر في المفاوضات، موضحًا أن تل أبيب تراهم في الغالب كأطراف ذات دور داعم لا رئيسي، رغم أن هناك اعترافًا بالقرب القطري من حماس.
وأوضح أن إسرائيل حاولت تقويض الدور القطري من خلال تنفيذ هجوم سياسي ودبلوماسي في الدوحة، ما خلق مخاطر محتملة لتوسيع نطاق الحرب من غزة.
وأضاف أبو كرش أن تركيا تلعب دورًا مؤثرًا من خلال علاقاتها السابقة مع بعض الأوساط المرتبطة بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ما يمنحها قدرة على التأثير في مواقف حركة حماس.
وأكد أن عودة كل من تركيا وقطر للقيام بدور الوساطة جاءت أيضًا تحت ضغط أمريكي، نظرًا لامتلاكهما قنوات تواصل مباشرة مع قيادة حماس يمكن استغلالها لدفع الحركة نحو مواقف أكثر مرونة خلال المفاوضات
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.