تصعيد خطير بين السودان والإمارات .. من الإتهامات بالدعم العسكرى إلى حظر الطيران الدبلوماسى

1

كتب \ أحمد سمير

فى مشهد يعكس تعقيد التوازنات الإقليمية والتحولات فى خريطة التحالفات العربية , تتجة العلاقات بين السودان والإمارات نحو مذيد من التدهور فى واحدة من أكثر الأزمات الدبلوماسية حدة بين البلدين كان حتى وقت قريب شريكين إقتصاديين وسياسيين بارزين .

قرار منع الطائرات السودانية من الهبوط فى المطارات الإماراتية لم يكن مجرد إجراء تقنى بل رسالة سياسية مشفرة , أتت على خلفية إتهامات سودانية بدعم الإمارات لقوات الدعم السريعه المتورطه فى حرب أهلية دموية .

خلفيات الأزمة ..

تعود الأزمة إلى منتص عام 2023 حين بدأ تسرب تقارير إستخباراتية تفيد بدعم إماراتى مباشر أو غير مباشر لقوات الدعم السريعه , من خلال إمدادهم بالأسلحة أو المسيرات , وتقديم دعم لوجيستى عبر دول مثل ” تشاد , ليبيا ” , الأمر الذى رفضته الإمارات رسميا لكنها لم تزل غامضة فى توضيح دورها الحقيقى .

قدمت المخابرات السودانية أدلة لمجلس الأمن تضمنت صورا وشهادات عن طائرات مسيرة إماراتية الصنع قد إستخدمت فى قصف منشآت مدنية فى” بورسودان ” .

نقاط التحول فى الأزمة بيين البلدين ..

فى مارس من العام الجاري قامت طائرات مسيرة مجهولة الهوية بإستهداف ميناء ومطار ” بور سودان ” المعقل الإدارة للحكومة السودانية , بعدها وجهت الحكومة السودانية إتهاماً للإمارات بشكل مباشر واصفة ً الهجوم بـ ” العدوان السافر ” .

وفى مايو من العام الجارى تم قطع العلاقات بين الدولتين بعد إعلان السودان تصنيف الإمارات كدولة عدوان وقطعت العلاقات الدبلوماسية معها , وتم إغلاق السفارة الإماراتية فى الخرطوم والسودانية فى أبو ظبى بالتزامن مع كل هذه الاحداث أعلنت السودان وقف تصدير الذهب للإمارات التى كانت المستورد الأكبر له .

فى السادس من أغسطس من الشهر الجارى أعلن الجيش السودانى إسقاط طائرة من يزعُم أنها تابعه للقوات الجوية الإماراتية عند مطار ” نيالا ” فى جنوب ” دارفور ” مما أدى إلى مقتل 40 مما يعتقد أنهم مرتزقة كولمبيون كانوا على متنها ومعهم أسلحة موجهة إلى قوات الدعم السريعه .

وأكدت عدة منظمات مثل ” أمنيستى ” ووجهات إعلامية أخرى بإمداد الإمارات قوات الدعم السريع بأسلحة صينية مثل ” الدرون ” ومدافع ذات توجية دقيق رغم نفى الأخيرة هذا الأمر بإستمرار , ويأتى هذا التصعيد العسكرى بعد إعلان الإمارات منعها لهبوط الطائرات السودانية فى مطارتها .

وعلى خلفية هذه الإتهامات من الجانب السودانى المدعومة بأدلة ونفيها بإستمرار من الجانب الإماراتى , تقدمت الحكومة السودانية بشكوى لمحكمة العدل الدولية فى إبريل من العام الجارى إتهمت فيها الإمارات , بالتورط فى ” الإبادة الجماعية ” بدارفور , بسبب الدعم اللوجيستى , والعسكرى لقوات الدعم السريعه .

موقف مكمة العدل الدولية كان محبطاً بعض الشىء , فقد رفضت الشكوى شكلياً مدعية بعد إختصاص المحكمة ببعض جوانب الشكوى , مستندة على حجز الإمارات عند إنضمامها إلى إتفاقية ” الإبادة الجماعية ” فى هذا العام .

