بين التحذير والحظر.. “روبلوكس” تحت المجهر بعد اتهامات باستغلال الأطفال | خاص
كتب: عبدالله عمارة
خلال السنوات الأخيرة، لم تعد لعبة «روبلوكس» مجرد وسيلة للتسلية، بل تحولت إلى عالم افتراضي ضخم يجذب ملايين الأطفال والمراهقين حول العالم، حيث يتيح لهم اللعب والتواصل الاجتماعي وبناء العوالم الرقمية، من جعل هذا الانتشار اللعبة من أكثر الألعاب شعبية، لكنه أثار في الوقت ذاته الكثير من الجدل بشأن سلامة المستخدمين صغار السن.
ففي الوقت الذي تُقدَّم فيه «روبلوكس» كبيئة آمنة للإبداع، تكشف الوقائع عن جانب مغاير يتصل بمظاهر الإدمان، العنف، والابتزاز الإلكتروني، بل إن المنصة واجهت دعاوى قضائية عديدة بتهم استغلال جنسي للأطفال، الأمر الذي حوّلها في نظر البعض من فضاء ترفيهي إلى “كابوس رقمي” له انعكاسات نفسية خطيرة، أبرزها القلق المستمر، اضطرابات النوم، والشعور بالعزلة.
ودفعت هذه المخاطر بعض الدول والجهات الرسمية إلى التحرك واتخاذ إجراءات وقائية لحماية النشء، وسط تحذيرات من خبراء وتربويين بشأن التأثير المباشر للألعاب الإلكترونية على سلوكيات وقيم الأجيال الجديدة.
روبلوكس أداة تكنولوجية حيادية
أكد الدكتور محمد عزام، خبير تكنولوجيا المعلومات والأمن المعلوماتي، أن لعبة “روبلوكس” تمثل في جوهرها أداة تكنولوجية، يمكن أن تكون نافعة أو مضرة بحسب أسلوب الاستخدام، قائلًا: «التكنولوجيا في النهاية مجرد وسيلة، مثل السكين التي يمكن أن تُستخدم لتقطيع الطعام أو لإيذاء الآخرين، أو السيارة التي يمكن قيادتها للسفر أو ارتكاب حادث، وبالتالي فالعيب ليس في الأداة ذاتها بل في طريقة استخدامها».
مميزات لعبة روبلوكس وتنمية المهارات الرقمية
وأوضح في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، أن “روبلوكس” صممت خصيصًا لاستهداف الأجيال الصغيرة في مرحلتي الطفولة والمراهقة، وهو ما يجعلها جاذبة لعدد هائل من اللاعبين حول العالم، حيث تمتاز اللعبة بقدرتها على إتاحة أدوات تسمح للمستخدمين بابتكار ألعابهم بأنفسهم، الأمر الذي ينمي روح الإبداع والتفكير المختلف، ويعزز المهارات الرقمية الجديدة.
وأضاف أن صناعة الألعاب الإلكترونية باتت صناعة ضخمة عالميًا، إلا أن طبيعتها كأداة موجهة لصغار السن تجعلهم أكثر عرضة لمحتويات غير لائقة، أو لمحاولات التصيد الإلكتروني، التي قد تصل إلى الاستيلاء على بيانات حساسة، خاصة أن اللعبة تعتمد على عمليات شراء وبيع افتراضية باستخدام بيانات بنكية غالبًا ما تخص أولياء الأمور.
صعوبة حظر لعبة روبلوكس في عصر الإنترنت المفتوح
وأشار إلى أن هذه التهديدات لا تقتصر على “روبلوكس” وحدها، بل تمتد إلى جميع الألعاب الإلكترونية، لافتًا إلى أن «الجيل الجديد لم يعد حاضرًا على منصات التواصل التقليدية مثل فيسبوك أو تويتر، وإنما يقضي وقته داخل الألعاب الإلكترونية»، موضحًا أن نحو ملياري شخص حول العالم يمارسون الألعاب الإلكترونية بانتظام.
وبيّن خبير الأمن المعلوماتي أن بعض الدول مثل الإمارات وتركيا لجأت إلى حظر اللعبة بشكل مؤقت أو دائم بسبب ما تسببه من مشكلات، إلا أنه شدد على صعوبة تطبيق الحظر في عالم الإنترنت المفتوح، حيث تظهر يوميًا ألعاب وتطبيقات جديدة.
وحذر عزام من الاعتماد على الحظر وحده كوسيلة للحماية، إذ أن الأطفال قادرون على تجاوز هذه الإجراءات باستخدام أدوات مثل الـVPN للوصول إلى الألعاب، قائلًا: «الحائط الصد الأول والأخير هو وعي الأهل، وتأسيس منظومة قيم لدى الأطفال منذ الصغر، مع ضرورة فتح قنوات حوار معهم بلغة يفهمونها، بدلًا من الاكتفاء بالمنع أو القمع الذي أصبح من الماضي».
