تحالف الضرورة: هل يُعيد التقارب السعودي الإيراني رسم خرائط الخليج؟”

3

كتبت علياء الهوارى

في الوقت الذي يشهد فيه الشرق الأوسط تحوّلات غير مسبوقة في موازين القوى والتحالفات، جاء الاتصال الأخير بين القائدين العسكريين في السعودية وإيران كحدث استثنائي أثار تساؤلات واسعة:
هل نحن أمام بداية لتحالف دفاعي إقليمي جديد؟
أم مجرّد محاولة لتهدئة التوترات وسط اشتداد الصراع الدولي على النفوذ في المنطقة؟

للإجابة عن هذه الأسئلة، أجريتُ حوارًا خاصًا مع فرج حجاج محمد حجاج، خبير العلاقات الدولية والمراقب التابع للأمم المتحدة، الذي قدّم رؤية تحليلية عميقة تربط بين المستجدات الأمنية في الخليج، والصراع الأوسع بين الصين وأمريكا، والتحولات الجيوسياسية الكبرى في الإقليم.
هل الاتصال بين القائدين العسكريين السعودي والإيراني يُمثّل بداية فعلية لتحالف دفاعي، أم مجرد خطوة رمزية؟

أجاب حجاج مؤكدًا أن “المنطقة تمرّ بصراعات سياسية عميقة تتعلّق بإعادة ترسيم النفوذ الدولي، ولم يعد مقبولًا أن تظل دول المنطقة رهينة لحسابات القوى الكبرى”، وأضاف أن التقارب السعودي الإيراني يأتي كضرورة استراتيجية تفرضها حاجة الإقليم إلى حماية ذاته من حروب الوكالة والانفجارات الكبرى.

وأوضح أن “هذا التقارب يحمل في ظاهره تهدئة، لكنه في باطنه محاولة لبناء تحالف أمني إقليمي يمنح الشرق الأوسط آليات ذاتية لحماية مصالحه، بعيدًا عن التحكّم الخارجي”.
لماذا التواصل العسكري تحديدًا؟
وحول دلالات اختيار القنوات العسكرية بدلًا من الدبلوماسية أو السياسية، أشار حجاج إلى أن التواصل العسكري تحديدًا يحمل رمزية عميقة؛ إذ “يعكس مستوى متقدّم من الجدية، ويمهد لتنسيق أمني مباشر لحماية المصالح الاقتصادية، وسلاسل الإمداد، والملاحة في البحر الأحمر”.

وأضاف: “الخطوة تعني أننا أمام تحوّل فعلي في العقيدة الأمنية للرياض وطهران، حيث لم تعد كل دولة تنظر للثانية كعدو دائم، بل كطرف يمكن التنسيق معه لتحقيق الاستقرار الجماعي”

هل هذا النوع من الاتصالات يمكن أن يُعيد رسم خريطة النفوذ في الخليج، في ظل تراجع الدور الأميركي وتوسّع النفوذ الصيني؟

أجاب حجاج قائلاً:
“ما يحدث اليوم هو أحد أشكال خلق توازن جديد بين الصين وأمريكا، فدول المنطقة لم تعد تكتفي بلعب دور المتلقّي، بل بدأت في إدارة أوراقها بذكاء، والتقارب السعودي الإيراني واحد من هذه الأوراق”.

واعتبر أن السعودية تُعيد التموضع كقوة إقليمية قادرة على احتواء الخصوم وبناء شبكات تحالف مستقلة، بينما إيران تدرك أن العالم يتغير، وأن سياسة العزل والمواجهة لم تعد مجدية.
لماذا التقارب رغم الملفات الشائكة؟
وحول الدوافع الحقيقية للسعودية للتقارب مع إيران، رغم ملفات معقدة مثل اليمن والبحرين ولبنان، أوضح حجاج أن “الهدف الأكبر هو خلق شرق أوسط متوازن بلا صراعات داخلية، يمنع تغلّب قوة دولية على أخرى”.

وشدد على أن “ضرب إيران لقطر سابقًا كان رسالة قاسية للمنطقة، لكنّه درس تعلّمت منه طهران أن القوة وحدها لا تصنع نفوذًا، بل لابد من تحالفات قائمة على توازن المصالح.

وحين سألته عن البُعد الأيديولوجي في سلوك إيران، ومدى قدرة المملكة على احتوائه، قال حجاج:
“إيران نفسها لم تعد قادرة على التمادي في الأدلجة. الواقع الاقتصادي والسياسي يحتم عليها تطوير عقيدة تحالفية جديدة، قائمة على تحويل الخصوم السابقين إلى شركاء مرحليين”.

وأوضح أن “السؤال اليوم لم يعد: هل يمكن احتواء إيران؟ بل: هل إيران قادرة على تغيير أدواتها؟”.
وأضاف: “هناك مؤشرات بأن إيران بدأت تراجع خطابها وتعيد رسم أولوياتها بما يسمح لها بالاندماج في معادلة أمنية إقليمية أكثر مرونة”.

وفي سؤال ختامي حول ما إذا كان هذا الانفتاح العسكري سيمهّد لتشكيل “نظام أمني إقليمي” جديد، أجاب حجاج:
“هذا هو الهدف غير المعلن، لكن الواضح… التحالفات الأمنية القادمة لن تكون غربية بالكامل، بل إقليمية الطابع، مع استمرار التنسيق مع القوى الكبرى”.

وأشار إلى أن الرئيس السيسي كان من أوائل من فطنوا لأهمية فتح خطوط تواصل مع طهران، وهو ما أتاح لاحقًا فتح المجال أمام تقاربات أوسع خليجيًا، معتبرًا ذلك “جزءًا من رؤية مصر الأشمل لضبط الإيقاع الأمني في المنطقة”.

هل سيمر هذا التقارب السعودي الإيراني مرور الكرام من فوق خطوط الصراع الصيني الأمريكي؟”
وأجاب: “هذا ما ستكشفه الساعات القادمة، لكن الثابت أن الشرق الأوسط قرر أخيرًا أن يتكلم بصوته، لا بصوت غيره
الشرق الأوسط يمرّ بمرحلة ما بعد المحاور، وما يحدث الآن بين السعودية وإيران ليس فقط تهدئة، بل إعادة بناء للمنظومة الأمنية بأدوات جديدة.
وقد يكون هذا هو التحوّل الأهم منذ عقود في معادلات القوة والنفوذ في الخليج.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.