تركيا تستنفر.. تقرير سري يدعو لملاجئ تحت الأرض وتعزيز دفاعات الحرب السيبرانية

1

كتبت: هدير البحيري

حذر تقرير استخباراتي صادر عن أكاديمية الاستخبارات الوطنية، التابعة لجهاز الاستخبارات التركي (MİT)، من ضعف جاهزية تركيا في مواجهة سيناريوهات مماثلة، داعيًا إلى تعزيز قدرات الدفاع المدني، وتطوير البنية التحتية للحماية، وتحصين المجال السيبراني في المدن الكبرى، وذلك في تقييم لافت لتداعيات الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل.

اعتبر التقرير الصادر تحت عنوان “حرب الأيام الـ12 والدروس المستخلصة لتركيا” أن المواجهة بين طهران وتل أبيب شكلت نموذجًا مصغرًا لـ”الحروب الحديثة”، التي لم تعد تقتصر على الجبهات العسكرية التقليدية، بل باتت تشمل الفضاء الرقمي والمجال النفسي للمجتمعات.

التقرير الذي أعدته أكاديمية الاستخبارات الوطنية، يُقيم الحرب من زوايا عسكرية واستخباراتية وسياسية وتكنولوجية، معتبرًا إياها نموذجًا لـ”الحروب الحديثة قصيرة الأمد وعميقة التأثير”، والتي باتت تتطلب استراتيجيات استباقية شاملة.

يرى التقرير أن اندلاع الحرب مثّل تحولًا نوعيًا في قواعد الاشتباك، إذ بدأت بسلسلة هجمات مفاجئة نفذتها إسرائيل، شملت غارات جوية وعمليات اغتيال دقيقة، قبل أن تتدخل الولايات المتحدة بقصف منشآت نووية إيرانية، لتنتهي العمليات العسكرية خلال 12 يومًا فقط.

لكن هذا القصر الزمني لم يمنع الحرب من أن تتحول إلى ساحة لاختبار أدوات “الحرب الهجينة”، التي مزجت بين العمليات العسكرية والهجمات السيبرانية والتلاعب المعلوماتي، مما شكّل تهديدًا متكامل الأبعاد لبنية الدول المستهدفة واستقرارها الداخلي.

سلّط التقرير الضوء على الدور الحاسم، الذي لعبته الحرب السيبرانية في المواجهة، حيث استخدمت كل من إسرائيل وإيران هجمات إلكترونية لتعطيل البنية التحتية للطرف الآخر، إلى جانب حملات دعائية رقمية هدفت إلى إرباك الرأي العام وزعزعة الثقة بالمؤسسات.

كما أشار إلى محاولات إيران حظر تطبيقات تواصل مثل “واتساب”، في خطوة تعكس سعيها لفرض رقابة مشددة على تدفق المعلومات، وهو ما كشف – بحسب التقرير – عن البُعد النفسي والإعلامي للحرب، مؤكدًا أهمية تعزيز الأمن الرقمي والسيادة التكنولوجية للدول، ولا سيما في ظل تصاعد التهديدات العابرة للحدود.

ولفت التقرير إلى أن الحرب أظهرت نقاط ضعف خطيرة حتى لدى دول ذات تفوق تكنولوجي كإسرائيل، حيث فشلت أنظمة الدفاع الصاروخي في اعتراض العديد من الهجمات، ما يجعل تركيا في وضع أكثر هشاشة حال تعرضها لسيناريو مشابه.
ولهذا، أوصت الأكاديمية الوطنية للاستخبارات التركية في تقريرها بضرورة تحديث أنظمة الدفاع الجوي التركية، وتعزيز قدراتها في مواجهة الصواريخ والطائرات المسيّرة، إلى جانب تحصين مؤسسات الدولة والبنية التحتية ضد الهجمات الرقمية.

شكّل ملف الدفاع المدني أحد المحاور المركزية التي ركز عليها التقرير، حيث بيّن أن غياب أنظمة الإنذار المبكر وضعف البنية التحتية للملاجئ المحصنة في إيران أسهما بشكل مباشر في وقوع خسائر بشرية في العاصمة طهران ومدن أخرى. وعلى النقيض، نجحت إسرائيل في تقليل عدد الضحايا المدنيين، بفضل امتلاكها بنية دفاع مدني متقدمة واستعدادات مسبقة للطوارئ.

