تصعيد متبادل بين واشنطن وبيونغ يانغ وخبراء: التوازن النووي يمنع اندلاع مواجهة مباشرة

5

كتب: اسلام ماجد

جددت كوريا الشمالية اليوم الأحد تحذيراتها الحادة تجاه الولايات المتحدة، مطالبة إياها بالتوقف الفوري عن ممارساتها العسكرية التي تهدد أمن الدول الأخرى، إذا كانت تسعى فعليًا لضمان أمن وسلامة أراضيها. جاء ذلك في بيان رسمي شديد اللهجة صدر عن رئيس مكتب السياسات في وزارة الدفاع الكورية الشمالية، ونقلته وكالة الأنباء المركزية الرسمية في بيونغ يانغ.

وأشار البيان إلى أن “سلامة البر الأميركي لم تعد مضمونة ما دامت الولايات المتحدة تصر على التلويح بقوتها العسكرية وممارسة ضغوط عدوانية على عدد من الدول”، مؤكدًا أن المساعي الأميركية لتصعيد التوتر في شبه الجزيرة الكورية ستأتي بنتائج عكسية.

تصعيد عسكري أميركي وتبرير زائف للتهديد الكوري

وهاجم المسؤول الكوري الشمالي في بيانه الجيش الأميركي، متهمًا إياه بالترويج المتكرر لفكرة “وجود تهديد كوري شمالي مباشر” يستهدف البر الرئيسي للولايات المتحدة. وفي المقابل، تواصل واشنطن – بحسب البيان – تعزيز ترسانتها العسكرية بشكل غير مسبوق، وهو ما وصفته بيونغ يانغ بأنه تحرك استفزازي واضح.

وأضاف البيان أن واشنطن تحاول تضخيم التحركات العسكرية الدفاعية لكوريا الشمالية واعتبارها مصدر تهديد، بينما تبرر تحركاتها النووية والصاروخية بأنها إجراءات دفاعية بحتة. واعتبرت كوريا الشمالية أن هذه الازدواجية في المعايير هي ما يفاقم الأوضاع ويخلق حالة من الغليان على الساحة الدولية.

وتابع البيان: “في الآونة الأخيرة، يُصر الجيش الأميركي على الترويج لوجود تهديد كوري شمالي للبر الرئيسي الأميركي، بينما يوسع من قدراته العسكرية ويقوم بتكديس الأسلحة بطريقة غير مسبوقة”.

اتهامات لواشنطن بإثارة الحروب وتشويه المواقف الدفاعية

أشار بيان الدفاع الكوري الشمالي إلى أن القادة العسكريين الأميركيين لا يترددون في إطلاق تصريحات مستفزة تتضمن تلميحات واضحة إلى احتمال اندلاع نزاع مسلح مع كوريا الشمالية، في وقت تستمر فيه بيونغ يانغ بتطوير قدراتها الدفاعية ضمن حدود سيادتها واحتياجاتها الأمنية.

وانتقد البيان بشدة الموقف الأميركي من تجربة صاروخية أميركية عابرة للقارات، معتبرًا أن “المنطق المغلوط” لواشنطن يكمن في اعتبار كل ما تقوم به بيونغ يانغ تهديدًا بينما يتم تبرير كافة أنشطة واشنطن العسكرية بأنها محاولات لحماية الذات.

وأكد أن “الابتزاز والتهديد المتواصل والعروض الاستفزازية للقوة من جانب الولايات المتحدة ليست سوى السبب الحقيقي وراء ظهور وتفاقم ما يُسمى بالتهديد الخارجي على أمن البر الأميركي”.

كوريا الشمالية: الردع النووي وسيلتنا للحماية في وجه الفوضى الأميركية

وشدد البيان على أن كوريا الشمالية تبذل “جهودًا متواصلة وواقعية” لتطوير ما وصفته بـ”رادع حرب فعّال” في مواجهة حالة عدم الاستقرار المتزايدة التي تسببها واشنطن نتيجة سباقها المتسارع نحو تعزيز ترسانتها النووية.

وأكدت بيونغ يانغ في ختام بيانها أن الولايات المتحدة إذا كانت تبحث حقًا عن أمن أراضيها واستقرارها الداخلي فعليها أولًا أن تتخلى عن سياساتها القائمة على الهيمنة والتهديدات العسكرية، وأن تكف عن التدخل في شؤون الدول الأخرى ومحاولة افتعال صراعات جديدة تحت ذرائع غير مبررة.

