بين الضغوط الدولية والتحشيد العسكري: فنزويلا على خط النار الأمريكي
كتبت: هدير محمد
تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة وفنزويلا تصعيدًا خطيرًا بعد تنفيذ الجيش الأمريكي ضربة جوية استهدفت سفينة صغيرة، قالت واشنطن إنها كانت محملة بالمخدرات وأبحرت من السواحل الفنزويلية في طريقها إلى الأراضي الأمريكية. هذه العملية العسكرية زادت من حدة التوتر، وأعادت إلى الواجهة الحديث عن إمكانية اندلاع مواجهة عسكرية بين البلدين.
وتأتي الضربة الجوية في سياق حملة أوسع تقودها الولايات المتحدة لمكافحة تهريب المخدرات في المنطقة، حيث أفادت تقارير استخباراتية بنشر واشنطن عدة قطع بحرية لدعم عملياتها، في مقدمتها سفن حربية ومدمرات وصواريخ موجهة.
وكان البنتاغون قد نفذ سابقًا حشدًا عسكريًا واسع النطاق في منطقة البحر الكاريبي، بالقرب من السواحل الفنزويلية، شمل نشر مجموعة القطع البرمائية “إيوجيما”، وغواصة تعمل بالطاقة النووية، إضافة إلى طائرات استطلاع من طراز “بي-8″، ونحو 4500 جندي أمريكي.
في المقابل، رد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو برفع درجة التأهب، معلنًا تعبئة الجيش الفنزويلي، في خطوة تعكس تصاعد التوتر وتهيئة البلاد لأي تطورات عسكرية محتملة في ظل ما وصفته كاراكاس بـ”التهديدات العدوانية” من جانب واشنطن.
وقد أعلن مادورو، تعبئة 4.5 مليون عنصر من الميليشيا البوليفارية، بالتوازي مع إطلاق حملة تجنيد شعبي واسعة النطاق شملت أكثر من 8 ملايين مواطن، وشملت الخطوة إنشاء وحدات جديدة تحت مسمى “الميليشيا المجتمعية” للمرة الأولى، موزعة على 5,336 مجتمعًا محليًا، وتضم نحو 15,751 قاعدة دفاع شعبي؛ حيث أكد مادورو استعداد بلاده لخوض ما وصفها بـ”حرب مقاومة مسلحة”، في حال تعرضت فنزويلا لأي عدوان خارجي.
ففي كافة الأزمات العالمية التي كانت الولايات المتحدة طرفًا مؤثرًا بها، شكلت السياسة الخارجية لإدارة الرئيس دونالد ترامب، والتي اتخذت شعار “أمريكا أولًا” كبوصلة لها، نقطة تحول في التعامل مع العديد من الأزمات الدولية، ومن بينها الأزمة الفنزويلية المعقدة.
تغييرات دلالية وتحركات استراتيجية
وفي حديث خاص لـ”نافذة الشرق” قال طارق البرديسي، خبير العلاقات الدولية والمحلل السياسي المصري، إن تغيير تسمية وزارة الدفاع الأمريكية إلى “وزارة الحرب” يحمل دلالات سياسية ورمزية واضحة، يؤكد توجهًا تصعيديًا في الخطاب السياسي والعسكري الأمريكي، حيث أن هذه الخطوة تقع ضمن صلاحيات رئيس الدولة في النظام الرئاسي الأمريكي، وتعكس طبيعة المرحلة وتحولاتها.
وأوضح البرديسي أنه لا يمكن تجاهل النفوذ المتصاعد للحزب الجمهوري داخل الكونغرس الأمريكي، والذي يمنح الرئيس دونالد ترامب قاعدة قوية تمكّنه من التأثير في السياسات الأمريكية بثقة، وهذه الأغلبية الجمهورية، من شأنها أن تدعم قرارات ترامب، بما في ذلك المواقف المرتبطة بإعلان فنزويلا الأخير.
