بين الخراب والهيمنة: دبلوماسي روسي سابق أسرار استمرار الصراع الروسي الأوكرانى

2

كتب: هشام عامر

في ظل عالم تتشابك فيه المصالح وتتعقد فيه الأزمات، تظل حرب روسيا وأوكرانيا، إحدى أبرز نقاط التوتر التي تُلقي بظلالها على المشهد العالمي الحالي، وفي خضم هذه الأزمة تبرز تساؤلات ملحة حول مستقبل الحرب، وإمكانية إيجاد حل سياسي، وبحث دور القوى الكبرى والوسطاء في تقريب وجهات النظر.

ومن هنا، يصبح فهم الرؤية الروسية أمرًا بالغ الأهمية لاستشراف مآلات الأوضاع، خاصةً في ظل التباين الحاد في الروايات والأهداف، لهذا قام موقع نافذة الشرق بإجراء حوار خاص مع الدبلوماسي الروسي السابق “ألكسندر زاسبكين”، لكي يفكك لنا بعضًا من هذه العقد، ويقدم إضاءات على رؤية موسكو للصراع، واحتمالات الحل، ودور القوى المختلفة فيه.

وبسؤاله عن العوامل الرئيسية التي يجب أن تتغير داخليًا في كل من روسيا وأوكرانيا حتى تصبح القيادتان مستعدتين للجلوس على طاولة المفاوضات بجدية، وضح “زاسبكين” أن النظام السياسي الروسي قد تعزز بشكل ملحوظ في غضون العملية العسكرية، حيث ازداد تلاحم المجتمع في مواجهة ما يعتبره تهديدًا نازيًا وجوديًا لروسيا، على النقيض من ذلك، يرى أن نظام كييف يظل معاديًا لروسيا بشكل كامل، وهو نهج “مُبرمج له منذ البداية” من قبل المجموعات الراديكالية والفئات الحاكمة الأوكرانية وداعميها في الغرب، أشار إلى أن هذا التحالف هو من قاد الانقلاب في عام 2014، وقصف دونباس لثماني سنوات، وأسقط اتفاقات مينسك واسطنبول، وهو اليوم يحارب روسيا “حتى آخر أوكراني.

وأضاف الدبلوماسي الروسي أن هذا التناقض الجذري في الأهداف يجعل الخلاف بين النظامين “مبدئيًا”، وانطلاقاً من ذلك يجب القول أن الخلاف بين النظام في روسيا والنظام في أوكرانيا يبدو مبدئياً ويدل على ذلك مرة أخرى تناقض شروط تسوية النزاع وافتراضياً ونظريا من الممكن التوصل إليها عبر المفاوضات ولكنه عملياً لابد من تغيير النظام السياسي في اوكرانيا وكيف يحدث ذلك بطريقة عسكرية او سياسية هذالسؤال يبقى مفتوحاً.

وبالحديث عن إمكانية تغيير القيادات، شدد زاسبكين على أن موضوع تغيير القيادة السياسية في روسيا غير مطروح، أما في أوكرانيا فكل شئ يتوقف علي سير العمليات العسكرية والتطورات السياسية الداخلية، خاصةً في حال انهيار الجبهة لمصلحة روسيا، مشيراً إلي أنه تجري أحاديث عن الإنتخابات الرئاسية في أوكرانيا بشكل افتراضي، إلا أن الغرب لا يوافق على ذلك حالياً، وحتى إذا حصل ففي الظروف الراهنة لن يفوز شخص قادر على تغيير النهج السياسي.

وفيما يتعلق بالدعم العسكري الغربي لأوكرانيا، أعرب “ألكسندر زاسبكين” عن قناعته بأن هذا الدعم لن يتراجع، بل أيضاً هو قرار مبدئي لأوروبا لمواصلة الحرب، مضيفاً أن “الرئيس ترامب”، حتى وإن سعى للتخلص من أعباء الحرب، قد وجد أسلوبًا مفيدًا لأمريكا يتمثل في بيع السلاح لأوروبا لتسليمه إلى أوكرانيا، وهذا الوضع يعني استمرار الحرب غير محدود، لأن روسيا مصممة على تحقيق أهداف العملية العسكرية أما الغرب فيسعى إلى استنزاف روسيا والتمهيد لتصادم مباشر مع روسيا بعد عدة سنوات.

وفي سياق متصل، عندما تطرقنا إلى الشروط المسبقة التي من المحتمل أن تطرحها كل من موسكو وكييف قبل أي مفاوضات، وهل هناك أية أرضية مشتركة يمكن الوقوف عليها؟، أكد “زاسبكين” أن الشروط الروسية والأوكرانية التي تم تبادلها في اسطنبول كانت متناقضة تمامًا، وطالبت موسكو بالاعتراف بأربع مناطق روسية جديدة، وعدم انضمام أوكرانيا إلى تحالفات عسكرية معادية لروسيا، وتخفيض القدرات الأوكرانية العسكرية، بالإضافة إلى ضمان حقوق الروسيين، وفي المقابل، رفض الجانب الأوكراني هذه الشروط وطلب العكس، وهذا يعني أن الأرضية المشتركة غير موجودة.

