تحالفات جديدة في جنوب القوقاز: الهند وأرمينيا في مواجهة النفوذ التركي–الأذربيجاني

53

كتبت: هدير البحيري

في تطور جيوسياسي مهم يعكس تصاعد التوترات في منطقة أوراسيا، بدأت الهند بتعزيز شراكتها العسكرية مع أرمينيا عبر إبرام صفقات تسليح متقدمة، في خطوة تُفسر كرد فعل مباشر على تحالف تركيا وأذربيجان وباكستان.
يُنظر إلى هذا التحالف الثلاثي على أنه تحدٍ متزايد للمصالح الهندية، خاصة في ظل التقارير التي تتحدث عن دعم أنقرة وباكو لإسلام آباد خلال العملية العسكرية الهندية الأخيرة في كشمير.
تعتبر نيودلهي أن هذا التحالف يمثل تحديًا مباشرًا لمصالحها الإقليمية، لا سيما بعد تصاعد التوتر بين الهند وباكستان على خلفية النزاع الحدودي. وعليه، فقد شهدت العلاقات الدفاعية بين الهند وأرمينيا نموًا ملحوظًا منذ عام 2020، عقب انتهاء حرب ناغورني قره باغ الثانية، مع سعي يريفان لتقليل اعتمادها على روسيا كمزود رئيسي للأسلحة، واستبداله بتعاون متزايد مع الهند.
وفي حوار خاص مع “نافذة الشرق”، قال إسلام شحته، المتخصص في الشؤون الهندية والباكستانية وجنوب شرق آسيا، إن التعاون الدفاعي المتنامي بين الهند وأرمينيا، لا سيما في مجالات صفقات السلاح وبرامج التدريب، لا يرجح أن يتطور إلى تحالف عسكري رسمي في المدى القريب، مرجعًا ذلك إلى عوامل عدة، أبرزها البُعد الجغرافي، والسياسة التقليدية للهند في تجنب التحالفات العسكرية الرسمية، فضلًا عن محدودية القدرات العسكرية الأرمينية، وإمكانية استياء موسكو من أي تقارب استراتيجي جديد خارج دائرة نفوذها.
وأضاف شحته أن استمرار التوتر بين أرمينيا وأذربيجان، بالتوازي مع تراجع النفوذ الروسي في المنطقة، قد يفتح الباب أمام مزيد من التقارب بين نيودلهي ويريفان. ورغم أن هذا التعاون لم يصل إلى مستوى التحالف، فإنه قد يسهم في إعادة رسم موازين القوى في جنوب القوقاز، ويزيد من حدة التوتر مع تركيا وأذربيجان، ما يعقد المشهد الجيوسياسي الإقليمي بصورة أكبر.
وأشار شحته إلى أن التوتر القائم بين الهند وتركيا لن يكون له تأثير جوهري على علاقات نيودلهي مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو الاتحاد الأوروبي، معتبرًا أن هذه العلاقات تحكمها مصالح استراتيجية أوسع تتجاوز الخلافات الثنائية.
وأوضح أن الهند تُعد شريكًا محوريًا للغرب في إطار الجهود الرامية إلى موازنة النفوذ الصيني، فضلًا عن دورها المتنامي في ملفات الأمن العالمي.
وأضاف أن الناتو والاتحاد الأوروبي يتعاملان مع تركيا كشريك داخل المنظومة، لكن دون أن تكون أنقرة صاحبة القرار الأول أو الموقف الحاسم في سياسات الحلف تجاه أطراف خارجية مثل الهند.
وبالتالي، قد تظهر بعض التحديات الدبلوماسية المحدودة أو النقاشات غير المعلنة، لكنها لن تعيق مسار التعاون المتنامي بين الهند والغرب.
واستشهد شحته بمؤشرات عدة على قوة هذا المسار، من بينها الزيارات المتبادلة بين المسؤولين الهنود ونظرائهم في العواصم الأوروبية، والمفاوضات الجارية بشأن اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، إلى جانب صفقات دفاعية محتملة مع فرنسا، وهو ما يعكس، برأيه، عمق واستمرارية الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين.
وردًا على سؤال حول تأثير صفقات السلاح التي أبرمتها الهند مع أرمينيا على علاقتها بروسيا، خاصة في ظل تراجع النفوذ الروسي في جنوب القوقاز، أوضح شحته أن هذه الصفقات تخلق ديناميكية جيوسياسية معقدة تنطوي على تحديات وفرص متبادلة بين نيودلهي وموسكو.
وأشار إلى أن دخول الهند إلى سوق السلاح الأرميني، الذي كانت تهيمن عليه روسيا لعقود، يُنظر إليه بوصفه تقويضًا ضمنيًا لدور موسكو التقليدي في المنطقة، ويشكل في الوقت ذاته منافسة مباشرة لها، مما قد يضع نيودلهي في موقف دبلوماسي حساس، خاصة مع وجود علاقات روسية وثيقة بكل من أذربيجان وتركيا، حليفي موسكو الإقليميين.
ورغم ذلك، يرى شحته أن هناك عدة عوامل تُخفف من احتمالات تصاعد التوتر بين الجانبين بشكل جذري، أبرزها رغبة أرمينيا في تنويع مصادر التسليح بعد تراجع ثقتها في موسكو، ومرونة العلاقات الهندية-الروسية المستندة إلى شراكة استراتيجية عميقة، فضلًا عن مساعي الهند لتعزيز صناعتها الدفاعية وتأكيد استقلالية قرارها في تصدير الأسلحة. كما أن غياب أي تحالف عسكري رسمي بين الهند وأرمينيا يُبقي التوازنات الإقليمية دون تهديد مباشر.
وخلص شحته إلى أنه من غير المتوقع أن تؤدي هذه التطورات إلى تدهور كبير في العلاقات بين نيودلهي وموسكو، نظرًا لأهمية الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين وقدرتهما على إدارة الخلافات ضمن أطر التعاون طويل الأمد.