الذرائع الأمريكية القديمة: من أسلحة الدمار إلى مكافحة المخدرات
كذلك تحدث البرديسي، عن احتمالية لجوء الولايات المتحدة إلى التصعيد العسكري تحت ذرائع متعددة، منها مكافحة المخدرات، وهي ذريعة كثيرًا ما استخدمتها واشنطن لتبرير تدخلاتها في عدد من المناطق حول العالم، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة، تاريخيًا، غالبًا ما استخدمت مبررات مثل “نشر الديمقراطية” أو “القضاء على أسلحة الدمار الشامل”، لتبرير تدخلات عسكرية تنتهي غالبًا بالسيطرة على الموارد الطبيعية.
وأضاف البرديسي أن الهدف الحقيقي من هذه السياسات هو ضمان الهيمنة الأمريكية على موارد الطاقة، كما حدث في العراق، أو كما يُحتمل أن يحدث في فنزويلا وغزة، حيث يشير إلى أن المصالح الاستراتيجية – سواء الغاز أو النفط – هي المحرك الأساسي لأي تحرك عسكري أمريكي، وليس القيم أو المبادئ المعلنة.
تحالفات كبرى أم تقاطع مصالح؟
أما بشأن ما يُثار حول إمكانية ولادة تحالف جديد يضم روسيا، والصين، وإيران، وربما فنزويلا، فيؤكد البرديسي، أن الحديث عن “تحالف” لا يزال سابقًا لأوانه، فرغم وجود تقارب في بعض المواقف وتقاطعات مرحلية في المصالح، خصوصًا بين الصين وروسيا، أو الصين والهند، فإن هذا لا يرقى بعد إلى مستوى “تحالف استراتيجي” بالمعنى الكامل.
ويضيف أن ما يجري حاليًا هو “تنسيق مرحلي” أو “تفاهمات مصلحية”، دون وجود إطار تحالفي متماسك أو موحد، خصوصًا مع تباين مصالح الأطراف المعنية، كما أن عدم وجود ردود فعل من هذه الدول في ملفات مثل غزة، أو أوكرانيا، أو الملف الإيراني، يعزز من أن هذا “التحالف المحتمل” ما زال بلا أنياب، إن وُجد أصلًا، وإذا تحقق هذه التحالف سيعني أن هناك أقطاب جديدة وعدم انفراد الولايات المتحده بقيادة العالم.
ويرجّح البرديسي، أن الولايات المتحدة قد تسارع إلى التحرك دبلوماسيًا أو عسكريًا؛ في محاولة لتفكيك أي بوادر تقارب قد تؤدي إلى تحالف جديد، قد يهدد الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي القائم.
تباين الردود في الداخل الأمريكي
اشتدت الانتقادات داخل الولايات المتحدة حيث عارض السيناتور راند بول تصريحات نائب الرئيس جي دي فانْس التي وصف فيها الضربة على السفينة بأنها “أفضل استخدام للقوات العسكرية”، معتبرًا أنها تشجع على القتل بلا محاكمة. وشدّد على أن المرض الحقيقي هو “التخلي عن سيادة القانون”. وفي الوقت نفسه، انتقدت صحيفة الجارديان البريطانية الهجوم، محذّرة من أن تقليص الحرب على المخدرات بأسلوب عسكري غير محسوب قد يقوّض الاستقرار الإقليمي ويثير القلاقل بحقوق الإنسان.
مادورو يضيق الخناق على ترامب
وضمن آخر التطورات في أزمة فنزويلا، يبدو أن مادورو يريد أن يُسكت التحركات الأمريكية بخطوة تأمين للداخل الفنزويلي، فقد أعلنت الحكومة الفنزويلية عن خطة لتعزيز الوجود العسكري في خمس ولايات شمالية، في إطار جهودها لمكافحة تهريب المخدرات وتحسين الوضع الأمني في تلك المناطق.
وقال وزير الدفاع الفنزويلي، فلاديمير بادرينو، في تصريح رسمي، إن القرار جاء بتوجيه مباشر من الرئيس نيكولاس مادورو، مشيرًا إلى أن “القوات والوسائل العسكرية” ستتم تعبئتها لتعزيز السيطرة الأمنية، لا سيما في ولايتي زوليا وفالكون، اللتين وصفهما بأنهما “تمثلان مسارين رئيسيين لتهريب المخدرات”.
