تصاعد أزمة الرسوم القضائية في مصر.. المحامون يُصعّدون ونقابتهم تعلن الإضراب الشامل يومي 7 و8 يوليو

4

كتبه: عبدالله حسانين

في تصعيد غير مسبوق، أعلنت نقابة المحامين عن الدخول في إضراب شامل يومي 7 و8 يوليو 2025، احتجاجًا على ما وصفته بـ”الزيادات غير الدستورية” في الرسوم القضائية، التي فرضتها بعض محاكم الاستئناف، وسط حالة من الصمت الحكومي والقضائي تجاه أزمة باتت تُهدد أحد أركان العدالة في البلاد.
وفي تصريحات خاصة أدلى بها المحامي صلاح علام، عضو نقابة المحامين ومحامي الاستئناف العالي ومجلس الدولة، لـ”نافذة الشرق”، وصف الأزمة بأنها “سابقة لم تشهدها المحاماة في مصر منذ عقود”، مؤكدًا أن ما يحدث هو “إرهاق ممنهج لمجتمع المحامين، واعتداء صريح على حق التقاضي المكفول بالدستور”.
أزمة متصاعدة رغم التحول الرقمي
بدأ علام حديثه بالإشادة بتطوير المنظومة القضائية خلال السنوات الأخيرة، مؤكدًا أنه “لا يمكن إنكار ما جرى من تحديث مهم عبر إدخال الخدمات الإلكترونية والمنصات الرقمية داخل المحاكم والنيابات، وهو ما ساهم في أرشفة الأوراق والمستندات إلكترونيًا، وحماية حقوق المتقاضين”.
لكن بالرغم من هذا التحول، يوضح أن “التحول الرقمي لا يبرر مطلقًا هذه الزيادات الضخمة في الرسوم، والتي تحولت إلى عبء ثقيل على المحامين والمتقاضين”.
“كنا نحصل على صورة رسمية من الحكم مقابل خمسة جنيهات.. اليوم تُكلفنا ثلاثين وأربعين جنيهًا، وإذا كانت القضية بها 100 ورقة، فقد تصل تكلفة حافظة المستندات الواحدة إلى أكثر من 3 آلاف جنيه”، قال علام مستنكرًا.
الرسوم تحاصر المتقاضين وتُهدد حق الدفاع
يرى علام أن الرسوم الجديدة تُمثل تهديدًا مباشرًا لحق المواطنين في التقاضي، وهو الحق الذي يكفله الدستور المصري، قائلاً: “هل من المنطقي أن يُعاقب المواطن إذا رغب في تقديم مستندات تثبت براءته بدفع 33 جنيهًا عن كل ورقة؟ كيف يُمكن للفقير أو محدود الدخل أن يحصل على العدالة في ظل هذا الوضع؟”.
وأوضح أن هذه الزيادات لا تقتصر على رسوم الدعوى أو الاستئناف، بل تشمل أيضًا رسوم تقديم المستندات، ما يُضعف قدرة المحامي على الدفاع عن موكله، ويزيد من حجم الأعباء المالية التي تُثقل كاهل المتقاضين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
“منظومة إلكترونية تُعيق العدالة بدلًا من تيسيرها”
رغم الهدف النبيل من تطبيق النظم الإلكترونية، يشير علام إلى أن التطبيق العملي لها لم يكن في صالح المحامي أو المواطن، قائلًا: “الكمبيوتر أصبح عبئًا.. السيستم يتوقف بالساعات، ونقضي اليوم كله في استخراج شهادة واحدة”.
يؤكد أن العمل اليدوي سابقًا كان أكثر سرعة ومرونة، حيث كان المحامي يُنهي أكثر من خمس قضايا في يوم واحد، بينما الآن تقف الإجراءات عاجزة أمام أعطال النظام، ما أدى إلى تباطؤ حركة التقاضي، وتعطيل سير العدالة.
اتهامات للحكومة: “تصفية ممنهجة لمجتمع المحامين”
وفي انتقاد مباشر، لمّح علام إلى أن الأزمة قد تكون “بداية لتصفية مجتمع المحامين وتقليص أعداد المشتغلين بالمهنة”، قائلاً: “ما يحدث ليس له تفسير سوى أن هناك من يسعى إلى إنهاك النقابة والمحامين، تمهيدًا لقرارات أكبر قد تُقوّض منظومة العدالة في مصر”.
وشدد على أن المحامي هو جزء أصيل من منظومة العدالة، ويتحمل الأعباء القانونية والضريبية دون دعم مباشر من الدولة، مؤكدًا أن تحميله هذه الرسوم الفلكية يمثل انتهاكًا واضحًا لحقوقه وحقوق المتقاضين على حد سواء.
صمت حكومي يثير الريبة.. والبرلمان عاجز
رغم المناشدات العديدة، يؤكد علام أن “لا الحكومة تحركت، ولا الجهات القضائية تدخلت”، مضيفًا أن هذا الصمت الرسمي يُعد “أخطر ما في الأزمة”، ويُنذر بتصاعد الأمور نحو مواجهات أكثر حدة بين المحامين والدولة.
ورغم مناقشة الأزمة تحت قبة البرلمان، ومشاركة نقيب المحامين عبد الحليم علام في جلسات عدة، إلا أن “النتائج ظلت دون المستوى”، وفقًا لتوصيف المحامي صلاح علام.
تحركات نقابية.. وقرارات تصعيدية حاسمة
وفي هذا السياق، عقد نقيب المحامين عبد الحليم علام، بصفته رئيس اتحاد المحامين العرب، اجتماعًا موسعًا مع أعضاء مجلس النقابة ونقباء النقابات الفرعية يوم الأربعاء الماضي، انتهى بعدة قرارات تصعيدية.
أبرز القرارات كانت:

  • الإضراب العام عن الحضور أمام المحاكم والنيابات يومي 7 و8 يوليو.
  • الامتناع الكامل عن التعامل مع خزائن المحاكم.
  • تشكيل لجان للتواصل مع المحامين في المحاكم الجزئية لشرح آليات التصعيد وتوحيد الصفوف.
  • تحميل الجهات القضائية والتنفيذية المسؤولية الكاملة عن تعطل مصالح المواطنين في هذين اليومين.
    كما أقر الاجتماع عدة قرارات نقابية داخلية، أبرزها:
  • زيادة الحد الأقصى للمعاش إلى 4000 جنيه شهريًا، بواقع 100 جنيه عن كل سنة ممارسة بحد أقصى 40 سنة.
  • تحديد الحد الأدنى للمعاش عند 2000 جنيه، مع ضمان احتفاظ الورثة بكامل المعاش.
  • صرف المعاشات بالنظام الجديد اعتبارًا من عام 2026.
  • النظر في تحسين المعاشات القديمة وفق القواعد الجديدة.
  • الزيادة السنوية لجميع المعاشات بنسبة 5%.
    تساؤلات مشروعة حول نوايا الدولة
    اختتم صلاح علام حديثه بطرح جملة من التساؤلات التي تعكس قلقًا كبيرًا داخل أوساط المحامين، قائلاً: “هل ما يحدث مجرد إرهاق مرحلي أم مقدمة لقرارات أخرى ضد المحامين؟ هل هذه الرسوم وسيلة لاستنزاف النقابة والمهنة؟ ماذا بعد 7 و8 يوليو؟”.
    وأضاف: “حتى لو حُلّت الأزمة الحالية، فإن التخوف يبقى من تكرار سيناريوهات مماثلة عبر فرض سياسات أخرى تؤثر على حق الدفاع، وتهدد استقرار المهنة ومنظومة العدالة برمتها”.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.