عبد الرحمن السيد
بموجب تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على تعديلات قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، تدخل الحياة البرلمانية المصرية مرحلة جديدة من التنظيم والتمثيل، استعدادًا للاستحقاقات التشريعية المرتقبة في عام 2025. وتشمل التعديلات جوانب جغرافية وتنظيمية ونظامًا انتخابيًا يُثير الجدل بين الأحزاب والقوى السياسية، وسط تساؤلات حول مدى قدرتها على تحقيق تمثيل متوازن يعكس التنوع السياسي والاجتماعي في البلاد.
أبرز التعديلات التي تم التصديق عليها
شملت التعديلات على قوانين انتخابات مجلسي النواب والشيوخ وتقسيم الدوائر، تغييرات جغرافية محدودة، أبرزها:
إضافة مقعد ثالث لدائرة الواسطى وناصر بمحافظة بني سويف، استجابة للزيادة السكانية هناك.
دمج دائرة السيدة زينب مع دائرتي الدرب الأحمر وعابدين بمحافظة القاهرة، في خطوة تستهدف تقليص الفوارق الديموغرافية بين الدوائر.
فصل قسم الأهرام عن دائرة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة، في تعديل يهدف لتخفيف العبء التمثيلي عن تلك الدائرة.
استحداث دائرة مستقلة لمدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، بعد توسعها العمراني وزيادة عدد سكانها بشكل ملحوظ.
كما شملت التعديلات زيادة مبلغ تأمين الترشح، ليكون 30 ألف دنيه للفردي بدلا من 10 آلاف جنيه.
أما على صعيد النظام الانتخابي، فقد أُبقي على التركيبة الحالية لمجلس النواب بواقع 568 عضوًا، يُنتخب نصفهم بنظام القائمة المطلقة المغلقة (284 نائبًا موزعين على 4 قوائم)، والنصف الآخر بنظام الفردي في 284 دائرة.
دوافع التعديلات.. التمثيل العادل وتوازن الكثافة السكانية
وفقًا للمذكرة الإيضاحية المصاحبة للتعديلات، فإن التعديل التشريعي يستند إلى ضرورة تحقيق التمثيل العادل والمتكافئ للسكان والمحافظات، في ضوء التقسيمات الإدارية المستحدثة، والإحصائيات المُحدثة لعام 2025 الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والهيئة الوطنية للانتخابات.
وتهدف هذه التعديلات إلى معالجة الاختلالات التمثيلية التي نتجت عن تغير التوزيع السكاني في بعض المناطق، بما يحقق التناسب بين عدد السكان وعدد النواب الممثلين عنهم، ويضمن معايير واقعية ومنضبطة في تصميم الدوائر.
التأثير على تمثيل القوى السياسية: بين الدعم والرفض
التعديلات أثارت تباينًا في مواقف القوى السياسية. فمن جهة، أكد المستشار رضا صقر، رئيس حزب الاتحاد، أن التعديلات تُعد خطوة نحو تحديث النظام الانتخابي، موضحًا: “ربما كنت أفضل النظام المختلط بين القائمة والفردي، لكن لا شك أن التعديلات تحقق تمثيلًا جيدًا وتعكس حجم الكتلة السكانية بشكل منصف”.
وأضاف “صقر”، في تصريحات خاصة لـ نافذة الشرق”، أن “استحداث دوائر جديدة يمنح فرصًا أكبر لمشاركة الأحزاب الصغيرة في العملية الانتخابية، خاصة في المحافظات التي كانت تعاني من ضعف التمثيل”.
لكن في المقابل، أبدى النائب إيهاب منصور، رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، اعتراضه الشديد على التعديلات، قائلًا: “ما يحدث هو تأميم فعلي للحياة السياسية، التعديلات تصب في مصلحة حزب واحد وتقتل التنوع السياسي”.
وأضاف “منصور”، في تصريحات خاصة لـ “نافذة الشرق”: “النظام القائم على القائمة المطلقة لا يُتيح تمثيلًا حقيقيًا للمعارضة، ويجعل الانتخابات أقرب إلى التعيين المسبق”.
