توتر مكتوم بين الكنيسة الكاثوليكية و ترامب بسبب سياسات الهجرة.. ماذا حدث بينهم؟
كتب: إسلام ماجد
رغم التصاعد الملحوظ في حدة الانتقادات الصادرة عن الكنيسة الكاثوليكية في الولايات المتحدة تجاه سياسات الرئيس السابق دونالد ترامب المتعلقة بالهجرة، إلا أن الأمور لم تصل بعد إلى مستوى الصدام المباشر أو ما يمكن تسميته بـ”الحرب المفتوحة” بين الطرفين. فالمواقف الكنسية حتى الآن لا تزال تتحرك في إطار الضغط الأخلاقي والسياسي، بهدف تصحيح مسار بعض السياسات التي تراها الكنيسة مجحفة بحق الفئات الأضعف في المجتمع.
تقرير حديث لصحيفة “نيوزويك” الأمريكية ألقى الضوء على هذا التوتر المتزايد، مشيرًا إلى أن مؤتمر الأساقفة الكاثوليك الأمريكيين، وهو الهيئة الرسمية للكنيسة الكاثوليكية في البلاد، قد عبّر عن قلقه الشديد من سلسلة قرارات اتخذتها إدارة ترامب بشأن ملف الهجرة، ولا سيما ما يتعلق بإلغاء إرشادات حماية النساء الحوامل وأطفالهن أثناء احتجازهم من قبل السلطات.
رسائل واضحة لا مواجهة صريحة
الأسقف مارك جيه. سيتز، رئيس لجنة الهجرة بمؤتمر الأساقفة، صرّح بأن إلغاء هذه التدابير يعكس “لامبالاة خطيرة تجاه الفئات الضعيفة”، معتبرًا أن المساس بسلامة الأمهات وأطفالهن يُعد تجاوزًا لا يمكن تبريره. وفي حين بدت نبرة التصريحات شديدة، إلا أن الكنيسة لم تعلن موقفًا سياسيًا مباشرًا ضد ترامب أو حزبه، بل حرصت على تأكيد تمسكها بدورها الإنساني والأخلاقي بعيدًا عن التجاذبات الانتخابية.
كما أظهرت مذكرة داخلية تم تداولها داخل الهيئة بتاريخ 5 مايو، أن هناك أربع سياسات للهجرة ترى الكنيسة أنها “غير متوافقة” مع تعاليمها ومبادئها، لكنها لم تطالب بإسقاط تلك السياسات بالقوة، بل دعت إلى إعادة تقييمها بما يتماشى مع القيم الإنسانية والدينية.
علاقة حذرة لا تنقطع
من المهم الإشارة إلى أن الكنيسة الكاثوليكية، رغم انتقاداتها العلنية، لا تسعى إلى قطيعة مع الحزب الجمهوري أو الدخول في صراع مفتوح مع أي إدارة أمريكية. وفي دعوى قضائية سابقة رفعتها الهيئة في فبراير الماضي، أكدت أنها تعاونت مع الحكومات الأمريكية المتعاقبة لأكثر من خمسين عامًا في ملف إعادة توطين اللاجئين، وأن هدفها الأساسي هو استمرار هذه البرامج التي تخدم مئات الآلاف من الأشخاص المحتاجين حول العالم.
البيان القضائي أشار أيضًا إلى أن توقف التمويل الحكومي قد يسبب “ضررًا لا يمكن إصلاحه” للبرامج التي تديرها الكنيسة، ما يعكس رغبة واضحة في استمرار التعاون مع الدولة لا القطع معها.
ضغط كنسي لا صدام انتخابي
يرى محللون أن العلاقة بين الكنيسة الكاثوليكية والجمهوريين تمر بمرحلة دقيقة تتسم بالحذر من الجانبين، فبينما تمارس الكنيسة ضغطًا علنيًا ومتدرجًا، تتجنب التصعيد المباشر، في حين تلتزم إدارة ترامب السابقة وقيادات الحزب الجمهوري بالصمت تجاه تلك الانتقادات، لتفادي الدخول في مواجهة قد تُكلفهم سياسيًا، خصوصًا أمام شريحة الناخبين الكاثوليك.
