تصعيد في السودان: الجيش يتقدم… مئات الآلاف في خطر

1

كتبت بسمة هاني

يشهد السودان تصعيدًا عسكريًا جديدًا مع تقدّم الجيش في عدة محاور استراتيجية، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية بسبب تزايد أعداد النازحين وتدهور الأوضاع المعيشيةو في هذا السياق، يسلّط الدكتور رامي زهدي، خبير الشؤون الإفريقية، في حديث خاص لموقع نافذة الشرق، الضوء على أبرز أبعاد التصعيد الراهن، والتداعيات المحتملة على استقرار السودان والمنطقة بأسرها.

قال الدكتور رامي زهدي، خبير الشؤون الإفريقية، في حديث خاص لموقع نافذة الشرق، إن التصعيد العسكري الأخير في السودان، مع تسجيل تقدم ملحوظ للقوات المسلحة السودانية على ثلاثة محاور رئيسية، يمثل نقطة تحول حاسمة في مسار النزاع، الذي دخل عامه الثالث، وسط واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية التي شهدتها القارة الإفريقية خلال العقود الأخيرة.

تحولات ميدانية لافتة تعيد ترتيب المشهد العسكري

وأوضح زهدي أن الجيش السوداني تمكّن من استعادة زمام المبادرة في مناطق استراتيجية مثل ولاية الجزيرة، وشرق النيل الأبيض، وأجزاء من إقليم دارفور، لافتًا إلى أن هذا التقدم الميداني لم يأتِ بمعزل عن إعادة تنظيم القيادة العسكرية، وتوسيع قاعدة الدعم الشعبي للجيش، خاصة في ظل الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع ضد المدنيين.

وأشار إلى أن ميليشيا الدعم السريع لجأت إلى استخدام تكتيكات جديدة شملت الطائرات المسيرة، والأنظمة الإلكترونية الذكية للهجوم والالتفاف على تمركزات الجيش، إلا أن الأخير استطاع امتصاص الصدمة وتطوير أدواته الدفاعية والهجومية في ذات الوقت.

وشدد على أن التقدّم الحالي يعكس تحسناً في جاهزية القوات المسلحة، وقدرتها على التوسع في عمق مناطق النزاع، مستندة إلى عقيدة قتالية رافضة للتفاوض مع جماعات متمردة دون سيطرة ميدانية واضحة، مؤكداً أن الجيش لا يمكن أن يدخل في عملية تفاوض إلا من موقع قوة، وهو ما يسعى إليه الآن عبر الحسم العسكري التدريجي أو الكلي.

تداعيات داخلية تهدد الدولة السودانية الموحدة

وحول الآثار السياسية الداخلية لهذا التصعيد، أشار الدكتور رامي زهدي إلى أن استمرار الحرب بهذا الزخم قد يؤدي إلى تعقيد فرص الحل السياسي، مؤكدًا أن كلما ازداد التصعيد، كلما تقلّصت مساحات التفاهم، وابتعدت الأطراف عن أي أرضية توافقية محتملة.

ولفت إلى أن التآكل المؤسسي في الدولة السودانية بات أمرًا مقلقًا، حيث تؤدي الحرب إلى انهيار تدريجي لمؤسسات الدولة السيادية والخدمية، ما يُضعف مركزية الدولة ويدفع بعض الأقاليم للتفكير في مسارات الانفصال أو الحكم الذاتي، في ظل غياب فعلي لحكم مدني جامع.

وأضاف أن الحرب تعمق التوترات الاجتماعية والعرقية، حيث أن تركّز العمليات في مناطق إثنية وجغرافية بعينها يغذي مشاعر الإقصاء والتمييز، محذرًا من تحول النزاع إلى حرب أهلية متعددة الجبهات يصعب احتواؤها لاحقًا.

انفجار الأزمة إقليميًا ضغط على دول الجوار وخطر الانفلات الأمني

وعلى المستوى الإقليمي، أكد زهدي أن تداعيات الحرب بدأت تتجاوز حدود السودان، مع استمرار تدفق اللاجئين إلى دول الجوار مثل تشاد، مصر، جنوب السودان، وإثيوبيا، مشيرًا إلى أن هذا التدفق يشكل عبئًا متزايدًا على البنية التحتية والخدمات في تلك الدول، وينذر بتوترات سياسية وأمنية محتملة.

ونوّه إلى أن النزاع في السودان قد يؤثر على مشاريع التعاون الإقليمي المرتبطة بالنيل أو الأمن الغذائي، موضحًا أن استمرار الحرب يُعطّل إمكانات الاستثمار في الزراعة والتجارة البينية، ما يهدد الأمن الغذائي في القرن الإفريقي وشرق القارة.

وأبرز زهدي أيضًا خطر تحوّل السودان إلى بيئة حاضنة للتنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة، نتيجة الانفلات الأمني في أجزاء واسعة من البلاد، وقال: “الفراغ الأمني يخلق فرصًا خطيرة لعودة جماعات عابرة للحدود قد تهدد الأمن في البحر الأحمر وممراته الدولية.

احتمالات تدويل الصراع وتغيير خريطة التحالفات

أما على المستوى الدولي، فأوضح الدكتور رامي زهدي أن استمرار الحرب دون أفق سياسي واضح يفتح الباب لتدخلات خارجية متزايدة، سواء عبر دعم مباشر لطرفي الصراع أو من خلال الوكلاء المحليين، ما يحوّل السودان إلى ساحة لصراع إقليمي-دولي بالوكالة.

وأكد أن القوى الإقليمية والدولية تعيد حالياً تقييم مواقفها، مضيفًا: هناك إعادة رسم لخريطة التحالفات في منطقة القرن الإفريقي، إذ تدرس قوى مثل الولايات المتحدة، روسيا، الصين، ودول الخليج مستقبل وجودها ومصالحها في السودان، وهو ما قد يغير من توازنات المنطقة بشكل جذري.

الحل السياسي ضرورة إقليمية لا خيار تضامني

واختتم زهدي حديثه بالتأكيد على أن بقاء السودان كدولة موحدة يواجه الآن أكبر تهديد له منذ استقلاله، وأن استمرار التصعيد دون تدخل سياسي عاجل سيقود البلاد نحو سيناريوهات خطيرة تبدأ بالتقسيم، ولا تنتهي بانهيار إقليمي واسع.

وشدد على أن الضغط العربي والإفريقي، خاصة من دول مثل مصر، لمساعدة السودان على استعادة مساره المدني والسيادي، لم يعد مجرد خيار تضامني، بل أصبح ضرورة أمنية إقليمية لحماية استقرار المنطقة بأكملها.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.