وبحسب مقطع فيديو نشرته وزارة الدفاع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الخطة تشمل أيضًا مضاعفة الانتشار العسكري في جزيرة نويفا إسبارتا، إلى جانب ولايتي سوكري ودلتا أماكورو، الواقعتين على الساحل الشمالي الشرقي للبلاد.
وتأتي هذه الخطوة في ظل تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة، التي تتهم فنزويلا بتسهيل عمليات تهريب المخدرات، وهو ما تنفيه كاراكاس بشدة.
دعم إيراني وتحذيرات من انفجار إقليمي
وفي سياق متصل، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أن وزيري خارجية فنزويلا وإيران أجريا اتصالاً هاتفيًا أكد فيه الطرفان تحالفهما الثنائي، ونددا بـ”التهديدات الأمريكية” المتزايدة ضد كاراكاس.
وأوضح بيان الوزارة أن وزير الخارجية الإيراني، سيد عباس عراقجي، أدان خلال الاتصال ما وصفه بـ”الإجراءات الأحادية والترهيبية” التي تتخذها واشنطن ضد الدول المستقلة، محذرًا من أن “التهديد باستخدام القوة يشكل انتهاكًا صريحًا لميثاق الأمم المتحدة وخطرًا على السلم والأمن الدوليين”.
من جهته، دعا وزير الخارجية الفنزويلي، إيفان جيل، دول البريكس ودول أمريكا الجنوبية إلى اتخاذ موقف حازم إزاء ما وصفه بـ”السلوك العدائي للولايات المتحدة”.
وأكد عراقجي في البيان على “ضرورة تحرك الحكومات المسؤولة لمنع انزلاق الأوضاع نحو مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار”، في إشارة إلى الحشد العسكري الأمريكي في البحر الكاريبي والهجوم الذي أسفر عن مقتل 11 شخصًا على متن السفينة التي اتهمتها واشنطن بنقل المخدرات.
قرار ترامب يضع العالم على حافة تصعيد جديد، فبينما تحاول واشنطن إعادة رسم خارطة التحالفات من خلال سياسات أكثر صرامة، قد يدفع هذا الأمر أعداءها إلى تشكيل جبهة موحدة لمواجهة الهيمنة الأمريكية، فهل ستنجح الدبلوماسية في نزع فتيل الأزمة، أم أن العالم يتجه نحو مواجهة كبرى قد تعيد صياغة النظام العالمي؟
هل يقترب الاشتباك العسكري؟
ويشير المشهد الراهن إلى تصعيد ملموس نشر سفن ومدمرات وغواصات أمريكية، تهديدات باتت علنية، ورد فعل فنزويلي متزايد، وتصريحات من إدارة ترامب تتردد بأنها ستستهدف “المنظمات الإرهابية” في منطقتها كل ذلك يُوحي بأن احتمال تشكل نزاع عسكري مفتوح لم يعد بعيدًا.
وكانت صحيفة “ABC” قد حذّرت من إمكانية دفع واشنطن نحو تغيير نظام الحكم في كراكاس عبر هذا النهج المحمل بالتهديد والقوة العسكرية المباشرة.
في المقابل، ما يزال الطرفان يحتفظان بخطوط للتواصل مع استمرار قناة بين يوان جيل ومكتب ترامب، مما قد يشير إلى أن الخيار العسكري، رغم ثقله، لم يُفَرش بالكامل بعد كبديل للحل الدبلوماسي.
رغم أن التصعيد الحالي بين واشنطن وكراكاس يدخل مرحلة جديدة من المواجهة؛ حرب على المخدرات يمكن أن تتحوّل إلى نزاع إقليمي. استخدام القوة الأميركية، مقارنة بالتدخلات السابقة، يتم وفق منطق “أمريكا أولاً”، وقد يكون مقدمة لتغيير نظام أو فرض السيطرة بدلاً من التعاون الدبلوماسي.
من جهتها، ردت فنزويلا بتحشيد عسكري داخلي ودعم جهات حليفة كالبرلمان الإيراني، ما يزيد من تعقيد الوضع ويهدد أمن البحر الكاريبي بأكمله.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.