تهجير الفلسطينيين إلى صومالي لاند.. مشروع أمريكي أم خيال سياسي؟

72

كتبت: هدير البحيري

أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تصريح مقتضب، إلى تقارير تفيد باحتمال استقبال إقليم “أرض الصومال” (صومالي لاند) – غير المعترف به دوليًا – لنازحين فلسطينيين من قطاع غزة، مقابل اعتراف واشنطن باستقلاله، في خطوة أعادت تسليط الضوء على واحد من أكثر الملفات حساسية في القرن الإفريقي.
وجاءت تصريحات ترامب خلال مراسم توقيع اتفاقية سلام بين رئيسي أذربيجان وأرمينيا، حيث قال ردًا على سؤال حول الموضوع: “ننظر في هذا الأمر الآن. سؤال جيد في الواقع، ومعقد أيضًا، لكننا نعمل عليه حاليًا”، من دون أن يقدم تفاصيل إضافية أو يحدد موقفًا رسميًا.
ورغم غياب أي إعلان عن اتفاق محتمل، فإن تصريحات ترامب أعادت إشعال التكهنات بشأن احتمال فتح مسار أمريكي للاعتراف بـ”أرض الصومال”؛ الإقليم الذي أعلن استقلاله من طرف واحد عام 1991، وحافظ منذ ذلك الحين على استقرار نسبي وحكم ديمقراطي، رغم عدم حصوله على أي اعتراف دولي.
وتأتي تصريحات ترامب في أعقاب عرض قدمه رئيس “أرض الصومال”، عبد الرحمن محمد عبد الله، يقترح فيه منح الولايات المتحدة قاعدة عسكرية في مدينة بربرة الساحلية الاستراتيجية، إضافة إلى إتاحة الوصول لموارد معدنية ثمينة – بينها الليثيوم – ضمن مساعٍ أوسع لنيل اعتراف دولي بالإقليم.

من جانبها، نفت حكومة “أرض الصومال” مرارًا قبول فكرة توطين فلسطينيين على أراضيها، مؤكدة أن سكان غزة ينتمون إلى فلسطين، وأن أي تسوية دائمة يجب أن تقوم على حل الدولتين مع احترام السيادة الفلسطينية.
وحذرت منظمات المجتمع المدني في الإقليم من أن استقبال نازحين قد يؤدي إلى تسييس المساعدات الإنسانية ويهدد استقرار المنطقة.

وأشارت تقارير سابقة إلى أن فكرة إعادة التوطين في دول ثالثة – من بينها السودان والصومال وأرض الصومال – طُرحت في نقاشات بين مستشارين غربيين وإسرائيليين، لكنها لم تتبلور في أي اتفاق رسمي. كما قوبل مقترح مُسرب من شركة استشارية حول إعادة التوطين الطوعي برفض واسع، وسط انتقادات حقوقية اعتبرته غير أخلاقي وغير عملي.

رفض مصري–أردني للتهجير: حماية للأمن القومي والهوية الفلسطينية

تعارض مصر والأردن خطة تهجير الفلسطينيين انطلاقًا من اعتبارات سياسية وأمنية وقانونية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأمنهما القومي وبموقفهما الثابت إزاء القضية الفلسطينية.
فمن منظور الأمن القومي، ترى الدولتان أن أي عملية تهجير جماعي للفلسطينيين من الأراضي المحتلة، ولا سيما من قطاع غزة أو الضفة الغربية، من شأنها أن تُحدث تغييرات ديموغرافية عميقة تهدد استقرار المنطقة.
وتعتبر القاهرة أن توطين أعداد كبيرة من الفلسطينيين في شبه جزيرة سيناء من شأنه أن يؤثر على تركيبتها السكانية ويخلق بيئة قد تسمح بانتقال الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني إلى داخل الأراضي المصرية.
أما عمّان، فتنظر إلى الأمر باعتباره تهديدًا مباشرًا لاستقرارها، في ظل وجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين على أراضيها بالفعل، وترفض بشكل قاطع أي ترتيبات قد تُفضي إلى تكريس فكرة “الوطن البديل”.
أما على الصعيدين القانوني والسياسي، فإن القاهرة وعمّان تعتبران أن التهجير القسري يتعارض بوضوح مع مبادئ القانون الدولي الإنساني، ومع أحكام اتفاقيات جنيف وقرارات الأمم المتحدة التي تؤكد على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم.
ومن هذا المنطلق، فإن أي دعم لهذه الخطة سيفسر على أنه إقرار بسياسات من شأنها الإضرار بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وتصفية قضيته العادلة.