وفي هذا السياق، يؤكد التقرير أن على تركيا إعطاء أولوية قصوى لتطوير قدراتها في مجال الدفاع المدني، من خلال إنشاء ملاجئ تحت الأرض في المدن الكبرى، وتفعيل أنظمة إنذار مبكر فعالة، إلى جانب تعزيز الوعي المجتمعي بثقافة الحماية المدنية.

وحذر التقرير من أن إهمال هذا الملف الحيوي قد يترتب عليه ثمن باهظ في حال اندلاع صراع مسلح مستقبلي في المنطقة، مشددًا على أن الدفاع المدني لم يعد خيارًا تكميليًا، بل ركيزة أساسية في معادلة الأمن القومي.

سلط التقرير الضوء على الاختراق الداخلي الذي مثّل ركيزة أساسية في الهجمات الإسرائيلية على إيران، من خلال العناصر المجندة محليًا، معتبرًا ذلك مؤشرًا بالغ الخطورة على هشاشة الجبهة الداخلية وقابليتها للاختراق.
وانطلاقًا من هذا التحليل، شدد على ضرورة التعامل الجاد مع العوامل المغذية لاضطراب الأمن الداخلي ــ مثل الأزمات الاقتصادية والتوترات السياسية والاجتماعيةــ بوصفها بيئات خصبة قد تُستغل لتكرار سيناريوهات مشابهة.

شدد التقرير على ضرورة تبني تركيا لاستراتيجية أمنية شاملة، تأخذ في الحسبان تداخل الأبعاد العسكرية والتكنولوجية والمجتمعية، مؤكدًا أن الحروب الحديثة لم تعد تُحسم فقط في ميدان المعركة، بل أيضًا في فضاءات المعلومات والبُنى التحتية والشبكات الرقمية.

وأشار إلى أن الاكتفاء بأنماط الدفاع التقليدي لم يعد كافيًا لمواجهة طبيعة التهديدات المتغيرة، محذرًا من أن أي ثغرة في منظومات الحماية الرقمية أو الدفاع المدني قد تجعل الجبهة الداخلية هدفًا مكشوفًا في أي صراع إقليمي محتمل.