كان لهذا التطور فى الأحداث بعد إقتصاديا ً قد أثر بشكل ملحوظ على البلدين نظراً لكون الأمارات كانت من أكبر شركاء السودان فى قطاع الذهب والتجارة والموانى , وإقامة مشاريع كبرى إماراتية على أراضى سودانية مثل ” ميناء أبو أمامة ” الذى تم إلغاؤه فى 2024 , بعد إعتبار الخرطوم أن الإمارات تستخدم مثل هذه المشاريع لتمويل دعمها لمليشيات الدعم السريع , كما حصلت الإمارات على عدة إمتيازات لشركات فى قطاع الزراعه تم إلغاؤها من قبل السودان , أيضا كان للإمارات سيطرة كبيرة على جزء كبير من المعاملات البنكية الحيوية عبر بنك الخرطوم وفرع بنك النيلين , هذا وقد وصل حجم التبادل التجارى بين الدولتين إلى نحو يتجاوز المليار دولار سنوياً الأمر الذى يعنى خسائر إقتصادية فادحة وواضحه للطرفين .

وعن الموقف الإقليمى والدولى نحو هذه الأزمة ..

السودان تتهم الإمارات بمحاولة تشكيل ” حكومة موازية تدعم قوادت الدعم السريع ” سياسيا ً وذلك من خلال التأثير فى بيانات الأمم المتحدة , وعدد من الحركات والمنظمات مثل ” منظمة التعاون الإسلامى , حركة عدم الإنحياز “

على الجانب الأخر تحاول أبوظبى فى إظهار الجانب الإنسانى حيث قامت بإستضافة العديد من المؤتمرات الإنسانية , كما دعت لعقد هدنه بين الطرفين , وقامت بتوفير دعم إقامة للمغتربين السودانيين المتعسرين فى تجديد إقامتهم بالإمارات .

وعن موقف بعض الدول فقد دعمت كلاُ من تركيا وقطر الموقف السودانى ضمنيا , بينما إلتزمت مصر والمملكة العربية السعودية , موقف الحياد الرسمى .

وقد أعربت الولايات المتحدة عن قلقها البالغ من دعم محتمل لمليشيات الدعم السريع لكنها لم تصدر بياناً رسميا تدين فيه الإمارات بطريقه مباشرة , فقط قد أعلنت أن الدعم الخارجى لأى من طرفى النزاع فى السودان ليس سوى ” تهديدا للسلم الإقليمى ” .

إذن مع كل ماسبق نجد أن من المتوقع زيادة حدة التوتر بين البلدين فالنزاع بين الطرفين فى مرحلة مفتوحة التصعيد من الممكن أن نجد تداخل عسكرى قد يتمثل ” فى ضربة جوية ” أو بعداُ دبلوماسيا تجميد كامل للعلاقات خلال الأشهر القادمة , قيام السودان بالبحث عن شركاء جدد مثل ” تركيا , الصين ” لتعويض الإنسحاب الإماراتى .

من المتوقع قيام الخرطوم مرة أخرى بتقديم شكوى معدلة لمحكمة العدل الدولية أو مجلس الأمن , كما ستتأثر الجالية السودانية بالأمارات بهذه الأزمة , رغم محاولات التهدئة الإنسانية .

ولكن وسط هذه الضبابية من الأحداث نتوقع أن يكون هناك خياراً أخير لتجنب مزيد من التصعيد وإحتواء الأزمة وذلك لضمان الإستقرار الإقليمى فى القرن الإفريقى والخليج , والحفاظ على حركة الملاحة فى البحر الأحمر , وإستمرارية العلاقات الإقتصادية بين الدول العربية .

الأطراف المحتملة للوساطة على رأسهم مصر التى تربطها علاقة قوية مع السودان وقنوات مفتوحة مع الإمارات رغم إلتزامها بالموقف المحايد فى هذا الشأن , السعودية تأتى كخيار ثانى لكونها لاعب محورى فى الخليج , وسعيها لحماية صورة مجلس التعاون ككتلة متماسكة , ومن الممكن طرح مبادرة مشتركة مع الجامعه العربية , الجامعة العربية تأتى كخيار أخير فعلى الرغم من ضعف أدائها فى إدارة الأزمات السابقة إلا أن التصعيد الحالى يفرض تدخلاً عبر لجنة عربية خاصة , ولكن جميع الخيارات السابقة لن تنجح فى عدم وجود دعم دولى وضمانات حقيقية كافية .

