بين الاستثمارات والبُعد السياسي.. ماذا تعني زيارة ملك إسبانيا لمستقبل العلاقات المصرية الأوروبية

1

كتب : احمد سمير

جائت زيارة العاهل الأسبانى الملك ” فليب السادس ” ، وزوجته الملكة ” ليتيزيا ” بعد توليه العرش فى 2014لتكون أول زيارة إلى القاهرة تؤكد عمق العلاقات التاريخية بين الدولتين ، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون الإستراتيجي فى مختلف المجالات.
إمتدت الزيارة لثلاثة أيام حملت فيها أبعاد سياسية ، وثقافية ، واقتصادية ، فى توقيت حساس تشهده المنطقه والعالم مما منحها دلالات إضافية تتجاوز الطابع البروتوكولى ، توقيت الزيارة يعكس رغبة الطرفين فى ترقية علاقة دبلوماسية تجارية يعود تاريخها إلى عقود ، هذه الشراكة الإستراتيجية قابلة للقياس عبر اتفاقيات تنفيذية ، ومشروعات استثمارية محددة
فى ظل تحديات إقليمية على وجه الأخص ملف غزة ، والأمن الإقليمى فقد إتخذت بعدا دبلوماسيا واضحا ، بالإضافة إلى البعد الإقتصادى والثقافى .

أهم الملفات التى تم الإتفاق عليها وتوقيعها ..

اتفاقية الشراكة من أجل التنمية والتى تمتد إلى عام 2030 ، فقد تم توقيعها بين رئيس وزراء المصرى ونظيرة الأسبانى , لتكون أول اتفاقية بين القاهره ومدريد تهدف إلى التعاون فى عدة مجالات ضمنها التنمية المستدامة ، تمكين المرأة ، توسيع التعاون التقني والإقتصادي ، نصت الإتفاقية على وضع لجان مشتركة للمتابعة ، تنفيذ وتنسيق البرامج الثنائية والإقليمية .

اتفاقية تعاون أمنى وقانونى ..

حيث تم الإتفاق على وضع عدة بروتوكولات قضائية مشتركة ، تشمل تبادل خبرات ، معاهدات تعاون فى قضايا التسليم والتعاون الجنائى ، وذلك لإطار أوسع فى التعاون لمكافحة الجريمة ، والهجرة غير الشرعية , كما تم وضع مذكرات شراكة فى عدد من المجالات الأخر كـ “السياحة ، والطاقة ، تطوير البنية التحتية “.

وقد تم الإعلان عن نوايا توقيع مذكرات تفاهم مع شركات إسبانية تعمل فى مجال السكك الحديديةعالية السرعة ، إدارة المياه، والطاقة المتجددة، إلى جانب دراسة أطر استثمارية في مشاريع العاصمة الإدارية ومترو القاهرة .

منتدى الأعمال المصرى الأسبانى الذى أقيم في السابع عشر من الشهر الجارى والذى شاركت فيه أكثر من 50 شركة إسبانية , حضر المنتدى نخبه من رجال الأعمال والمسؤولين على رأسهم رئيس الوزراء ” مصطفى مدبولى ” والملك فليب السادس , الذى إفتتح المنتد بكلمة سلط فيها الضوء على إمكانية التعاون الخاص في عدة مجالات , وأن أسبانيا ترى في مصر شريكا محوريا في إفريقيا بل والشرق الأوسط , مشيرا إلى ضرورة تعزيز التبادل التجارى وزيادة الإستثمارات المتبادلة .

من جانبة دعا رئيس الوزراء المصرى ” مصطفى مدبولى” الشركات الأسبانية للإستثمار في المشروعات القومية الكبرى وعلى رأسها مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة , وشبكات النقل والقطار الكهربائى السريع .

مشيرا إلى أن الاستثمارات الأسبانية بلغت حتى منتصف العام الماضى نحو 882 مليون يورو , وأن القاهره تطلع إلى مضاعفة هذا الرقم خلال السنوات المقبلة
وكان من أهم المجالات التى تم تسليط الضوء عليها في كلمة الملك فليب السادس

البنية التحتية والنقل : فرص للمقاولات الأسبانية وخبراء السكك وتقنيات القطارات عالية السرعة .

