تحولات محتملة في السياسة الأمريكية تجاه سوريا: قراءة في تصريحات السفير مسعود معلوف(خاص)

6

كتبت بسمة هاني

تعيش العلاقات السورية الأمريكية حالة من الجمود منذ أكثر من عقد من الزمن، نتيجة التوترات السياسية والعقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن على دمشق منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011. إلا أن مؤشرات جديدة بدأت تلوح في الأفق مؤخراً، توحي بإمكانية حدوث تغيّر تدريجي في الموقف الأمريكي، خصوصاً في ظل رفع جزئي لبعض العقوبات. وفي هذا السياق، أجرى موقع نافذة الشرق حواراً خاصاً مع السفير اللبناني السابق في واشنطن مسعود معلوف، الذي قدّم قراءة معمّقة للموقف الأمريكي الراهن، واستشرافاً للمسارات المحتملة خلال المرحلة المقبلة

قال السفير مسعود معلوف من واشنطن، في حديث خاص لموقع نافذة الشرق، إن هنالك تحولات قد تطرأ على الموقف الأمريكي تجاه سوريا، وذلك في ضوء القرار الأخير برفع بعض العقوبات الأمريكية.

وأوضح السفير أن هذه الخطوة تعكس توجهاً مبدئياً نحو تخفيف الضغط على دمشق، إلا أن المسار لا يزال طويلاً ومعقداً، نظراً لطبيعة العقوبات المتبقية.

دور الكونغرس الحاسم… وعقبات تشريعية

وأكد معلوف أن عدداً من العقوبات المفروضة على سوريا لا يمكن رفعها بقرار تنفيذي من الرئيس الأمريكي وحده، بل تحتاج إلى تصويت من الكونغرس الأمريكي، الذي كان هو من أقر تلك العقوبات سابقاً.

ولفت إلى أن طبيعة الكونغرس الحالية، التي تميل إلى الطابع العسكري، خاصة مع هيمنة الحزب الجمهوري عليه، تجعل من هذا المسار أكثر تعقيداً.

وأشار في هذا السياق إلى أن الحزب الجمهوري، الذي يتزعمه الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، يمتلك نظرة متشددة تجاه سوريا، وهو ما قد يُبطئ عملية رفع العقوبات بشكل كامل، أو يجعلها خاضعة لشروط صارمة مرتبطة بالسلوك السياسي للنظام السوري.

الخطوة التالية: إعادة فتح السفارات… ولكن بشروط

وحول احتمالية إعادة فتح السفارات بين البلدين، أوضح السفير معلوف أن هذه الخطوة تبدو منطقية كمرحلة ثانية في مسار التطبيع، لكنها ليست وشيكة. ونبّه إلى أن الأمر يتطلب توافقاً سياسياً، واستعداداً لوجستياً، إلى جانب توفر بيئة دبلوماسية أكثر استقراراً.

وقال إن “الولايات المتحدة لا تزال تدرس الوضع بعناية، خاصة وأن بعض الإدارات الأمريكية غير مهيأة حالياً لتطبيع سريع مع سوريا، بعد قطيعة دامت أكثر من عشر سنوات.

” كما أشار إلى أن هناك تردد واضح داخل أروقة صنع القرار في واشنطن حيال التسرع في هذه الخطوة، نظراً لاستمرار الشكوك حول الوضع الداخلي في سوريا.

الملف الداخلي السوري في عين الرصد الأمريكي

أشار السفير معلوف إلى أن الإدارة الأمريكية، بقيادة ترامب، تراقب بدقة تطورات الأوضاع على الأرض داخل سوريا، موضحاً أن “الولايات المتحدة ستنظر إلى كيفية تعامل الحكومة السورية مع مختلف مكونات المجتمع السوري، بما في ذلك الأقليات مثل الأكراد، والدروز، والعلويين، والمسيحيين.”

وأكد أن موقف واشنطن النهائي من التطبيع الشامل مع دمشق سيكون مرهوناً بمدى التزام النظام السوري بتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية والانفتاح السياسي، وهو ما سيؤثر بدوره على مسألة إعادة تبادل السفراء بين العاصمتين.

التطبيع الكامل: مشروط بالتطورات الميدانية

لفت السفير إلى أن الولايات المتحدة لن تُقدم على خطوة التطبيع الكامل مع سوريا إلا بعد تقييم شامل للتطورات، مشيراً إلى أن “نظام الحكم في سوريا سيكون محورياً في تحديد شكل العلاقة المستقبلية”.

كما أوضح أن مسألة السماح بعودة السفير السوري إلى واشنطن، أو إعادة افتتاح السفارة الأمريكية في دمشق، ستُدرس بناء على هذا التقييم، وبما يتوافق مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.

ترامب والسياسة الإقليمية: تأثير الضغوط الخليجية والتركية

وفي ما يخص موقف الرئيس ترامب من الملف السوري، نوه السفير معلوف إلى أن الموقف الأمريكي الأخير جاء في جزء منه استجابة لضغوط إقليمية.

وقال إن إعلان ترامب بشأن سوريا انطلق من المملكة العربية السعودية، وجاء تلبيةً لرغبة مشتركة بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان”.

وأوضح أن كلا الزعيمين لعبا دوراً في دفع واشنطن إلى مراجعة موقفها، وخاصة في ظل التوجه العام داخل المنطقة نحو تهدئة الصراعات وتطبيع العلاقات مع دمشق، كما حدث مع عدد من الدول العربية مؤخراً.

الحذر يطغى على الحماس

وأكد السفير معلوف أن الولايات المتحدة تميل حالياً إلى مقاربة تدريجية في ما يتعلق بملف العلاقات مع سوريا، وهي لن تُقدم على خطوات كبيرة دون دراسة دقيقة لكل المعطيات الميدانية والسياسية.

وأضاف أن الإدارة الأمريكية تسعى للحفاظ على توازن دقيق بين المصالح الإقليمية والدولية، وبين ضغوط الداخل الأمريكي، سواء من الكونغرس أو من الرأي العام.

وبهذا، يفتح التصريح الباب أمام مرحلة جديدة قد تشهد إعادة تموضع أمريكي في الشرق الأوسط، لكنه يبقى مرهوناً بالتطورات على الساحة السورية، وبمدى تجاوب النظام مع الشروط الغربية.

السفير مسعود معلوف بواشنطن

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.