تراجع ترامب يربك المشهد: غزة بين ضغوط مجلس الأمن ومساومات التسوية

0

كتب : إسلام ماجد

تراجع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن تصريحاته السابقة التي أشار فيها إلى اقتراب التوصل إلى حل نهائي وحاسم للحرب في قطاع غزة، مؤكدًا أن الصراع المستمر منذ سنوات طويلة لا يبدو أنه سيشهد نهاية قريبة. وخلال اجتماع مع أعضاء إدارته في البيت الأبيض، أشار ترامب إلى أن الأوضاع في غزة، وكذلك الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ما زالت معقدة وصعبة الحل، رغم الجهود الدبلوماسية المبذولة. وكان ترامب قد صرح في وقت سابق أنه يتوقع نهاية حاسمة للحرب خلال أسبوعين أو ثلاثة، لكنه عاد وأكد أنه لا يوجد حل نهائي في الوقت الحالي، مشيرًا إلى أن الصراع في الشرق الأوسط يعود إلى آلاف السنين، وهو ما يزيد من صعوبة التوصل إلى حل جذري. وشدد على أمله في أن تُحل الأزمات سريعًا، لكن دون تقديم أي مؤشرات واضحة على قرب التوصل إلى اتفاق.

أزمة إنسانية غير مسبوقة في غزة

تأتي تصريحات ترامب في وقت تتزايد فيه الإدانات الدولية لإسرائيل بعد هجوم على مستشفى ناصر في غزة، أسفر عن مقتل عشرين شخصًا، بينهم خمسة صحفيين وعدد من العاملين الطبيين، وهو ما أثار موجة غضب دولية جديدة تجاه التصعيد الإسرائيلي. وأعلنت حركة حماس موافقتها على مقترح جديد لوقف إطلاق النار، في محاولة لتهدئة الأوضاع قبل أي هجوم بري محتمل على مدينة غزة، فيما يواصل الوسطاء جهودهم المكثفة لاستئناف المحادثات وسط تحذيرات من كارثة إنسانية متفاقمة في القطاع الذي يواجه خطر المجاعة.

مجلس الأمن يحمل إسرائيل مسؤولية المجاعة

أكدت أربع عشرة دولة، من أصل خمسة عشر عضوًا في مجلس الأمن الدولي، أن المجاعة في قطاع غزة أزمة من صنع البشر، وليست نتيجة ظروف طبيعية، معتبرين أن استخدام التجويع كسلاح في الحروب محظور بموجب القانون الدولي. ودعت الدول الأعضاء، في بيان مشترك، إلى وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار، إضافة إلى الإفراج عن جميع الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس وجماعات فلسطينية أخرى. وكانت إسرائيل قد رفضت تقارير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، التي أكدت أن مدينة غزة والمناطق المحيطة بها تعاني رسميًا من المجاعة، حيث أشار التقرير إلى أن نحو خمسمائة وأربعة عشر ألف شخص، أي ما يقرب من ربع سكان القطاع، يعيشون في ظروف مجاعة مرشحة للانتشار بشكل أوسع خلال الفترة المقبلة. فيما شككت القائمة بأعمال السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة، دوروثي شيا، في مصداقية التقرير ونزاهته، معتبرة أنه غير موثوق.

تصعيد ميداني وضغوط سياسية متزايدة

في الداخل الإسرائيلي، تتواصل الاحتجاجات، حيث نظمت عائلات الرهائن مظاهرات في تل أبيب مطالبة بإنهاء الحرب وإعادة الرهائن المحتجزين لدى حماس. وفي لندن، شهدت السفارة الإسرائيلية تظاهرات حاشدة، تنديدًا بالخطط الإسرائيلية لشن غزو بري على مدينة غزة. كما أصدر وزراء خارجية أربع وعشرين دولة، بينها بريطانيا وكندا ودول الاتحاد الأوروبي، بيانًا مشتركًا أكدوا فيه أن الأزمة الإنسانية في غزة بلغت مستويات غير مسبوقة، وطالبوا باتخاذ إجراءات عاجلة لوقف المجاعة. وفي سياق متصل، أعلن وزير الخارجية الهولندي، كاسبار فيلدكامب، استقالته من حكومة تصريف الأعمال، احتجاجًا على رفض الحكومة اتخاذ إجراءات جديدة ضد إسرائيل بسبب عدوانها المستمر على القطاع. بينما كشف وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، عن خطة للسيطرة العسكرية على مدينة غزة، وأمر باستدعاء ستين ألف جندي احتياط، استعدادًا لعملية عسكرية كبرى، وهو ما أثار اتهامات واسعة بالتهجير القسري. أما رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فرفض اتهامات المماطلة في إنهاء الحرب، وأكد أن حكومته لن تقبل بوقف إطلاق نار جزئي، مفضلة التوصل إلى اتفاق شامل ينهي الحرب وفق شروط إسرائيل، ويتيح لها السيطرة على مدينة غزة، في وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية على تل أبيب لوقف التصعيد العسكري.

موقف حماس حتى الآن

أعلنت حركة حماس موافقتها على مقترح جديد لوقف إطلاق النار، في محاولة لتهدئة الأوضاع ومنع أي هجوم بري محتمل على مدينة غزة، مع استمرار الوسطاء في جهودهم لاستئناف المحادثات.

تحليل سياسي يكشف السيناريوهات المحتملة

وفي سياق متصل، أكدت الدكتورة نهى بكر، أستاذ العلوم السياسية، أن القدرات العسكرية لحركة حماس لا تزال قائمة رغم الضربات المكثفة التي تلقتها الحركة خلال الأشهر الماضية، موضحة أن بنيتها القتالية تعتمد على شبكة أنفاق معقدة، يصعب تدميرها بالكامل، نظراً لتشابكها ودقتها في التصميم. وأشارت إلى أن امتلاك الحركة لقدرات تصنيع محلية للصواريخ، ساعدها في الحفاظ على قدرتها على تنفيذ هجمات متفرقة، رغم الإنهاك الكبير الذي أصابها نتيجة العمليات العسكرية المستمرة.

وأضافت بكر أن انتشار مقاتلي حماس في مجموعات صغيرة ومتفرقة، يجعل من الصعب القضاء الكامل عليها، كما أن التراجع الملحوظ في الدعم الإقليمي أثّر في قدراتها، لكنه لم ينهِ وجودها العسكري بشكل كامل.

وأوضحت أن السيناريوهات المحتملة لمستقبل الحركة تتمثل في استمرار المقاومة المسلحة، حتى وإن تحولت إلى تكتيكات حرب العصابات، مع احتمالية موازية لفتح مسار مفاوضات سياسية تحت ضغط المجتمع الدولي، بهدف الوصول إلى صفقات تبادل أسرى أو تسويات سياسية. كما لم تستبعد أن يمنح ملف إعادة إعمار غزة وإدارة القطاع فرصة للحركة لإعادة تنظيم صفوفها سياسياً وعسكرياً، إلا أن هذا السيناريو يبقى ضعيفاً. أما سيناريو اندماج حماس مع السلطة الفلسطينية، فهو احتمال محدود جداً، نتيجة الخلافات الأيديولوجية والاستراتيجية بين الجانبين.

واختتمت بكر تصريحها بالتأكيد على أن الصمود العسكري لحركة حماس لا يزال قائماً، لكنه أصبح أكثر لامركزية وأقل قوة، معتبرة أن السيناريو الأقرب للواقع هو استمرار العمليات المسلحة بوتيرة منخفضة، بالتوازي مع مفاوضات متقطعة، تفرضها الضغوط الدولية والمصالح الإقليمية في المنطقة.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.