وفي إطار التوازنات الإقليمية، ترى الدولتان أن قبول مثل هذه الخطة سيشكل تنازلًا استراتيجيًا كبيرًا لصالح إسرائيل وحلفائها، بما يضعف الموقف العربي التفاوضي، ويحد من فرص استئناف عملية السلام على أساس حل الدولتين. كما تدركان أن التهجير لا يمثل حلًا للصراع، بل قد يؤدي إلى نقله إلى دول الجوار، الأمر الذي يفاقم الأزمات الأمنية والسياسية في المنطقة.
في وقت سابق، أصدرت القاهرة تحذيرًا شديد اللهجة من تصريحات بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية بشأن الشروع في تنفيذ مخطط لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، ووصفت ذلك بأنه خرق فاضح للقانون الدولي والقانون الإنساني.
وأكدت أن مثل هذا النهج قد يفضي إلى تداعيات كارثية، ليس فقط عبر تقويض فرص التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإشعال فتيل القتال مجددًا، بل أيضًا من خلال تهديد استقرار المنطقة بأسرها وتقويض ركائز السلام.

وتتضمن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقترحًا بترحيل أكثر من مليوني فلسطيني من قطاع غزة بشكل دائم إلى وجهات أخرى، مع منح الولايات المتحدة حق السيطرة على القطاع، والإشراف على عملية إعادة تأهيل طويلة الأمد، تمهيدًا لتحويله إلى مشروع تنموي وعقاري واسع النطاق.

ورغم أن فكرة التهجير القسري للفلسطينيين ارتبطت تاريخيًا بالتيارات القومية المتطرفة في إسرائيل، فإن طرح ترامب لقي إشادة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي وصفه بـ”الرؤية الجريئة”.

في المقابل، قوبل المقترح برفض قاطع من الفلسطينيين في غزة، ومعارضة شديدة من غالبية الدول العربية، التي أيدت بدلاً من ذلك الخطة المصرية لإعادة إعمار القطاع والإبقاء على سكانه في موطنهم.
كما حذرت منظمات حقوقية دولية من أن أي عملية تهجير قسري أو ضغط على الفلسطينيين لمغادرة أراضيهم قد تشكل جريمة حرب بموجب القانون الدولي، فيما أكد البيت الأبيض أن ترامب “متمسك برؤيته”.

أرض الصومال.. حدود غير معترف بها ومكانة استراتيجية

أرض الصومال هي منطقة تقع في شمال غرب الصومال، أعلنت استقلالها من طرف واحد عام 1991 عقب انهيار الحكومة المركزية في مقديشو، لكنها لم تحصل على أي اعتراف دولي حتى اليوم، وتظل وفق منظور الأمم المتحدة جزءًا من الدولة الصومالية.
تمتلك أرض الصومال حكومة وبرلمانًا وجيشًا وعملة خاصة بها، وتتمتع باستقرار نسبي مقارنة ببقية مناطق الصومال. عاصمتها مدينة هرجيسا، ويبلغ عدد سكانها نحو 5.7 مليون نسمة، جميعهم يعتنقون الدين الإسلامي ومعظمهم يتبعون المذهب السني الشافعي، ويتحدثون العربية والصومالية والإنجليزية.
تأسست أرض الصومال عام 1860 على يد أحد قادة الطريقة القادرية، الشيخ مدار، الذي أسس نواة التجمع العمراني في المنطقة. وفي عام 1942، اتخذت الإدارة البريطانية من الإقليم، الواقع على مفترق طرق القوافل بين أوجادين وساحل خليج عدن، مقرًا لها، ما ساعد على ترسيخ أهميته التجارية والسياسية.
تطل أرض الصومال شمالًا على خليج عدن، بينما تحدها إثيوبيا من الجنوب والغرب، ومن الشرق منطقة بونتلاند شبه المستقلة.
يعتمد اقتصادها على الزراعة وتربية المواشي وتحويلات المغتربين، إضافة إلى النشاط التجاري في ميناء بربرة الذي يعد شريانًا اقتصاديًا حيويًا للمنطقة.

