تآكل المناعة النفسية في إسرائيل: د. محمد الزغبي يكشف هشاشة العقل الجمعي تحت النار

6

حوار علياء الهواري

في خضم اشتداد الصراعات وتبدل موازين القوى في المنطقة، لم تعد الحروب تقتصر على الميدان والسلاح فحسب، بل امتدت لتطرق أبواب النفس والعقل. كيف يبدو الداخل النفسي للمجتمع الإسرائيلي وهو يواجه أعنف اختباراته الوجودية؟ ما الذي يحدث حين تتراجع صورة “الدولة التي لا تُقهر” في أذهان مواطنيها؟
في هذا الحوار الخاص، يحدثنا الدكتور محمد الزغبي، الأستاذ في علم النفس بجامعة الزقازيق، عن التشققات المتسارعة في البنية النفسية للمجتمع الإسرائيلي، ومدى تأثير الحرب النفسية التي تمارسها أطراف المقاومة، وصولًا إلى احتمالات التفكك الداخلي الصامت.

دكتور، كيف تصف الحالة النفسية العامة للمجتمع الإسرائيلي في ظل هذا الصراع طويل الأمد؟
البنية النفسية هناك قائمة على توتر مزمن وشعور دائم بالتهديد، تطورت إلى حالة دفاعية دائمة. هذا التوتر لم يعد طارئًا، بل أصبح جزءًا من الهوية النفسية الإسرائيلية، مما يجعل المجتمع يعيش بين نوبات ذعر وهشاشة مستترة خلف ادعاء التماسك.

هل تتجذر في النفسية اليهودية عقدة تاريخية من الاضطهاد والتهديد؟
بالتأكيد، الشعور بـ”الاضطهاد الأبدي” جزء أصيل من الوعي الجمعي اليهودي، وهو ما يظهر في سلوكهم أثناء الحروب عبر ردود مفرطة في العنف أو الخوف. هذا القالب يُستخدم ليس فقط نفسيًا، بل أيضًا سياسيًا وإعلاميًا لتبرير تصرفات معينة

كيف تأثر المزاج الإسرائيلي بالهجوم الإيراني الأخير؟
تغير المزاج من الإنكار إلى الصدمة، ثم إلى شك حقيقي في قدرة الدولة على الحماية. ظهر “تراجع الثقة الجماعي”، وهو أخطر ما قد يصيب نفسية شعب خلال الحرب.

هل المظاهر مثل الهروب بملابس النوم تدل على انهيار نفسي؟
نعم، هذه تصرفات عفوية لكنها كاشفة. فقدان الأمان اللحظي يكشف عمق الهشاشة النفسية، حتى لو حاول الإعلام تبريرها كسلوك تحت الضغط.

هل فقدت إسرائيل عنصر الردع النفسي؟
لقد فقدته بشكل كبير، والصورة الذهنية عن قوة “لا تُقهر” باتت مهتزة. الردع النفسي كان ركيزة أساسية لتماسكهم، وغيابه يؤدي إلى تصدعات داخلية.

هل يمكن اعتبار المجتمع الإسرائيلي الآن هشًا نفسيًا؟
نعم، نحن أمام حالة متقدمة من “تآكل المناعة النفسية”. الصدمات المتكررة، والخوف، والانقسام، كلها مؤشرات على هشاشة واضحة.

ما دور الإعلام العبري في هذه الأزمة النفسية؟
هو سلاح ذو حدين؛ أحيانًا يُستخدم لضبط الرأي العام، لكنه قد ينقلب ويُضخّم الهلع. التوازن بين الطمأنة والتحذير غائب حاليًا.

هل نجحت الحرب النفسية للمقاومة في التأثير؟
إلى حد كبير نعم. كسر “اليقين الإسرائيلي” بدأ فعليًا، ومع استمرار المفاجآت، سيتسع هذا الخرق في الوعي الجمعي.

هل الانقسامات الداخلية تزداد تحت وقع الضربات؟
بشكل واضح. المجتمع الإسرائيلي منقسم أصلًا، لكن الضغوط جعلت هذه الانقسامات تنفجر وتُضعف الجبهة النفسية الداخلية.

ما تأثير الخلافات السياسية على النفسية العامة وقت الحرب؟
الخلافات ساهمت في تفاقم الشعور بالضعف وفقدان الثقة في القيادة، وهذا يؤدي إلى الإحباط والانكفاء الشعبي.

هل تتوقع تصدعًا داخليًا أكبر إذا استمرت الضغوط؟
نعم، إذا استمرت الضغوط بنفس الكثافة، سيزيد الانهيار النفسي والانقسام الاجتماعي، ما يهدد الجبهة الداخلية.

في حال تصاعد الحرب، هل يمكن أن نصل لتفكك مجتمعي حقيقي؟
قد لا نرى تفككًا سياسيًا مباشرًا، لكن التفكك النفسي أخطر؛ حين يبدأ المواطنون في الانفصال شعوريًا عن الدولة، يصبح من الصعب استعادة الثقة أو الوحدة.

في الوقت الذي تتبادل فيه الأطراف الضربات على الأرض، تبدو الحرب الحقيقية مشتعلة في العقول والقلوب. إسرائيل قد تملك ترسانة من السلاح، لكنها اليوم تواجه انهيارًا في أهم حصونها: المناعة النفسية الجماعية. وإذا ما استمرت هذه الحرب النفسية الذكية، فقد لا يكون المستقبل كما تصوّره قادتها، بل كما ترسمه شقوق الخوف في وعي مجتمعٍ بدأ يتداعى من الداخل.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.