بين الإصلاح والضغط.. ماذا تحمل المراجعة الخامسة من شروط لصندوق النقد؟

5

كتب: عبد الرحمن السيد

بين مسارين متوازيين من الالتزام بالإصلاحات الاقتصادية، وضغط المطالب الاجتماعية، تخوض مصر جولتها الخامسة من المراجعة مع صندوق النقد الدولي، وهي مراجعة توصف بأنها فارقة في مسار البرنامج الممتد، خاصة في ظل ما تمر به البلاد من تحديات تمويلية واقتصادية. التقرير التالي يسلط الضوء على أبعاد هذه المراجعة، وما تحمله من شروط وتداعيات، من خلال تحليل مضمون الاتفاق، وآراء خبراء واقتصاديين وبرلمانيين.

المراجعة الخامسة وهدفها

المراجعة الخامسة تمثل جزءًا من التقييمات الدورية التي يجريها صندوق النقد الدولي للتأكد من تنفيذ الدولة لبنود الاتفاق المبرم معها. وفي هذه المرحلة، تتركز المراجعة على الإصلاحات الهيكلية، بعد أن نفذت مصر جانبًا كبيرًا من الإصلاحات المالية منذ مارس 2024، وعلى رأسها تقليص الدعم على المحروقات، وتحرير سعر الصرف.

يقول الدكتور محمد أنيس، الخبير الاقتصادي، في تصريحات خاصة لـ “نافذة الشرق”: إن هذه المراجعة “تركّز على التوازنات المالية الكلية، ورفع نسبة الفائض الأولي في الموازنة من 2.5% إلى 4%، وتقليل العجز العام، وتعزيز دور القطاع الخاص”.

وفي تصريح خاص، أوضح النائب محمد بدراوي، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن الهدف المباشر هو صرف الشريحة الخامسة من القرض، بعد التأكد من وفاء مصر بالتزاماتها السابقة.

ما علاقتها بالشريحة الجديدة من القرض؟ وما قيمتها؟

صرف الشريحة التالية مشروط بموافقة مجلس إدارة صندوق النقد على نتائج المراجعة، بحسب ما أكده النائب ياسر عمر، وكيل لجنة الخطة والموازنة لـ “نافذة الشرق”. ويُرجح أن تكون قيمة الشريحة المرتقبة 1.2 مليار دولا، بخلاف دفعات موازية من قرض الاستدامة بقيمة إجمالية تصل إلى 2 مليار دولار تُصرف على عشر دفعات بحسب الدكتور محمد أنيس.

ويؤكد علي الأدريسي الإدريسي الخبير الاقتصادي، لـ نافذة الشرق، أن مصر “بحاجة ماسة” لهذه الشريحة لسد الفجوة التمويلية، ودعم استقرار الجنيه، وتعزيز الثقة بالاقتصاد.

اتفاق صندوق النقد.. متى بدأ البرنامج الحالي؟

يشير “الإدريسي” إلى أن البرنامج الحالي بين مصر وصندوق النقد الدولي بدأ في ديسمبر 2022، تحت مسمى “برنامج التسهيل الممدد (EFF)” لمدة 46 شهرًا، بقيمة أولية 3 مليارات دولار، رُفعت لاحقًا إلى 8 مليارات في مارس 2024 بعد إعادة التفاوض. لكن صرف الشرائح تعثر لأكثر من عام بسبب تأخر تطبيق بعض الإصلاحات الجوهرية، خاصة المتعلقة بتحرير سعر الصرف.

ما أبرز البنود المتفق عليها في البرنامج؟

ويتابع: الاتفاق يتضمن مجموعة من الأهداف الرئيسية:

الانتقال إلى سعر صرف مرن بالكامل.

تقليص دور الدولة والجيش في النشاط الاقتصادي.

خفض الدعم تدريجيًا عن الطاقة.

تعزيز مشاركة القطاع الخاص.

إصلاح الهيئات الاقتصادية والشركات العامة.

تخفيض الدين العام وعجز الموازنة.