كما طالبت كوريا الشمالية المجتمع الدولي بعدم الانجرار خلف الدعاية الأميركية، مشيرة إلى أن الحفاظ على السلام يتطلب احترام مبدأ السيادة وعدم اللجوء إلى سياسة التهديد بالقوة.

اللواء نصر سالم: الردع النووي يمنع الصدام.. وأي استخدام سيُقابل برد فوري

وفي سياق متصل،أكد اللواء نصر سالم، أستاذ العلوم الاستراتيجية بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا، في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، أن النظام النووي العالمي أصبح بمثابة “حزام الأمان” الفعلي لضبط توازن القوى الدولية، لافتًا إلى أن امتلاك الدول العظمى للسلاح النووي لا يعني السعي لاستخدامه، بل هو وسيلة ردع تحفظ الاستقرار وتمنع نشوب صراعات كارثية.

وأوضح أن أي محاولة لاستخدام السلاح النووي من جانب دولة ما، سيتم الرد عليها بقوة مماثلة من الطرف الآخر، وهو ما يجعل خيار التصعيد النووي غير مطروح على أرض الواقع، خصوصًا بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا، حيث يدرك الطرفان أن مثل هذا السيناريو يعني دمارًا شاملاً يستحيل احتواؤه.

وأشار سالم إلى أن التهديدات النووية المتبادلة لا تعني بالضرورة اقتراب استخدامها، معتبرًا أن إطلاق هذه التهديدات لا يتجاوز كونه جزءًا من لعبة الضغط السياسي، وليس دلالة على نوايا حقيقية. وأضاف: “الموضوع ليس بهذه البساطة أو التهويل، فكل طرف يدرك جيدًا ما ستؤول إليه الأمور إن خرجت عن السيطرة”.

وحول السيناريوهات المطروحة بشأن لجوء كوريا الشمالية إلى استخدام سلاح نووي ضد الولايات المتحدة، شدد سالم على أن واشنطن سترد حينها بشكل قاطع وحاسم، موضحًا أن حدوث ذلك سيكون بمثابة نقطة اللاعودة في العلاقات الدولية، وهو ما تسعى جميع الدول الكبرى لتفاديه.

واختتم اللواء نصر سالم تصريحاته بالتأكيد على أن التوازن النووي العالمي، رغم خطورته الظاهرة، يمثل في جوهره أداة لحفظ السلام، وأن سياسات الردع المتبادل بين القوى الكبرى هي التي تحول حتى الآن دون انزلاق العالم إلى حرب شاملة.

أحمد ماجد: بيان بيونغ يانغ طبيعي.. والمشهد لا يتجاوز مناوشات سياسية

ومن جانبه، رأى الخبير الاستراتيجي والباحث في العلوم السياسية، أحمد ماجد، في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، أن البيان الأخير الصادر عن كوريا الشمالية يأتي كرد فعل طبيعي في مواجهة ما وصفه بـ”الاستفزازات المتكررة” من الولايات المتحدة تجاه الدول غير الحليفة لها.

وأوضح ماجد أن واشنطن غالبًا ما تتبع سياسة تصعيدية في تعاملها مع الأنظمة التي لا تتماشى مع رؤيتها أو مصالحها الاستراتيجية، مشيرًا إلى أن أسلوب الضغط سواء المباشر أو غير المباشر غالبًا ما يقابل ببيانات تحذيرية من الطرف الآخر، ضمن ما يُعرف بسياسة الرسائل السياسية.

وأشار إلى أن التوتر القائم بين بيونغ يانغ وواشنطن لا يخرج عن كونه سلسلة من المناوشات الدبلوماسية والعسكرية المعتادة، مؤكدًا أنه من غير المرجح أن تتطور الأوضاع إلى مواجهة فعلية أو استخدام فعلي للأسلحة النووية.

واستشهد ماجد بالحرب الروسية الأوكرانية، والتي رغم ضراوتها وطول أمدها، لم تصل إلى حد استخدام السلاح النووي، وهو ما يعكس إدراك جميع الأطراف لخطورته وعدم واقعيته كخيار سياسي أو عسكري.

واختتم أحمد ماجد تصريحاته بالتأكيد على أن التصعيد اللفظي في مثل هذه الأزمات لا يعني بالضرورة وجود نية حقيقية للمواجهة، بل يدخل في إطار الحفاظ على التوازن الردعي وإرسال رسائل سياسية محسوبة إلى الخصوم والمجتمع الدولي.

لواء نصر سالم

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.