الطاقة المتجددة وإدارة المياة : خبرات أسبانية راسخه في الرى وتحلية المياة والطاقة الشمسية والرياح .

السياحة والخدمات المرتبطه بها : نقل خبرات التسويق السياحى وإدارة المنتجاعات وطرق الترويج للسياحه في مصر .

على المستوى الثقافى والتعليمى ..

فقد أراد الملك فليب السادس أن يعكس الجانب الثقافى للزيارة قوة الراوابط الإنسانية فإختتم جدول أعماله بزيارة الأقصر ووادى الملوك حيث شهد مع الملكة ” ليتيزيا ” عرض الصوت والضوء باللغه الإسبانية في معبد الكرنك , والذى يعتبر حدثاً فريداً يؤكد الإنفتاح على تعزيز التواصل الحضارى بين البلدين
هذا وقد ناقش الجانبان إمكانية برامج تبادل طلابى وأكاديمى بين الجامعات المصرية والإسبانية ضمن برامج أوروبيه , بالإضافة إلى تعليم اللغة الأسبانية في الجامعات المصرية وتوسيع تعليم اللغة العربية في الجامعات الإسبانية وتنظيم أسابيع ثقافية مشتركة في القاهره ومدريد
ويشير هذا التوجه الثقافى إلى أن الشراكة لم تكن مقتصرة فقط على الإقتصاد والسياسة فقط بل إمتدت إلى بناء جسور جديدة من التفاهم بين الشعوب

سياسيا ً فقد حظى الملف الفلسطينى بإهتمام كبير وكان الموقف واضح من الجانب المصرى والإسبانى ..

أعرب الملك فليب عن قلقة البالغ تجاة المعاناة الإنسانية التى تحدثة في غزة , داعيا إلى حل سياسى يُبقى على حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة تضم , غزة , والضفة الغربية , والقدس الشرقية , مع تقديره للدور الوسيط مر في هذا الملف مشيداً بخطط القاهره لإعادة الإعمار , الزيارة شهدت مباحثات حول مخاطر تهجير الفلسطينيين وضرورة حماية المدنيين , كما شملت المباحثات التعاون في ملفات أخرى كـ ” الأزمة الليبية , أمن البحر المتوسط , مكافحة الإرهاب , الهجرة الغير شرعية ” تصريحات الملك فليب أعطت للزيارة بعداً إقليمياً وسياسيا واضحا ً

كما شهدت الزيارة لقاء الملك فليب مع رئيسى مجلس النواب , والشيوخ وذلك لتعزيز التشاور السياسى المشترك بين الدولتين .

السياحة والبنية التحتية فرص تطوير مشتركة

تُعد إسبانيا أحد أكبر الوجهات السياحية في العالم فقد إستقبلت العام الماضى مايقرب نحو 94 مليون سائح بينما إستقبلت مصر 16 مليون سائح فقط في نفس العام ومن هنا يبرز الإهتمام المصرى بالإستفادة من التجربة الإسبانية في إدارة القطاع السياحى , في نًقش في المنتدى سُبل التعاون للنهوض أكثر بهذا الجانب , من خلال التسويق السياحى العالمى .

فقد سلط الملك فليب الضوء على خبرة إسبانيا العريقة في هذا القطاع وشدد على إمكانية نقل هذه الخبره لمصر لدعم النمو السياحى .

خطوات تنفيذيه ومتابعه ..

تم تفعيل لجنة مصرية إسبانية لمتابعه تنفيذ بنود الشراكة التنموية ومشروعات التعاون , دعوة رسمية من الجانب المصرى إلى نظيرة الإسبانى للمشاركة في إفتتاح المتحف المصرى الكبير , والتنسيق على برامج ثقافية وسياحية مشتركة .

مشاريع البنية التحتية الكبرى مثل السكك عالية السرعه وتأهيل مترو القاهرة تم إبرازها كنمازج يمكن أن تشهد تعاون إسبانى مصرى موسعاً في الفترة المقبله .

الفرص مقابل التحديات ..

الفرص : تحويل خبرات الشركات الإسبانية في عدد من المجالات منها السياحة والبنية التحتية والطاقة , إلى مشاريع ملموسه في مصر

توسيع سلاسل توريد صناعية وخدماتية , تخدم أسواق البحر المتوسط وإفريقيا .