وفى تصريح خاص للخبير العسكرى والإستراتيجى العميد الركن ” د. جمال الشهيد ” لموقع نافذة الشرق .

قد أكد فيه بأن دولة الإمارات العربية قامت بتدخلال في الشأن الداخلى السودانى , ودعمها الموثق للمليشيات المتمرده , وأن قرار الإمارات الأخير بمنع هبوط الطائرات السودانية في مطارتها , ليس سوى إجراء يعكس إستمرارية العدوان السياسى الغير معلن , وأن موقف الأخيرة يستدعى وقفه صارمه , وتقدم في الدفاع عن السيادة الوطنية ومصالح الدولة السودانية .

مشيراً إلى أن هذا القرار يمثل حلقة جديدة في سلسلة السياسة العدائية التى تتبعها الإمارات تجاة السودان والتى شملت العديد من الأمور أهمها تمويل وتسليح قوات الدعم السريع , من خلال وسطاء وشبكات إقليمية , والقيام بتوفير ملاذ آمن لهم ومستودعات لوجيستيه على اراضى دول مجاورة , والعمل على تشوية صورة السودان في المحافل الدولية عبر أدوات ناعمه وإعلام موجه .

مضيفاً أن القرار لا يفهم الإ كمحاولة يائسة لممارسة الضغط على الحكومة السودانية الشرعية وهو في الحقيقة دليل إدانة إضافى يكشف عن عمق تورط الإمارات في تأجيج الحرب بالوكالة داخل السودان , وأن الأخيرة تلعب دور اللاعب الخفى في الحرب السودانية , مستخدمة دعمها المادى والعسكرى لتعويض غياب العلاقات الرسمية .

مشدداً على ضرورة إتخاذ خطوات لحماية الجالية السودانية بالإمارات وضمان عدم تضررها من السياسة العدائية .

مطالباً الحكومة السودانية بالتحرك الدولى المكثف لفضح الدورالإماراتى الموثق خصوصاً أمام مجلس الأمن ومجلس السلم , ومجلس الأمن الإفريقى , وتعزيز العلاقات مع الحلفاء الإقليميين والدوليين لكسر العزلة المفتعله والدفاع عن سيادة القرار الوطنى .

مضيفاً بأن السودان لن يتراجع عن قراره السيادة بقطع العلاقات مع الإمارات حتى تتوقف كافة أشكال التدخل العدائى , إستخدام هذا التصعيد كأداة دبلوماسية لإعادة تسليط الضوء على جرائم المليشيات وداعميها الإقليميين , وأن قرار الإمارات الأخير يعتبر ورقة عقاب جماعى للسودانيين بعد دعم الأخيره للميلشيا , معتبراً إياه سلوك يعكس تورط عدائى يتجاوز حدود العلاقات المتعارف عليها بين الدول .

مختتما حديثه : ” بأن السودان اليوم أقوى من أى وقت مضى على المستويين العسكرى والسياسى وأنه يخوص معركته بكل ثقة مع شعبة وقواته المسلحة ولن يسمح لأى جهه إقليمية أو دولية بفرض واقع غير وطنى على الأراضى السودانية ” .

مايجرى الآن بين السودان والإمارات يتجاوز مجرد خلاف سياسى ليكشف عن عمق الصراق فى المنطقة حول النفوذ والسيطرة على الموارد والموانى , والتنافس على تشكيل مستقبل ما بعد الحروب الأهلية , الأزمة الحالية مرشحة للإستمرار بقوة وتطلب وساطة إقليمية قوية لأعادة الجانبين إلى طاولة التفاهم مرة أخرى, قبل أن تنفجر المنطقة بشرارات نزاع إقليمى أوسع

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.