تمثيل الفئات: الشباب والمرأة والأقباط والمستقلين
من أبرز مزايا النظام الحالي، وفق ما تراه الحكومة، هو حفاظه على التمييز الإيجابي لبعض الفئات، كالشباب والمرأة والأقباط وذوي الإعاقة، ضمن القوائم الانتخابية، وهو ما يراه المدافعون عن التعديلات ميزة حيوية لضمان مشاركة تلك الفئات في صنع القرار.
لكن منتقدي النظام يعتبرون أن التمثيل الممنوح لهم مشروط بانضمامهم إلى قوائم معدة سلفًا من قبل الأحزاب الكبرى، ما يُفرغ المشاركة من مضمونها الحقيقي.
أما المستقلون، فيرون أن حظوظهم تظل ضعيفة في ظل اتساع الدوائر الفردية، واحتكار القوى السياسية الكبرى للتمويل والدعاية والبنية التنظيمية، ما يجعل المنافسة غير متكافئة.
الاعتراضات: غياب العدالة الحزبية؟
يتركز الاعتراض الأبرز على نظام القائمة المطلقة المغلقة، الذي يرى فيه المعارضون وسيلة لتقييد التنافسية. ويقول النائب إيهاب منصور: “نظام القائمة المطلقة لا يترك أي فرصة للأحزاب المتوسطة والصغيرة، لأن الفائز يأخذ كل المقاعد، دون أي تمثيل للخاسرين، وهو أمر غير ديمقراطي”.
كما حذر منصور من أن “الدوائر الفردية الجديدة ستخلق تفاوتات كبيرة، وتؤدي إلى إنفاق مفرط على الدعاية، ما يُقصي المرشحين الذين لا يملكون موارد مالية ضخمة”.
تقسيم الدوائر الجديد: كيف سيؤثر على التصويت؟
التعديلات الجغرافية، وإن كانت محدودة نسبيًا، إلا أنها ستؤثر بشكل مباشر على أنماط التصويت.في بني سويف، يُتوقع أن يؤدي إضافة مقعد ثالث إلى إعادة توزيع الثقل التصويتي بين مراكز ناصر والواسطى.
في القاهرة، فإن دمج السيدة زينب مع الدرب الأحمر وعابدين، وهي مناطق متباينة اجتماعيًا، قد يُغير طبيعة التنافس الانتخابي ويُفرز تحالفات جديدة.
في الجيزة، فإن فصل الأهرام عن 6 أكتوبر يُخفف الضغط التمثيلي، لكنه قد يُضعف فرص بعض المرشحين الذين كانوا يعتمدون على دعم الجهتين.أما في العاشر من رمضان، فإن استحداث دائرة مستقلة سيُغير جذريًا خريطة التحالفات والمرشحين، ويفتح المجال أمام قوى سياسية محلية جديدة.
خريطة سياسية على أعتاب إعادة التشكيل
مع بدء العد التنازلي نحو انتخابات 2025، تبدو مصر على أعتاب خريطة سياسية جديدة، ستُعيد توزيع الأوزان النيابية والحزبية، وتُفرز معادلة برلمانية تختلف عن دور الانعقاد الحالي. وبين مدافع عن قدرة التعديلات على تحقيق التوازن، ومعارض يرى فيها تمهيدًا لاحتكار سياسي، يبقى الرهان الحقيقي على وعي الناخبين، وقدرة القوى السياسية على تجاوز العقبات التنظيمية، وخوض معركة المنافسة بآليات جديدة.
وفي انتظار بدء ماراثون الترشيحات ول بعدما صدق الرئيس عبد الفتاح السيسي على قوانين انتخابات مجلسي النواب والشيوخ وتقسيم الدوائر، تبقى التساؤلات مطروحة: هل تستطيع التعديلات أن تُحدث توازنًا في التمثيل السياسي؟ أم أنها تعيد إنتاج نمط سياسي قائم على أحادية الصوت؟ الإجابة ستكون في صناديق الاقتراع.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.