شراكات تنموية تعالج قضايا الأمن الغذائى والتحول الأخضر .

التحديات ..

المسائل المالية والتمويلية , تنفيذ المشروعات الكبيرة يحتاج إلى إتفاقيات , تمويل ومخارج وضمانات واضحه .

مخاطر الحساسيات الإقليمية والسياسية , حدوث أى تهدور في الوضع الإقليمى من الممكن أن يؤثر على إستقرار الإستثمارات والسياحة .

الشفافية , المستثمرون الأوروبيون يطالبون بمعايير واضحه للحوكمة والبيئة والتنظيم .

وفى تصريح خاصه للكاتب والمحلل السياسي الدكتور /محمد خالد لموقع نافذة الشرق ،أكد فيه أن الزيارة حملت دلالات مهمه على أكثر من صعيد لعل أبرز هذه المحطات بداية الملك فليب بزيارة قبر الرئيس الراحل محمد أنور السادات ، والجندي المجهول .

مشيرا ، إلى أن هذه الزيارة عززت دور مصر فى الحرب والسلام ومنطقة الشرق الأوسط ، وقد عكست هذه الزيارة عمق العلاقات التاريخية بين البلدين ، وأن مصر شريك لأسبانيا والإتحاد الأوروبي فى قضايا الشرق الأوسط ، المتوسط .

مشيدا ، بموقف اسبانيا من حرب غزة ، والقضية الفلسطينية ، بشكل عام مما يعطى أهمية لدور الذى تقوم به الدبلوماسية المصرية .
موضحاً ، أن الملفات المطروحة شملت العديد من ملفات التعاون الإقتصادي والإستثمارى ، فى قطاعات عديدة منها الطاقة المتجددة ، والبنية التحتية ، إلى جانب فرص التبادل التجاري وفتح آفاق جديدة للشركات الإسبانية فى السوق المصرى ، والتعاون الكبير فى قطاع السياحة ومن المتوقع حضور ملك اسبانيا افتتاح المتحف المصري الكبير .
مضيفا ، أن الإتفاقيات المحتمل تنفيذها من المرجح الإعلان عنها من خلال مذكرات تفاهم أو إتفاقيات ، تعاون فى العديد من المجالات بما يتماشى مع رؤية مصر ، للتنمية المستدامة لعام 2030 .

مكملاً ، بأن هناك إهتمام متزايد بتوسيع برامج التبادل الطلابى والأكاديمى , ودعم تدريس اللغة الأسبانية في مصر في المقابل الترويج للثاقفة المصرية في إسبانيا , مما يعزز من جسور التواصل الشعبى والثقافى , وإحياء الثقافة العربية التى كانت منتشرة في القرون الوسطى في الأندلس .

متابعا ، أن السياحة ستكون حاضرة بقوة خاصة مع رغبة مصر في جذب مذيد من السياح الأوروبيين , مع خبرات إسبانيا الكبيرة في هذا المجال والتى من الممكن الإستفادة منها في هذا المجال , التعاون أيضا طال مشروعات البنية التحتيه والنقل الذكى .

مختتما ، بأن هذه الزيارة تأتى لتعزيز شراكة إستراتيجية شاملة تتجاوز الجانب البروتوكولى لتفتح الباب أمام تعاون ملموس يخدم مصالح الشعبين
وفى الختام زيارة الملك فليب السادس ملك إسبانيا إلى مصر على أرض الواقع لم تكن مجرد حدث بروتوكولى بل إعلان رسمى عن خطوة عملية نحو شراكات متعددة الأبعاد ورؤية القاهرة كشريح محورى في المنطقة , وبالتبادل تنظر مصر إلى مدريد كونها حليف أوروبى يمكن الإعتماد عليه في عدد من القضايا المحورية , الزيارة تأسيس لمرحلة جديدة من العلاقات الثنائية بين البلدين لاتكتفى بالتصريحات الدبلوماسية بين البلدين , بل تترجم إلى إتفاقيات ملموسه ومشروعات حقيقية قد تضع العلاقات بين الدولتين على مسار إستراتيجى أكثر عمقاً وفاعلية خلال العقد القادم

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.