هل يتضمن الاتفاق رفع دعم جديد؟

يؤكد علي الإدريسي، أن الاتفاق لا يتحدث عن “رفع الدعم” بالمعنى الصريح، بل عن “إعادة توجيه الدعم” إلى مستحقيه، وفق رؤية صندوق النقد. ويتضمن ذلك مراجعة دورية لأسعار الوقود، زيادات تدريجية في أسعار الكهرباء، إعادة تقييم منظومة دعم الخبز.

من جانبه، أوضح النائب محمد بدراوي أن “الدعم ما زال قائمًا في الموازنة، سواء للسلع التموينية أو الكهرباء أو المحروقات”، لكنه أشار إلى أن “دعم المواد البترولية انخفض إلى النصف من 150 مليار إلى 75 مليار جنيه”، بسبب زيادة أسعار المحروقات في شهر أبريل الماضي.

هل هناك نية لزيادة أسعار الخدمات؟

في رده على هذا السؤال، قال “الإدريسي”: “الإجابة المختصرة: نعم، ولكن بشكل تدريجي. فوزارة الكهرباء، على سبيل المثال، أجّلت عدة مرات زيادة أسعار الكهرباء، لكنها قد تعود للتطبيق منتصف 2025.

هل توجد خطة لتحرير سعر الصرف بالكامل؟

يؤكد الخبير الاقتصادي محمد أنيس أن “مصر حررت سعر الصرف فعليًا في مارس 2024” وأصبح الآن سعر الصرف مرنًا، ويضيف قائلا: “لمراجعة الخامسة تركز على الإصلاحات الهيكلية وليست المالية لأن الإصلاحات المالية تم تنفيذها منذ شهر مارس 2024، وآخر هذه الإصلاحات كانت مرتبطة بتقليل الدعم الخاص بالمحروقات، وتم اتخاذ القرار في أبريل الماضي وبالتالي لا يوجد شيء مطلوب فيما يخص تحريك سعر الصرف أو تقليل الدعم على المحروقات لأن الإجراءات المطلوبة نفذت من مصر حتى تاريخه”.

أما النائب ياسر عمر، فشدد على أن “سعر الصرف أصبح مرنًا بالفعل ولا يوجد تدخل حكومي”.

ما مصير الدعم النقدي والخبز والمحروقات؟
فيما يخص الدعم النقدي، يؤكد النائب محمد بدراوي، أن الدعم النقدي يتجه للتوسع مع زيادة مخصصات تكافل وكرامة. ويساعد ذلك الانخفاض الذي يشهده سعر البترول عالميًا، والذي يحقق فائض يمكن أن توجهه الحكومة لدعم الأكثر احيتاجًا.

فيما يخص الخبز، فيشير علي الإدريسي، أنه حتى الآن لا توجد قرارات رسمية برفع سعر الخبز المدعوم، لكن هناك مقترحات بتعديل السعر أو تقليل كمية الدعم في المستقبل.

أما فيما يخص المحروقات، فالحكومة تطبق آلية التسعير التلقائي ربع السنوية، والأسعار ستظل عرضة للتغير وفق السوق العالمي. بحسب “الإدريسي”.

لماذا يرى البعض أن التقشف ضرورة؟

الدكتور علي الإدريسي يرى أن “الانضباط المالي ضروري لخفض العجز وتحقيق استدامة الدين العام”، ويضيف: “من دون تقشف محدود، لن يتحقق الاستقرار النقدي ولا يمكن بناء ثقة المستثمرين الأجانب”.

كيف يؤثر على بيئة الاستثمار؟

النائب محمد بدراوي أشار إلى أن “الاستثمار لا ينتعش إلا باستقرار سعر الصرف، وانخفاض التضخم، وتراجع سعر الفائدة”. ورأى أن البنك المركزي مطالب بالإسراع في خفض الفائدة تدريجيًا لتحفيز الاستثمار، إذ إن “الموازنة العامة تتحمل أعباء ضخمة نتيجة الفوائد المرتفعة”.

في ضوء ذلك، يؤكد الخبراء الاقتصاديين أن المراجعة الخامسة تمثل مرحلة اختبار حقيقي للسياسات الاقتصادية المصرية. وبين الحاجة إلى التمويل الخارجي، والحرص على العدالة الاجتماعية، تمضي مصر في طريق محفوف بالتحديات، لكنه أيضًا مليء بفرص إعادة الهيكلة الشاملة للاقتصاد.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.