وبسؤال “ألكسندر” عن كيفة لعب الصين وتركيا دورًا فعالًا كوسطاء، وضح أن روسيا ترحب بوساطات رامية إلى البحث عن قواسم مشتركة، ولكن دور الوسطاء محدود، وفي كل الأحوال الأساس هو تفاوض مباشر بين موسكو وكييف.

ولم يستبعد الدبلوماسي الروسي السابق إمكانية عقد مفاوضات متعددة الأطراف تشمل الولايات المتحدة وحلف الناتو، لكنه ربط ذلك بتوسيع موضوع التفاوض ليشمل أمن الإقليم الأورو-أطلسي ككل. ومع ذلك، مشيراً إلى أنه لا يرى “أية بوادر لذلك” في الوقت الحالي.

وفي تحليله لتأثير الضغوط الاقتصادية والعقوبات، كشف “زاسبكين” عن أن روسيا كانت قد طلبت في الأصل تفاوضاً مع الغرب لموضوع إقامة نظام الأمن المشترك في الإقليم الأورو أطلسي لكي يصبح بديلاً لحالة المواجهة القائمة، إلا أن الغرب رفض الإقتراح الروسي، واليوم يواصل نهج العداوة والحرب والضغوطات الاقتصادية، وتكون كل هذه العناصر استراتيجية متكاملة “للعولمة اللبنانية”، التي أدت إلى الفتن والانقلابات والحروب في عدد من مناطق العالم، وذلك للحفاظ على هيمنة الغرب، معرباً أن روسيا وقفت ضد هذا النظام، وأن أغلبية دول العالم “متضامنة” مع الموقف الروسي بشكل أو بآخر.

وأشار “ألكسندر زاسبكين” إلى أن البشرية تمر بمرحلة انتقالية من نظام القطب الواحد إلى نظام متعدد الأقطاب، أي تطور التعاون المتساوي في إطار مجموعات دولية مثل (بريكس وشنغهاي)، ويجب تأمين الوصول الى نظام جديد دون انزلاق إلى الحرب العالمية الثالثة، معرباً عن قلقه من تزايد خطورة الوضع وخاصة خلال الأشهر الأخيرة، بسبب توجه حكام دول أوروبا مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإدارة الإتحاد الأوروبي نحو التصادم المباشر مع روسيا.

وأضاف الدبلوماسي أن تلك الدول تزعم بأن روسيا تخطط لهجوم أوروبا، وفي سياق هذا النهج يواصل هذا التكتل تقديم المساعدة لنظام كييف لاستمرار الحرب مع روسيا، ويعمل بسرعة لعسكرة أوروبا ويطلب انضمام الولايات المتحدة إلى هذا المعسكر بشكل كامل بصفة قائد العالم الغربي، أما الرئيس “ترامب” فحتى الآن يحاول أن يؤثر على الأوضاع من خلال الأدوات المالية ويريد أن يتخلص من أعباء الحرب على الساحة الأوكرانية، رغم أنه يواصل تقديم الدعم لنظام كييف.

ومن جانبها تريد روسيا أن تتعامل مع إدارة “ترامب” إيجابياً قدر الإمكان، وتسعى إلى توسيع مجال الحوار والتعاون انطلاقاً من دور مميز ورئيسي للدولتين في المجال النووي، والمسؤولية الخاصة في مجالات الأمن والاستقرار العالمي، ووضع حد لسباق التسليح، إلا أنه أنه يجب الإعتراف بأن موضوع الحوار الروسي الأمريكي لا يزال في المرحلة الأولى، خاصة أن الرئيس الأمريكي يقع تحت ضغوط القوى المعادية لروسيا.

وختاماً، وضح “زاسبكين” الدور الذي يمكن أن تلعبه المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية في تسهيل المحادثات أو ضمان أي اتفاقيات مستقبلية، مؤكدًا أن روسيا تسعى دائمًا إلى تثبيت دور فعال لمنظمة الأمم المتحدة على الصعيد العالمي، ولكنه يجب الإعتراف أنه انخفض بسبب الانقسام العميق في المنظمة ومؤسساتها والعمل التخريبي الغربي المستمر فيها.

وأشار إلى أن عودة الأمم المتحدة لمكان الصدارة في العلاقات الدولية ممكن ولكن بشرط تنقية الأجواء وتثبيت النظام العالمي الجديد، الذي يجب أن يتميز بالمساواة والعدالة، وفي ضوء تكوين نظام متعدد الاقطاب ومتوازن، من المطلوب اجراء تحديث الشرعية الدولية في مجال الأمن وإيجاد الحلول للنزاعات الإقليمية وإقامة نظام الأمن في مناطق مختلفة من العالم، وسوف تؤدي هذه التطورات إلى إجراء الاصلاحات الجوهرية الطبيعية في منظمة الأمم المتحدة، أما الآن فتبقى المنظمة كما هي وبفعالية منخفضة وإلا ان وجودها أفضل من الفوضى.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.