إنكار دولي وتزاحم على النفوذ الإقليمي

ورغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على إعلان الانفصال، لم يحظ إقليم أرض الصومال بالاعتراف الدولي لأسباب عدة، أبرزها تمسك الاتحاد الإفريقي بمبدأ احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار، خشية تشجيع الحركات الانفصالية في القارة. كما ترفض الحكومة الفيدرالية الصومالية الاعتراف بها، معتبرة ذلك مساسًا بسيادة البلاد.
وتخشى بعض الدول الإقليمية، مثل إثيوبيا وكينيا وإريتريا، من خلق سابقة قد تلهم مناطق أخرى لديها نزعات انفصالية. وإلى جانب ذلك، لم يمارس أي طرف دولي ضغوطًا جادة لدعم الاعتراف بها، رغم استقرارها النسبي. كما أن موقعها الجيوسياسي على خليج عدن جعل ملفها ورقة تفاوض في سياق التنافس الإقليمي، خاصة بين الإمارات وتركيا وقطر، وهو ما أسهم في إبقاء وضعها معلقًا بين الواقع العملي والشرعية الدولية.
ترتبط أرض الصومال بعلاقات وثيقة مع الإمارات وإثيوبيا، حيث وقعت حكومة هرجيسا في 2016 اتفاقية مع شركة “موانئ دبي العالمية” لتطوير وإدارة ميناء بربرة لمدة 30 عامًا، بهدف تحويله إلى مركز لوجستي يخدم التجارة في القرن الإفريقي.
وفي 2018، انضمت إثيوبيا إلى المشروع بحصة 19%، مستفيدة من الميناء كممر بديل إلى البحر، بعيدًا عن الاعتماد الكامل على موانئ جيبوتي. كما تسعى أديس أبابا إلى تعزيز شراكتها مع أرض الصومال في مجالات النقل والبنية التحتية، وهو ما يثير أحيانًا تحفظات الحكومة الفيدرالية في مقديشو.
أما تركيا، فترى في وحدة الأراضي الصومالية أولوية، لذا لا تعترف بأرض الصومال كدولة مستقلة، لكنها تحتفظ باتصالات غير رسمية معها.
يتركز نفوذ أنقرة في مقديشو عبر مشاريع تنموية وتعاون عسكري، كما حاولت التوسط بين الحكومة الفيدرالية وأرض الصومال دون تحقيق تقدم ملموس.
قال الباحث في الشؤون الدولية والخبير في الشؤون الآسيوية ، إسلام شحته لـ”نافذة الشرق” إن الخطة الأمريكية لبحث استقبال نازحين فلسطينيين في إقليم صوماليلاند يمكن اعتبارها اعترافًا غير مباشر بالإقليم.
وأوضح شحته أن الدخول في مفاوضات بهذا الحجم مع حكومة صومالي لاند، بعيدًا عن الحكومة الفيدرالية في مقديشو، يعكس التعامل مع الإقليم ككيان سياسي قائم بذاته، حتى وإن لم يُصدر البيت الأبيض إعلانًا رسميًا، معتبرًا أن منح صومالي لاند مكاسب أو ضمانات مقابل تعاونها يشكل إقرارًا عمليًا بواقع استقلالها، وقد يشجع دولًا أخرى على اتباع خطوات مشابهة.

وأضاف شحته أن مصلحة الولايات المتحدة من إبرام مثل هذه الصفقات في منطقة القرن الإفريقي تتجلى في أهميتها الاستراتيجية، إذ تمثل نقطة ارتكاز تربط بين البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، وهو ممر حيوي للتجارة العالمية وعمليات الإمداد العسكري.
وأكد شحته أن حصول واشنطن على قاعدة عسكرية في بربرة يمنحها قدرة أكبر على مراقبة الملاحة ومكافحة القرصنة والإرهاب، ويعزز وجودها في مواجهة النفوذ الصيني والروسي، إضافة إلى الوصول إلى موارد معدنية مثل الليثيوم التي تمنح الولايات المتحدة ميزة اقتصادية مهمة في سباق الصناعات التكنولوجية المستقبلية.

وأشار شحته إلى أن هذه الخطة قد تُحدث تغييرًا في موازين القوى في شرق إفريقيا والشرق الأوسط، حيث يمكن لمثل هذه الصفقة أن تضيف بعدًا جديدًا للصراع على النفوذ في شرق إفريقيا، خاصة إذا أدى الاعتراف الضمني بصومالي لاند إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية.
وأضاف أن إثيوبيا والإمارات قد تجدان فرصًا لتعزيز حضورهما في الميناء والقاعدة الأمريكية المحتملة، بينما قد ترى تركيا وقطر في الأمر تهديدًا لمصالحهما في الصومال، مؤكدًا أن نقل نازحين فلسطينيين خارج المنطقة قد يغير مواقف بعض الدول تجاه الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، ما ينعكس بدوره على التوازنات السياسية والأمنية في الإقليم.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.