وقال شحته إن منطقة جنوب القوقاز تشهد تحولات جيوسياسية متسارعة أثارت مخاوف من تحولها إلى ساحة صراع بين قوى إقليمية ودولية، على خلفية تراجع الدور الروسي التقليدي بفعل انخراط موسكو العميق في حرب أوكرانيا.
وتابع قائلًا: “فعلى مدار أكثر من قرن، احتفظت روسيا بموقع اللاعب المهيمن في المنطقة، سياسيًا وعسكريًا، إلا أن تآكل نفوذها أوجد فراغًا جيوسياسيًا تسعى عدة أطراف لملئه وفقًا لمصالحها، وفي مقدمتها تركيا، الهند، الصين، إيران، ودول غربية. وقد أدى هذا التنافس إلى تشكل محاور جديدة، أبرزها محور (تركيا–أذربيجان–باكستان) في مقابل (الهند–أرمينيا)، مما عزز احتمالات التوتر والتصعيد. ويُنظر إلى تصاعد سباق التسلح والنزاعات المزمنة، مثل أزمة ناغورني قره باغ، كعوامل مغذية لاحتمال اندلاع صراع إقليمي غير مباشر”.
وفي المقابل، يشير محللون هنود إلى أن تصاعد التعاون الدفاعي بين الهند وأرمينيا يعكس التنافس الجيوسياسي المتزايد في أوراسيا، في ظل إعادة ترتيب التحالفات بسبب استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتصاعد النزاعات الإقليمية.
وقد دفع دعم تركيا وأذربيجان لباكستان، خاصة بعد العملية العسكرية الهندية “سِندور” التي استهدفت معسكرات مسلحين في كشمير، إلى تعزيز شراكة نيودلهي مع يريفان. ووفقًا لتقارير غير رسمية، زودت أنقرة وباكو باكستان بأسلحة خلال العملية، ما أثار قلقًا واسعًا في الهند.

في هذا السياق، وقّعت الهند وأرمينيا منذ 2022 صفقات تسليح تجاوزت 440 مليون دولار، شملت راجمات “بيناكا”، ومدافع عيار 155 ملم، ومنظومات دفاع جوي من طراز “آكاش”، فضلًا عن أنظمة مضادة للطائرات المسيّرة.
وأسست شركات هندية فروعًا في أرمينيا لتوسيع حضورها العسكري هناك.

ويرى محللون أن هذه التحركات تهدف إلى موازنة الدعم التركي-الأذربيجاني لباكستان، وتعكس سياسة نيودلهي الدفاعية الرامية لتعزيز نفوذها الإقليمي، خاصة في ظل اتهامات هندية باستخدام طائرات تركية مسيّرة خلال الاشتباكات الأخيرة.

وتسعى نيودلهي أيضًا إلى تقليص اعتمادها على شركاء غير موثوقين، كما بدأت بمراجعة علاقاتها الاقتصادية والثقافية مع أنقرة وباكو، وعلّقت بعض أشكال التعاون ردًا على دعمهم لإسلام آباد.

وفي الوقت ذاته، تتابع الهند بقلق صفقة أمريكية لتزويد تركيا بصواريخ “أمرام” بقيمة 225 مليون دولار، والتي قد تؤثر على توازنات السلاح في جنوب آسيا.
يرى خبراء أن تسليح أرمينيا يُعد جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز موقع الهند كقوة صاعدة في أوراسيا، وربط مصالحها بممر “الشمال-الجنوب” الذي يمر عبر إيران وأرمينيا إلى أوروبا وروسيا.
ويُذكر أن العلاقات بين نيودلهي وأنقرة لم تصل يومًا إلى شراكة استراتيجية قوية، نتيجة خلافات قديمة حول ملف كشمير والتقارب التركي–الباكستاني، فضلًا عن خلافات أيديولوجية ظهرت في ملفات مثل ناغورني قره باغ، وحقوق الأقليات، وجماعة جولن.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.