واختتم التقرير بالتنبيه إلى أن “الاستعداد للمستقبل يبدأ الآن”، وأن تعزيز الجاهزية على مختلف المستويات -العسكرية والتقنية والمجتمعية- هو السبيل الوحيد لضمان أمن تركيا واستقرارها في عالم تتبدل فيه موازين القوة وتتسارع فيه وتيرة التهديدات.
يرى الخبير في الشؤون التركية، والباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، شعبان عبدالفتاح، أن أنقرة تمتلك بنية مؤسساتية أمنية قوية تمكّنها من التعامل السريع مع التهديدات الطارئة، خصوصًا من خلال أجهزة الاستخبارات، ووزارة الدفاع، ورئاسة الشؤون الأمنية الداخلية.
وأوضح عبدالفتاح في حوار خاص لـ”نافذة الشرق” أن هذه المنظومة المتماسكة تتيح للدولة القدرة على تفعيل توصيات عاجلة خلال فترات زمنية قصيرة، لا سيما في الملفات ذات الأولوية الأمنية.
لكن من الناحية المالية، قال عبدالفتاح إن الوضع أكثر تعقيدًا، في ظل الضغوط الاقتصادية، التي تعاني منها تركيا بفعل التضخم المزمن، وتراجع قيمة الليرة، وارتفاع تكلفة المعيشة، ما قد يحد من قدرة الحكومة على تنفيذ مشاريع ضخمة مثل بناء ملاجئ تحت الأرض في كل المدن الكبرى.
وأضاف أن أنقرة قد تتجه إلى مقاربة انتقائية، تُعطى فيها الأولوية لتعزيز الدفاعات السيبرانية وحماية البنى التحتية الحيوية، وهي إجراءات أقل كلفة وسرعة تنفيذها أكبر مقارنة بالمشاريع الإنشائية الكبرى.
بحسب الخبير في الشؤون التركية، فإن تركيا قطعت شوطًا مهمًا خلال السنوات العشر الماضية في تطوير قدراتها السيبرانية، سواء من خلال تأسيس “القيادة السيبرانية” التابعة لوزارة الدفاع، أو عبر تشكيل فرق استجابة للطوارئ في مؤسسات حيوية مثل قطاع الطاقة، والمواصلات، والمصارف.
ورغم هذا التقدم، أشار عبدالفتاح إلى أن هناك فجوة واضحة في الجاهزية، لا سيما عند مواجهة هجمات سيبرانية معقدة ومنسقة تستهدف البنى التحتية الحساسة كشبكات الكهرباء أو أنظمة الاتصالات.
ويُعزى ذلك جزئيًا إلى اعتماد تركيا الكبير على أنظمة إلكترونية مستوردة، بالإضافة إلى محدودية الكوادر البشرية المتخصصة في الأمن السيبراني مقارنة بالقوى الإقليمية والدولية الكبرى.
ومع ذلك، يؤكد أن جاهزية أنقرة اليوم أفضل كثيرًا مما كانت عليه قبل عقد من الزمن، مرجّحًا أن تشهد المرحلة المقبلة مزيدًا من الاستثمارات في هذا القطاع، في ضوء تصاعد التهديدات على الساحة الإقليمية.
وأفاد عبدالفتاح بأن البيئة الداخلية التركية في الوقت الراهن تعاني من هشاشة نسبية، ما يجعلها أكثر قابلية للتعرض لاختراقات أمنية أو حملات تضليل، شبيهة بتلك التي استهدفت إيران في سياق التصعيد مع إسرائيل.
وأوضح أن الأزمات الاقتصادية المتراكمة، وارتفاع نسب البطالة، وتفاقم التوترات السياسية بين الحكومة والمعارضة، تُعد عناصر ضعف يُمكن لجهات خارجية استغلالها لزعزعة الاستقرار الداخلي، سواء عبر أدوات الحرب السيبرانية أو منصات الإعلام الموجه.
وختم عبدالفتاح حديثه مشددًا على أن تركيا تمتلك أدوات المواجهة، لكنها تحتاج إلى تبني نهج مزدوج، يقوم من جهة على تعزيز حماية البنى التحتية الرقمية والمالية، ومن جهة أخرى على معالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تُضعف تماسك الجبهة الداخلية وتزيد من قابلية المجتمع للاختراق والتأثر بحملات التضليل المنظمة.

وكانت إسرائيل قد شنت بشكل مفاجئ وبدعم مباشر من الولايات المتحدة، حربًا واسعة النطاق على إيران بدأت في 13 يونيو الماضي واستمرت 12 يومًا.
وشملت العملية سلسلة غارات جوية مكثفة استهدفت مواقع عسكرية ومنشآت نووية وأهدافًا مدنية داخل العمق الإيراني، إلى جانب عمليات اغتيال طالت قادة عسكريين بارزين وعددًا من العلماء النوويين.
وبحسب بيانات رسمية أصدرتها السلطات الإيرانية، أسفرت هذه الهجمات عن سقوط 606 قتلى و5332 جريحًا.

في المقابل، ردّت طهران بهجوم مضاد وواسع النطاق، استخدمت فيه صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة لاستهداف مقرات عسكرية واستخبارية إسرائيلية، ما أدى إلى حالة من الدمار والذعر غير المسبوقين، فضلًا عن مقتل 28 شخصًا وإصابة 3238 آخرين، وفقًا لما أعلنته وزارة الصحة والإعلام الإسرائيلية.

وتصاعدت وتيرة التصعيد لاحقًا مع دخول الولايات المتحدة بشكل مباشر على خط المواجهة، إذ نفذت ضربات ضد منشآت نووية داخل إيران، وهو ما دفع الأخيرة إلى الرد بقصف قاعدة “العديد” الجوية الأميركية في قطر.

وفي 24 يونيو، أعلنت واشنطن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين تل أبيب وطهران، لتُسدل الستار على ما بات يُعرف بـ”حرب الاثني عشر يومًا”، والتي ادّعت كل من إسرائيل وإيران تحقيق النصر فيها، رغم حجم الخسائر البشرية والمادية التي خلفتها المواجهة..

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.