كما أن خبراء في السياسة الأمريكية يؤكدون أن الكنيسة لا تسعى إلى لعب دور سياسي مباشر في الانتخابات أو التأثير على نتائجها، لكنها تدرك حجم تأثيرها المجتمعي والأخلاقي، وتسعى لاستخدامه في توجيه رسائل واضحة بشأن قضايا مثل الهجرة وحقوق الإنسان.
مطالب واضحة وتحفظات قائمة
في خضم هذا التوتر، تواصل الكنيسة طرح مطالبها بشكل علني لكنها متزن، إذ تدعو إلى سياسات هجرة عادلة تراعي إنسانية الفئات المتأثرة، وتنتقد أي إجراءات تعسفية أو غير إنسانية. وهي بهذا تسير على خط دقيق يجمع بين الانتقاد الحاد والحرص على عدم تفجير العلاقة بشكل نهائي.
و المشهد الحالي لا يعكس “حربًا” بين الكنيسة الكاثوليكية وإدارة ترامب، بل مواجهة ناعمة تمارس فيها الكنيسة ضغوطًا محسوبة، بينما تترقب إدارة ترامب وحلفاؤها الجمهوريون ما إذا كانت هذه الانتقادات ستترجم إلى تأثير فعلي في صناديق الاقتراع، أو ستظل في نطاق الخطاب الديني والأخلاقي دون أبعاد سياسية مباشرة.
وفي السياق ذاته أكد الدكتور رامي عاشور أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، أن العلاقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمؤسسات الدينية المسيحية، وعلى رأسها الكنيسة الكاثوليكية، شهدت تقاربًا كبيرًا منذ بداية حملته الانتخابية، حيث وعد بتمكين المسيحيين المحافظين من تولي مناصب رفيعة داخل الدولة، وهو ما أكسبه دعمًا واسعًا في الأوساط الكنسية.
وأوضح عاشور أن لترامب مواقف واضحة تلقى ترحيبًا من الكنيسة، لا سيما تلك المتعلقة بمناهضة الإجهاض ورفض المثلية الجنسية، وهي قضايا مثّلت نقاط توتر كبيرة بين الكنيسة والإدارة السابقة بقيادة الرئيس جو بايدن، والتي شهدت صدور بيانات كنسية غاضبة ضد بعض سياساته. وأضاف أن ترامب خلال ولايته الحالية أعاد التأكيد علنًا على مواقفه الرافضة لتلك السياسات، ما عزز من صورته داخل الأوساط المسيحية المحافظة.
وأشار إلى أن الخلافات بين ترامب والكنيسة لم تصل إلى مرحلة الصدام أو القطيعة، رغم وجود بعض التباينات في المواقف، خاصة تجاه إسرائيل، إلا أن ترامب نجح في احتواء هذا الخلاف عبر تصدير توتره الشخصي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كجزء من سياق أوسع يعيد صياغة العلاقة دون المساس بجوهر التحالف التقليدي.
وحول موقف الكنيسة من ملف الهجرة، أكد الدكتور عاشور أن الكنيسة الكاثوليكية، ومعها بابا الفاتيكان الراحل فرانسيس، تبنت مواقف معارضة صريحة لسياسات ترامب في هذا الملف، انطلاقًا من مرجعية دينية وأخلاقية تضع حق الهجرة والتنقل ضمن الحقوق الإنسانية الأساسية. وأضاف أن أول نص أقر بحرية التنقل ورد في كتب سماوية عدة، منها العهد القديم والجديد والقرآن الكريم، وهو ما استندت إليه المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وشدد عاشور على أن ترامب، بموقفه الرافض للهجرة، لا يواجه فقط اعتراضات قانونية من المجتمع الدولي، بل يصطدم أيضًا بمبادئ إنسانية ودينية راسخة. واختتم بالتأكيد على أن الكنيسة لا تخوض حربًا ضد ترامب أو الجمهوريين، بل تمارس ضغوطًا واضحة عليه، في محاولة لإعادة توجيه سياساته بما يتماشى مع قيم المسيحية والرسالات السماوية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.