بين المطرقة والسندان:هل ينجو الأردن من شرر الحرب القادمة

6

كتبت علياء الهوارى

لم تكن سماء الأردن يوماً ساحة حرب، ولا أراضيه ممراً للطائرات المسيّرة المتنازعة. لكنه اليوم، وعلى غير عادته، يجد نفسه في عين عاصفة إقليمية تهب من كل اتجاه. فهل يُكتب على المملكة أن تدفع فاتورة حرب لا تخصها؟ وهل يظل الحياد درعًا يحميها، أم عبئًا يُلقي بها إلى فوهة الخطر؟
مع تساقط الطائرات المجهولة داخل أراضيه، وتزايد التوترات بين إيران وإسرائيل، تبرز أسئلة ملحّة: كيف تحمي الدول الصغيرة أمنها حين تتصادم القوى الكبرى فوق رؤوسها؟ وهل الأردن، بخبرته الطويلة، قادر على تفادي الانزلاق إلى صراع لا ناقة له فيه ولا جمل؟

يرى د. عماد عمر، الكاتب وأستاذ العلوم السياسية، أن الأردن لم يكن طرفًا مباشرًا في الصراع الإسرائيلي–الإيراني المحتدم، لكنه بات اليوم في مرمى النيران بفعل تداخل الجبهات وتشابك خطوط النار. فمع سقوط طائرات مسيّرة في الأراضي الأردنية، سواء عن قصد أو بالخطأ، أصبح المجال الجوي الأردني عرضة لاختراقات خطيرة تنطوي على تهديد مباشر للأمن الوطني وسلامة المواطنين.

ويضيف عمر أن هذا الوضع يكشف عن هشاشة التوازنات الإقليمية، إذ تحولت المملكة إلى “مساحة عبور” للصراع، دون أن تكون طرفًا فيه. ومما يزيد الأمور تعقيدًا أن الجغرافيا الأردنية محاطة بأزمات: سوريا الملتهبة شمالاً، العراق غير المستقر شرقًا، فلسطين تحت الاحتلال غربًا، وإسرائيل التي تخوض حروبًا متكررة جنوبًا وغربًا. في مثل هذا الوضع، يصعب أن تنأى الدولة بنفسها تمامًا.

الحياد الإيجابي إلى متى؟
رغم التوتر، تبنّى الأردن موقفًا متوازنًا، ساعيًا إلى تهدئة الأوضاع وداعيًا إلى تجنّب التصعيد الجغرافي للنزاع. غير أن السياسة لا تنفصل عن الواقع الجيوسياسي. ومع تكرار الانتهاكات، يُطرح السؤال: إلى متى يصمد هذا الحياد؟ وهل يمكن أن يتحوّل إلى عبء بدلًا من أن يكون حماية؟

يرى عمر أن الدول الصغيرة —كحال الأردن— تواجه تحديات جسيمة في صراعات الكبار، وتلجأ في العادة إلى سياسات الحياد الإيجابي، وتعزيز التحالفات الإقليمية والدولية، والاستثمار في القدرات الدفاعية والاستخباراتية، لا للمواجهة، بل للردع. كما تلعب الدبلوماسية النشطة دورًا محوريًا في تفادي الانزلاق إلى الحروب، بينما تستخدم هذه الدول موقعها الجغرافي كورقة ضغط للحصول على ضمانات أمنية.

لكن ما الذي قد يغيّر هذا المسار؟ يجيب عمر بأن تكرار الانتهاكات —سواء على مستوى المجال الجوي أو حدود الأراضي— قد يدفع الأردن إلى مراجعة سياسة الحياد، خصوصًا إذا مسّت هذه الانتهاكات أمنه القومي أو ألحقت خسائر بشرية أو اقتصادية. حينها، قد لا يكون الصمت خيارًا، وقد يتحوّل الحياد إلى موقف سياسي أكثر وضوحًا وربما حتى إلى تحرّك عملي لحماية المصالح الوطنية

الأردن والمأزق الاقتصادي الأمني:
أحد أخطر أبعاد الأزمة، كما يوضح عمر، هو البُعد الاقتصادي. فالأردن يعاني أصلًا من ضغوط داخلية حادة، ولا يملك ترف الانخراط في نزاعات إقليمية أو تحمّل تبعات حرب لا تخصه. ومع ذلك، فإن مجرد اختراق طائرات مجهولة لأجوائه، يضع المؤسسة العسكرية والأمنية في مواجهة تحديات تتطلب استنفارًا وجهوزية دائمة، مما يستهلك الموارد ويضع الاقتصاد في اختبار صعب.

وإذ يمتلك الأردن خبرة عميقة في إدارة الأزمات وتوازن العلاقات، فإن صبره الاستراتيجي قد لا يكون غير محدود. فالموقع الجغرافي الحساس، وإن شكّل دوماً عامل قوة، قد يتحوّل إلى نقطة ضعف في صراع لا يعترف بالحدود ولا بحياد الجيران.

الحياد ليس موقفًا سلبيًا، بل خيار استراتيجي معقّد يحتاج إلى ظروف متوازنة حتى ينجح. لكن عندما تنهار المعادلات وتصبح السماء ميدانًا لصراعات لا تنتهي، لا بد أن تُطرح الأسئلة الصعبة. هل يستطيع الأردن أن يظل على حافة الصراع دون أن ينزلق فيه؟ وهل الحياد كافٍ حين يكون التهديد على الأبواب؟
بين الجغرافيا القاسية، والضغوط الاقتصادية، وتقلّبات التحالفات، يجد الأردن نفسه أمام لحظة اختبار كبرى لحظة تستدعي يقظة سياسية، ودبلوماسية فاعلة، وخيارات أمنية مدروسة، لأن النار حين تقترب، لا تسأل أحدًا عن نواياه.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.