وأضاف أن هناك وسائل تقنية للرقابة الأبوية يمكن تفعيلها على هواتف الأطفال، إلا أن الحل الحقيقي يكمن في التربية السليمة، وغرس الوعي بالقيم الصحيحة، وتشجيع الآباء على مشاركة الأبناء في بعض الألعاب لمراقبة سلوكهم بشكل غير مباشر، مؤكدًا أن توعية الأطفال بعدم مشاركة بياناتهم، وعدم الدخول على روابط مجهولة أو قبول صداقات من غرباء، هي مبادئ أساسية تحاكي ما يطبق في الحياة الواقعية.
بناء الثقة مع الأبناء كوقاية من مخاطر روبلوكس
وشدد على أن فكرة المنع أو التحذير لم تعد مجدية في ظل وجود مئات الملايين من التطبيقات والألعاب الرقمية، مشيرًا إلى أن الوقاية الحقيقية تكمن في بناء الثقة مع الأبناء، وتزويدهم بالوعي الكافي للتعامل مع المخاطر الرقمية.
كما أوضح خبير تكنولوجيا المعلومات أن البدائل الآمنة موجودة بالفعل، إلا أن امتلاك الأطفال للهواتف الذكية منذ سن صغيرة جدًا يجعل الحوار والتربية هما الضمان الأساسي لحمايتهم، معتبرًا أن أي محاولات للمنع الشامل باتت غير منطقية في عصر الإنترنت المفتوح.
الرؤية الشرعية والتربوية تجاه لعبة روبلوكس
من جانبه، أكد الدكتور إبراهيم الصوفي، المعيد بقسم الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة جامعة الأزهر الشريف، أن الأبناء أمانة من الله تعالى عند الآباء، ومسؤوليتهم عنهم مسؤولية خاصة تشمل ضرورة الرعاية والتعهد بكل ما فيه صلاح الأبناء في أرواحهم وعقولهم وأجسادهم، موضحًا أن هذا هو جوهر التربية، والتي تعني الإحسان في القيام بالمُربَّى حتى يصل إلى طور الكمال.
وأوضح في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق” أن عهد الطفولة يُعَدّ مرحلة يعتمد فيها الطفل اعتمادًا كليًا على والديه في كل شيء، مما يستوجب ضبط غرائز الطفولة، إذ لا يستطيع الطفل تهذيبها بنفسه حتى لا يوقع الضرر بنفسه أو بغيره، مشيرًا إلى أن الحاجة إلى التعهد تزداد في زماننا الحالي، الذي يتسم بالسيولة في كل شيء، وخاصة في الأفكار وما يترتب عليها من سهولة انتقال الشر عبر وسائل التواصل الحديثة.
مخاطر لعبة روبلوكس على الأبناء
ولفت الصوفي إلى أن من أبرز هذه التحديات الألعاب الإلكترونية، وعلى رأسها لعبة Roblox التي انتشرت بين الأبناء في سن الطفولة والمراهقة، مؤكدًا أن الأبحاث والتقارير الخاصة بها أظهرت أنها تشكل خطرًا على سلامة الأبناء لعدة أسباب، أبرزها:
1- التعرض لمحتويات عنف أو إيحاءات إباحية.
2- التحرش والاستغلال عبر المحادثات المفتوحة.
3- الإدمان الشديد وإهدار الأوقات على حساب الدراسة والعمل.
4- الإسراف المالي في شراء العملة الافتراضية (Robux).
5- تقليد سلوكيات سلبية تشوه القيم والأخلاق.
6- ضعف الخصوصية والأمان الإلكتروني.
خطوات عملية لحماية الأبناء من مخاطر الألعاب الإلكترونية
وأضاف الصوفي أن الوقاية من مخاطر اللعبة تستلزم عدة أمور، أهمها:
1- الحرص على متابعة الأبناء متابعة مستمرة على مدار الساعة.
2- متابعة تطبيقات هواتف الأبناء وعدم تركها بين أيديهم لفترات طويلة.
3- شغل أوقات فراغهم بما ينفعهم من العلوم النافعة والأنشطة الرياضية.
4- التأكيد على أهمية الوقت بالنسبة للشباب.
5- مشاركة الأبناء جميع جوانب حياتهم مع توجيه النصح وتقديم القدوة الصالحة.
6- تنمية مهارات الأبناء وتوظيفها فيما ينفعهم وينفع مجتمعهم والاستفادة من إبداعاتهم.
وأشار إلى أن التراث الإسلامي زاخر بكتابات الأئمة فيما يتعلق بتربية الأبناء جسديًا وعقليًا وروحيًا، وهو ما يعكس عناية المسلمين بالحفاظ على الأجيال الناشئة وتعهدهم بما يصلحهم في كل جوانب الحياة، داعيًا إلى الاستفادة من هذا التراث في توجيه علمية التربية بشكل عام وتربية الأبناء بشكل خاص.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.